إستكمل أباطرة و قياصرة ( سنترالخرطوم ) حلقات مصادرة كافة الحرّيات والحقوق فى السودان ( الفضل ) فى (المركزوالهامش )، بدءاً من مصادرة مبدأ إستقلال القضاء وحريّته المكتوبة – حبراً على ورق – فى الدستور، مروراً بالحق فى التنظيم و التعبير، و إنتهاءاً بالحق فى التفكير و حريّة الرأى و الضمير. و لكل هذا و ذاك ، لم يستغرب الناس حملات مصادرة الصحف والكتب و المطبوعات وحجبها عن أعين القرّاء فى المكتبات و حظرها فى منافذ التوزيع، و إن إستهجنوها. وكان آخر( العروض) حظر ( 17) كتاب وعنوان فى معرض الخرطوم الدولى للكتاب، فى أكتوبر الماضى، بين عناوينها كتب المفكّرالأستاذ محمود محمد طه وكتاب مراجعات إسلامية للدكتور حيدر إبراهيم و بعض كتب الدكتور كامل إبراهيم وغيرهم. وبعد أن شبع( القوم) وشعروا أنّهم قد أنجزوا – تماماً- مهام مرحلة مصادرة الحقوق و الحريّات – داخلياً – كالحق فى التنظيم والتعبير، وإستقلال القضاء، آثرالقيصر نقل التجربة – أى الجريمة – فى ( وأد ) الحقوق ومصادرة الحريّات عبر الحدود. و كانت وجهتهم – هذه المرّة – كينيا، التى يتمتع شعبها بدستور جديد، كفل للقضاء حرّيته وإستقلاله. ويفهم ويستوعب ويحترم ” بعض ” قادتها وساستها، مبدأ فصل السلطات. فما للسلطة التنفيذية لها، و ما للسلطة التشريعية لها، وما للسلطة القضائية لها تماماً، وما للسلطة الرابعة ( الصحافة ) لها أيضاً، كما القول المعروف ( ما لله، لله، وما لقيصر، لقيصر ) . و لا سبيل ( للدغمسة و الخج ) . و أصل الحكاية أنّ القضاء الكينى المستقل عن السلطة التنفيذيّة، أصدر حكماً يتوافق مع تعهّدات الدولة الكينية وإلتزاماتها الدوليّة ،وفق معاهدة روما حيال المحكمة الجنائية، فيما يخص عدم السماح للمطلوبين من المحكمة دخول الأراضى الكينيّة، أو القبض عليهم متى ما تواجدوا فى أراضيها أوفضاءاتها. و( المعنى واضح ، و شرح الشعر ، يفسده ). و هذا الحكم القضائى الذى أصدره قاضى المحكمة العليا ( أومبيقا )، لا يمكن للسلطة التنفيذيّة، نقضه (إداريّاً). وقد وقف رئيس القضاء ( ويلى موتونقا ) مدافعاً عن مبدأ حريّة القضاء .ومحذراً السلطة التنفيذيّة، من مغبّة التورّط فى الإساءة للقضاء الكينى والتدخّل فى شئونه. و تبقى أمام الحكومة السودانية ودبلوماسيتها، ووزارة عدلها ومستشارى رئيس الجمهورية – على كثرتهم – طرق أبواب الإستئناف أمام القضاء الكينى، وبحث سبل التعاون مع الحكومة الكينيّة – أن رغبت – إستئناف الحكم، عبرالقنوات القضائية المعلومة والمكفولة. وهذا يستغرق وقتاً وجهداً وفكراً ومالاً معلوم . أمام هذا الحكم القضائى، وفى مواجهته ، لجأت ” عبقريّة ” الخرطوم للتصعيد الدبلوماسى، بدءاً من سحب السفير السودانى، وإعتبار السفير الكينى فى الخرطوم ( برسونا نن قراتا ) أى ” شخصاً غير مرغوب فيه ” ،وصولاً للإبتزاز السياسى والتهديد بإعمال العقوبات الإقتصادية، والوعيد بطرد ( ألف ) مواطن كينى من السودان. ومنع الخطوط الجوية الكينيّة من عبور الأجواء السودانيّة … إلخ .وأمهلت الخرطوم، الحكومة الكينيّة أسبوعين” فقط ” على الحكومة الكينيّة إجبار القضاء الكينى فيها أن ( يموص قراره و يشرب مويته ). وهذا من عاشرالمستحيلات فى الدول التى تتمتع بفصل السلطات. لو كان فى الدولة والدبلوماسية السودانية شيئاً، من رشد وعقل و تعقّل وحكمة و دراية بأمور إدارة الأزمات، لسلكت طريق القضاء والتقاضى. ولكن هيهات !.ولكان الأوجب، تكليف السفارة و السفير بنيروبى ، بالبحث عن بيت خبرة قانونية فى كينيا ، و” إستئجار ” و ” إستنفار” (القوى الأمين ) من المحامين ” كينيين أوغيرهم “، لإستئناف الحكم القضائى، بدلاً عن سياسة (طبظا، وجا يكحّلا عماها ). تبقّى أن نتساءل : هل كان رد الفعل ( الإنقاذى ) سيكون بذات الأسلوب، لو كان القرار القضائى الكينى ، أمريكيّاً أو بريطانيّاً أو أوربيّاً ؟. وهل كان الكيل سيكون بذات المكيال، أم أن المسألة كلّها من باب ( حقيرة حقيرة، فى نيروبى القصيرة )؟!.