والشرر يتطاير من عينيه قال لي: مايزال في ناس كثيرة كمالة عدد في هذا الوطن، و ديل ما بشبهونا!. أخرجت له كتاب أحد الحكماء وبدأت أقرأ له: يستحيل أن يكون هناك ناس على الأرض كمالة عدد. كل شخص موجود هنا لا غنى عنه على عكس ما يبدو لك. قد تعتقد أن الحياة ستكون أجمل بدون هؤلاء الأشخاص، لكن أؤكد لك أنها كانت ستسير إلى الأسوأ بدونهم. مثلا لولا الجار المؤذى ما فكرت يوما فى البحث عن سكن جديد. الجار المؤذى يدفعك لعمل نقلة فى حياتك ما كنت لتفكر فيها لولا وجوده. الناجح يلهمك، والفاشل أيضا يلهمك ربما بدرجة أكبر. قد يبدو بعض الناس متعبا لك فى التو واللحظة، لكنك ستتأكد لاحقا من أهمية وجود كل شخص. هناك نماذج بشرية تدفعك للأفضل بأن تتعلم منها ومن تجربتها وتقلدها، وهناك نماذج بشرية تدفعك للأفضل أيضا بأن تتعلم منها أن لا تصبح مثلها أبدا. فعليك أنت أن لا تقع في الفخ فإذا لم تستطع أن تكون قدوة فلتكن عبرة، مثل مقولة الخواجات. وهطل الأطفال في عينيه قال لي: ما فاهم!! واصلت سردي قائلا: الفقراء هم سر حركة الكون. البناء أو النقاش لا يعمل ما دام في جيبه جنيهات تعادل حق يوميته. كيف سنبني ما لم تعوز هؤلاء الحاجة إلى العمل؟. وليس هذا تفضيل للغني على الفقير. فنحن في هذه الدنيا جميعا نعمل لدى بعضنا البعض. الثرى برأس المال والأقل ثراء بالجهد، تخيل لو الجميع لديهم طاقة جبارة للعمل اليدوى ولا أحد يمول هذه الطاقة ليحولها إلى ثمرات، أو أن الجميع أثرياء جدا ستجد البشرية وقتها عبارة عن أشخاص بكروش يجلسون فى الظل يعدون نقودهم ثم يلتهمونها من الجوع. لا بد من وجود ناس أقل منك حتى تحمد الله على ما أنت فيه، تحمده فيزيدك، ولا بد من وجود ناس أغنى منك حتى تغبطهم ولا تحسدهم فيضيق بك الحال، لا يجب أن تكون قنوعا ولكن عليك بالرضا والسعي وعليك ان تحترم نفسك لتصبح شخصا أكثر صفاء، فتحمد الله فيزيدك ربما أكثر من الذين كنت تحسدهم من قبل. تجهم وهمهم وقال لي: وماذا عن الدين والعادات والطباع. واصلت القراءة: الكفار أصحاب نعمة كبيرة علينا. فلولا الكفار ما نزلت رسالة ولا كنا شرفنا بالأنبياء ولا كنا عرفنا أن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا بسلوك الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، بدعوة هذا الإنسان الآخر المختلف عنا. وفي حياتنا اليومية كم من الحركات قليلة الذوق والمؤذية التي عانيت منها ولكنك الآن تتجنبها لتصبح إنسانا محترما رغم إنك تعلمتها من موقف إنسان سخيف. لا بد من شخص سليط اللسان حتى تلتقط من منجنيق فمه بالصدفة كلمة نقد صادقة فى قلبها جوهرة قد تغير حياتك، وكم من شخص بذئ اللسان تشتم من مزبلة فمه المنتن من الكلام فتتجنب التفوه به. لا بد من شخص ثقيل الدم حتى تتعلم أن تكون خفيفا. لا بد من المتفذلكين حتى يحركوا الماء الراكد فى أذهان المغفلين، ولا بد من المغفلين حتى يسحبوا الكهرباء الزائدة والفيوزات والكيبلات المضروبة من أذهان المتفذلكين. لا بد من شخص يجرح مشاعرك حتى تكتب الشعر، وأشخاص يحيرونك حتى تنضج روحك وتستوى أفكارك، أشرار يوقظون الشجاعة النائمة بداخلك، ونصابين يدربونك على اليقظة. لابد من المخنثين فكريا لتوقن تماما أن الأدب فضلوه على العلم. وحتى الحاكم الظالم لابد منه، فهو يدفع الناس على الكفاح والنضال و المقاومة فيمهد الأرض بظلمه لوصول الحاكم العادل. لا بد من الظلام حتى تسعى إلى النور. سيدنا موسى عليه السلام شكت له زوجته من الظلام فراح يبحث عن قبس من نار فعاد إليها نبيا بقبس من نور. جلس متمحنا، ثم قال لي: بصراحة هناك اناس لا أرى فيهم سوى القبح، و الما في شبهو الله قبحو؟ فقرأت عليه آخر فقرة في الكتاب: الجمال لا يكمن فى الأشياء يا صديقى ولكن يكمن فى المتلقي، وإصرارك على أن القبح موجود فهو يصبغ عليك قبح في نفسك ويشوش عليك رؤيتك للجمال. فإذا كنت موقن بأن الله جميل يحب الجمال عليك أن تثق بأنه تعالى لا يحب ما دونه، فكل شيئ يخلقه جميل بعين الكمال والجمال والجلال. لو كانت الجملة: (الله يحب الجمال) فقط لكان هذا يعنى أن هناك ما هو جميل وما هو قبيح، لكن لأن الكل خلقه، وهو الجميل فهو يرى الجمال فى كل شىء حتى ما تعجز أنت عن رؤيته، لأنك لست جميلا بالقدر الكافى.