[email protected] مطلع يناير من كلِّ عامٍ جديدٍ تتفتَّح مَياسمُ سَعْدِه بُشرياتٍ وأغنياتٍ وأمنياتٍ ؛ يزدادُ خَفْقُ عَلَمنا السودانيِّ الباذخ إحياءً لذكرى الاستقلال المجيد ، مثلما يزداد خفقان قلوب هذا الشعب الأبيِّ ، وتَهيام أرواحه داخل حلقةِ الوطن الرحيبة ودورانها النشوان حول (تُقَّابة) العشق السرمدي للتراب ومعنى الانتماء وقيمة الحرية وجدوى الحياة ! ترزمُ طبول القشعريرة ..تعزف دراويش الحواس المُجنِّحة في فضاء الانعتاق ..يترجم عشقها شِعْراً وموسيقى وهينمات ، وهي تستحضر الماضي التليد والمجد المؤثَّل لوطنٍ رادَ الانتفاض – في إقليمه – من وهْدة الظلام والتخلُّص من براثن الاحتلال والتحلُّل من سلاسله المقيتة ! على أيدي رجالٍ بذلوا أرواحهم الطاهرة رخيصةً في سبيل الوطن ..رجالٍ ما جَبنِوا وما وَهِنوا ولا لانتْ لهم عريكةٌ وهم يمتطون عزمَهم الجمَّاح حتى أسْلمونا وطناً حُرَّاً أبيَّاً واستقلالاً (مثل صحْن الصيني لا فيهو شق ولا طق ) أو كما قال رافع علم السودان الراحل المقيم الزعيم الأزهري ! الآن ونحن نتنسَّم نفحات العيد التاسع والخمسين لا بُدَّ لنا من التوقُّف بُرهةً إجلالاً لأولئك الأبطال الذين أورثونا هذه الأرض الطيبة وقبل ذلك صرْحاً متيناً من معاني التضحية والفداء ونُكران الذات والنزاهة ونظافة الأيدي والضمائر والتفاني والإخلاص لوطنٍ واحدٍ يسع الجميع ، يعلو ولا يُعْلَى عليه ..! وحتى لا يكون وقوفنا بين يديهم موْسمياً لا يعدو كونه راتباً على سجَّادة القعود والاستكانة والاجترار على ايقاعات التواكل داخل جلباب (كان أبي) لا بهِمَّةِ (كان) و(هأنذا ) ؛ يلزمنا النظر إلى واقعنا الآني ، إلى أيِّ مدى استلهمنا تلك القيم النبيلة وترجمناها فِعلاً على أرض الحاضر و تعهَّدناها بالسُّقيا والرعاية ، لا لتُصبحَ شجرةً لا يقربها إلاَّ أولو الإرْبة من الديناصورات العاملين عليها ، إنَّما لتُصبحَ رياضاً وارفةً وجنَّاتٍ ألفافاً تُبشِّر سنابلها بالغد الزاهر والمستقبل الوريف لآتين بَعْدنا يمشون في مناكبها مُسلَّمَةً لاشِيَةَ فيها ..غير منقوصةٍ ولا ممنوعة ليحملوا بعد ذلك العبءَ ويحموا أرضهم ! هل سقط سهواً ربعُ مساحة وطننا إنساناً وثقافةً وهُويَةً وأرضاً وموارداً من بين يديِّ رعونة ساستنا بانفصال الجنوب عن الشمال؟ هل اختلَّ ميزان اقتصادنا بذهاب النفط وتبدَّد جرَّاء الحروب المشتعلة في أجزاء حميمة من الوطن كمثلث الحريق (دارفور – جنوب كردفان – النيل الأزرق) وأجزاء أخُر تتململ ، فضلاً عن تحرُّشات الجنوب المنفصل، هل التهم ما بقي منه غول الفساد المستشري استشراء النار في الهشيم والاعتداء على المال العام الذي أصبحتْ عاديَّته كاحتساء شاي الصباح ؟! وجريانه على صفحات الصُحف والمجالس مَجرى المصارف الصحية ، وما جدوى أسماء مكافحته الرنَّانة التي لا تُقِّدم ولا تؤخِّر من لدُن منسقية مكافحة الفساد وآلية مكافحة الفساد وغيرها من الأجهزة والجهات المناط بها إقامة حدَّ القانون على القوي والضعيف : إلاما الباب يحول بينكم ويحميكم مِن الشِّلْتوها مِى هِيلكم ؟ مِن العِقْتوهو فى رزْقو ونازعْتوهو فى حقُّو وهمْبتُّوهو ما زادْ ليهو فَدْ لَبْعه تشكِّروا فيهو ميزانكم وقنطاركم يقول للوقَّه يا دُفْعه ! هل اختلَّ ميزاننا الديني والأخلاقي والقيميِّ – على نقيض الشعارات الجوفاء المرفوعة والرساليَّة المزعومة – اختلالَ بيتٍ شِعريٍّ هزيل ،هل سَلِمَ ما بقي منه صدْراً وعجزاً من الزحافات والعِلل والاختلاس الجهير ؟ وكيف تسرَّب الحشْو بين الأضرُب والعَرَوض كالماء من بين فروعِ الأصابع شَعباً هائماً في ملكوت الخصاصة والكفاف غاية مُناه لُقيماتٍ يُقمن الأصلاب لتأدية فروض الولاء للقهر المُقيم ! ولماذا تتزيَّل بلادُنا سائر قوائم بلاد الله في التحضر والنهوض بالأمة وشتَّى مناحي الحياة ، بينما تتصدَّر قوائم الأكثر فساداً وفقراً وعطالةً وانتحاراً وأخيراً (تعاطياً للكحول) كما تُفيد دراسات المنظمات الدولية ؟! ما الذي جعل اللامُبالاة كتاباً مفتوحاً على وجوه المواطنين القانطين إذْ لم يعُد يهمَّهم إنْ قامت الانتخابات في مواعيدها أم لم تقُم لها قائمة ، ولا إنْ عُدِّل الدستور أم لم يُعَدَّلْ ، اُنتُخب ولاةُ المسلمين ومعتمديهم أو عُيِّنوا ! انفلق الحزب الحاكم إلى فلقتين أم لم ينفلق ..التأم شمله أم أصبح مثل شملة (بت كنيزة) ! انسلخ منه شريكه أم سلخه ..! توصَّلتْ سباعيتهم إلى حل سياسي أم انهارت كما انهارت مثني وثُلاث ورباع أم أعادوا النظر في اتفاقية سابقة بُمباركة (شولة) منقوطة : وتختمُ تلك جولتَها لتبدأَ هذه الجوْله فنشهدُ عُرْسَ حاشيةٍ إذاما باركتْ شوْله وأنَّ المعنى فى المتْنِ غدا شعْباً بلا دوْله ونحرثُ بحرَ حُجَّتِنا وسهلُ فعالِنا أولى فإنْ كُلٌ غدا مَوْلى فأين المَوْلَى يا مَوْلَى ؟!! ما الذي جعل (هه) حاضرةً دوماً على شفاه الشعب متى ما قال القائلون من ولاة الأمر بألسنتهم ما ليس له وجود على أرض الواقع إلاَّ بقدر وجود الغول و العنقاء والخلّ الوفي من الوعود (العُرقوبيَّة ) المكرورة والبُشريات الجميلة ومستحيلة بميزانيات الرخاء وخيرات الأرض المزموع انعكاسها على البطون الخاوية ؟! وما هي الأسباب التي تجعل أبناء الوطن وخيرة كوادره البنَّاءة يفارقون أرضهم السمراء فراقَ غير وامق ، أو قُلْ تلفظهم – دون رحمةٍ – خارج الحدود تتلقَّفهم المنافي والأصقاع البعيدة ومجاهيل النوى والشتات والتخبُّط في غياهب اللجوء السياسي و أضابير (الانسلاب الثقافي) وقِفار القنوط والنكاية الملقيَّة على قوارعها جوازاتُ السفر السودانية والجنسيَّات المُستَبْدَلة بالذي هو حقيق بأبجد الإنسانية وهوَّز حاجتها خُبزاً وكرامة ! تُرى بعد ذلك هل بقي من بيت شِعْرِنا البهيج سوى طلَلٍ دارسٍ يختزل رسْم إنسانٍ بالٍ يتشيَّأُ أثرُه الحضاري وظلُّه الثقافي عُزلةً وقحْطاً و زمهريراً وقُرَّاً تحولُ ارتعاشاته دون كتابة سطْرٍ واحدٍ أو تفعيلةٍ حيرى على سبّورة الإنقاذ والإنجاز والإعجاز أنْ كلّ عامٍ وأنت أيُّها الوطن الحبيب كما نُحبُّ ونشتهي ؟! وأخيراً : إنْ يسألوكَ عن الرجاءِ فقُلْ لهم : إيَّان ينبلجُ الإباءْ ؟ حتماً ستنهزمُ الدياجرُ بالضياءْ بالمُدلجين من المشارفِ نحو أعماقِ الوباءْ بالكاظمين الغيظَ أرباب السماحةِ والنقاءْ بالهاربين من الضرائبِ والجباياتِ ومن لونِ الدِّماءْ بالعازفين عن الحياةِ تعفُّفاً لا الآخذين بلا عطاءْ بالخارجين من الكهوفِ المظلماتِ إلى الخلاءْ بالصابرين على المواجعِ وابتزازِ العيْشِ فى زمنِ البلاءْ بالحاملين الصيفَ دفئاً للشتاءْ بالغامدين السيْفَ فى قلبِ الهُراءْ فتعودُ يا وطنى على مَتْنِ السحائبِ للمواسمِ بالرَّخاءْ وتعودُ يا وطنى على متْنِ السحائبِ للمواسمِ بالرَّخاءْ !!