الحديث عن الرغبة في ترشح الرئيس- أي رئيس كان- لدورة جديدة، أو عدم رغبته في الترشح لا يعدّ كونه مجرد حديث للإعلام، بقدر ما هو رسائل في اتجاهات عدة. نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية نهاية الأسبوع المنصرم حوارا مع الرئيس البشير، وفي معرض ردوده أبدى زهده في الترشح لانتخابات 2020م، وبدا الرئيس- وفقا لإفاداته في الصحيفة- أنه يرغب أن يسمع صفة رئيس سابق، ودون اجتهاد، يقول الرئيس: إن دستور 2005م لا يسمح له- أصلاً- بالترشح. قبل انتخابات 2015م، ومن دولة قطر، أعلن الرئيس عبر صحيفة الراية أنه لا يرغب في الترشح لدورة رئاسية ثانية، ثم أطلق العنان لخطاب جديد داخل حزبه، أن أبحثوا عن خليفة، وقد كان أن بعض عتاة الحزب بدأوا في تهيئة أنفسهم لخلافة البشير، لكن سرعان ما اتضح أن ذاك الإعلان ما هو إلا فخ لجس مطامع رئاسية حبيسة، لكنه قضى عليها، ثم قاد الحزب والسودان لولاية ثانية. دستورياً، ليس في الإمكان أن يترشح الرئيس لولاية ثالثة، لكن ما دام أن ذلك معلوم بدهياً، فلماذا يعلن الرئيس عدم رغبته الترشح.. ويغازل لقب رئيس سابق.. وهل الدستور- في الأصل- غير قابل للتعديل.. تابعنا كثيراً موجات متتالية من التعديلات الدستورية. حينما بدأ الحديث عن ترشح الرئيس لدورة ثانية في انتخابات 2015م ثار جدل حول دستورية الخطوة، فكان هناك ما يشبه الانقسام، بعضهم رأى أن دورة ثانية للرئاسة هي حق مكفول للرئيس، حيث إن حساب عدد الدورات يبدأ ببداية سريان الدستور، وهو العام 2005م، فيما فريق آخر رأى عدم دستورية هذه الخطوة، وبعضهم دفع ثمن موقفه، مثل غازي صلاح الدين. المتغيرات البارزة هذه المرة أن معادلة إقليمية جديدة تنتظم المنطقة، تتجه إلى دعم الحكومات القائمة، ولا تميل اتجاه دعم أية معارضة لحكومات مستقرة، أو تبدو كذلك.. لكن الرئيس الذي كان مسنوداً ومدعوماً بحزبه المؤتمر الوطني، أرخى هذا السند، وبدا زاهدا فيه، بعد ما أفرغه من قياداته الفاعلة، تحت دعوات الإصلاح.. بل نعى الحزب حينما تنبأ له بمصير الحزب الاشتراكي. لقد بدأ الرئيس منذ فترة يبتدر خطابا جديدا، يحاول أن يتحلل من التزاماته الحزبية والأيدولوجية، ويطرح نفسه قومياً، وحاول أن يرسل هذه الرسالة عدة مرات، وكان آخرها خطاب كسلا الشهير أواخر 2016م، قبيل الجولة الثانية من العصيان المدني.. لكن.. هل حقاً أن الرئيس لا يرغب في الترشح، وهذا خطاب إلى الناس أن يتهيأوا للمرحلة القادمة، أم قرر الرئيس خوض انتخابات 2020م بصفته مرشحا قوميا؟. التيار