كانت غالبية الذين تابعوا الحملة الانتخابية لمرشح الحزب الجمهوري، يستبعدون أن يصبح دونالد ترامب مرشحاً للحزب في انتخابات الرئاسة، لكن توقعاتهم ذهبت مع الريح، وبات ترامب هو مرشح الحزب الوحيد. ذات الغالبية، استبعدت تماماً أن يفوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية ويصبح رئيساً مُنتخباً، وسارت دراسات الرأي العام في بادئ الأمر في ذات الاتجاه.. لكن ما حَدَثَ أنّ دونالد ترامب أصبح الرئيس الأمريكي المُنتخب. ذات الغَالبية، استبعدت تَمَاماً بعد فوز تَرامب أن ينزّل برنامجه الانتخابي المجنون على الأرض، وتمسكهم في ذلك أن أمريكا، دولة مؤسسات.. إلى أن وقعت الواقعة.. الربكة والفوضى التي خلّفتها قرارات ترامب في بعض مطارات العالم أمس، تؤكد التزامه ببرنامجه الانتخابي غير آبهٍ. القرارات التي اتخذها ترامب والتي سوف يتّخذها، هي أمرٌ طبيعيٌّ يتّفق مع برنامجه الانتخابي الذي يُهدِّد النموذج الأمريكي قبل أن يُهدِّد بعض مُواطني الدول المُسلمة أو المُهاجرين أو أيِّ اتفاقٍ تاريخي حَدَثَ في العهد السابق. ربما يكون صُعود ترامب إلى سَدّة رئاسة الولاياتالمتحدة هو نتيجة طبيعية لصُعود التيارات المُتطرِّفة الجهادية وسيطرتها على المشهد السياسي والأمني. كان مُحيِّراً صعود تنظيم دموي يتعطّش للقتل، يعلن دولة خلافة إسلامية، وكان مُحيِّراً أكثر أن يستطيع هذا التنظيم أن يحشد الملايين من الذين انضموا إليه بصدقٍ، يتطلّعون إلى دولة خلافة لا تبقي في الأرض غير المسلمين السُّنة.. لذلك كان طبيعياً أن يصعد في أمريكا خطاب شعبوي مُنغلق يُعادل دولة الخلافة الإسلامية. القرارات الأخيرة التي اتخذها ترامب والقاضية بحَظر دخول مُواطني عددٍ من الدول بدواعي أنّها خطرٌ على أمريكا ليست مجحفة فقط، بل انتقائية ومُتناقضة.. إنْ كانت القرارات بالفعل لحماية أمريكا من خطر الإرهاب، فكان الطبيعي أن تتسيّد دول كُبرى في المنطقة قائمة الحظر، فهي الحاضن الحقيقي والمُفرخ والمُموِّل للجماعات الإرهابية، بل أنّ الإرهاب عقيدتها في الأساس.. وهذا يُؤكِّد انفعالية هذه القرارات وعشوائيتها. الخطر القادم ليس على المُسلمين أو اللاجئين، إنّما على الولاياتالمتحدة نفسها، النموذج الذي ظَلّ يتطلّع إليه العالم مُهدِّدٌ الآن. المُتوقّع أن يواصل ترامب قراراته، وتُقاوم المُؤسّسات وفقاً للمُتاح، وتزداد وتيرة الاحتجاجات والتظاهرات المُندِّدة بقراراته والتي تتباكى على إرث الآباء والأجداد.. ترامب الذي يتعامل مع إدارة الدولة بشيءٍ من الشخصنة، سوف يكمل أربع سنواته بالشد والجذب وستعود أمريكا كما كانت، لأن هناك من ينقذها فعلاً، لكن ماذا بشأننا نحن؟ ماذا نحن فاعلون حتى نخرج من قوائم السوء هذه؟! التيار