الحرب بشعة.. بشعة.. انها تدمر كل شيء.. تقضي على المقدرات البشرية والاقتصادية.. وتذهب بالاستقرار والهدوء والسعادة تفتت البنى الاجتماعية وتجعل من ضحاياها الاحياء اشباحا هائمة على وجوهها.. يقتلها الجوع والمرض والضياع. كل الحروب تفعل هذا حتى وان كانت مقدسة من أجل الحرية والحق والعدل.. لان ما تخلفه هو الدمار والخراب والموت. العالم مليء بالحروب.. صغيرها وكبيرها.. وعندما خرج العالم من الحرب الاولى في الربع الاول من القرن الفائت.. ادرك هول ما تركته وكون عصبة الامم من أجل محو آثارها والحيلولة دون اندلاعها مرة ثانية ولكنها اندلعت ثانية وجاءت الاممالمتحدة.. وتغير شكل الحروب ولم تأت عالمية ثالثة حتى الآن ولكنها لم تنته سواء أكانت من أجل التحرر والحقوق او التوسع.. من ضمن دول العالم الثالث وجدنا أنفسنا في هذه الدائرة اللعينة دائرة الحرب.. حرب الجنوب التي ظلت مشتعلة منذ أحداث توريت 5591م ولم تتوقف الا لمدة عشر سنوات عقب اتفاقية اديس ابابا 3791 – 3891.. وعاودت بعدها الاستعار.. حتى نيفاشا.. كل هذه المدة كانت تتزايد اعداد ضحايا الحرب الذين فقدوا حياتهم من الطرفين.. قال الرئيس البشير في احدى خطبه ان عدد الشباب وطلاب الجامعات الذين استشهدوا في حرب الجنوب ثمانية عشر ألف.. والذين فقدوا المأوى والامان والاستقرار. كان من السهل ان ينساق المرء مع مشاعره الوطنية والعاطفية ويستجيب لنداء الحرب من أجل سيادة الوطن ويردد بنشوة وطرب مع المغني الذي يبتهج باشعال نيرانها ويقول النار ولعت.. النار ولعت بايدي بطفيها. لكن بشاعة الحرب ومرارتها وقفت دوني ودون الغضبة العمياء. الغضبة العمياء ذاتها ابصرت عندما ادركت معنى المثل السوداني الحكيم الذي يقول «البفش غبينتو بخرب مدينتو».. كل القوى السياسية جنحت الى السلم وضعت الكلمة محل الرصاصة.. منذ عام 3791م اديس ابابا.. والقوى السياسية المعارضة لنظام الانقاذ ولجت طريق الخطر في مؤتمر اسمرا 5991م ووافقت على حق تقرير المصير.. وبعد حرب قبيحة جلست الانقاذ الى المفاوضات واستمعت الى القوى الاجنبية في الايقاد واصدقائها وصمتت البندقية وكانت نيفاشا بحق تقرير المصير.. وانفصل الجنوب.. وانكفينا على جراحنا وقلنا: «كلو يهون في سبيل السلام» وصمتت البندقية. اليوم وبعد ان ظللت في كل الايام الفائتة التي اعقبت نشوب الحرب في هجليج.. اتمزق بمشاعر المواطنة.. بعد ان تمزقت بمشاعر الخوف من الانفصال وانقسام الوطن.. اتمزق بمشاعر المواطنة والانتماء لتراب السودان الحبيب.. لان الذي يدور في هجليج ليس بين أبناء وطن واحد وانما بين اخوة كانوا في وطن واحد انشطر وتمزق.. وما اقسى ما نعانيه. لا أريد أن أغوص في البحث عن من البادي ولا عن الاسباب غير المرتبة ولا عن استراتيجيات القوى الدولية.. ولكن قصدت القول ان الحرب بشعة وعلى الطرفين على الدولتين ان يدركا هذه البشاعة ويجنبا شعبيهما ويلاتها فدولة الشمال لم تتعاف من جراحات الحرب القديمة ولا الجديدة ودولة الجنوب الوليدة لم تتعاف. علينا ان نتمسك بسلامة اراضينا وان لا ننساق مع طبول الحرب.. انها طبول تقتل وتدمر ولا تعمر.. علينا ان نعلي اصواتنا مطالبين بتغليب الحكمة وفتح أبواب الحوار والمفاوضات.. اما الحرب فلا.. وألف لا.. هذا مع تحياتي وشكري