محمد عبد الماجد القائد العام لا أنسى الليلة الصيفية التي دخل فيها محمد عبد الرحمن (الغربال) لكشوفات الهلال، وقتها كانوا يطلقون عليه (جكسا)، كان ذلك في فترة صلاح إدريس ومعروفٌ عن رئيس الهلال السابق نظرته الفنية فقد كان الأرباب عندما يراهن على لاعب لا يخسر الرهان.. ومحمد عبد الرحمن كان أحد رهانات صلاح إدريس، جاء به من ملاعب منسية. كان ذلك في ليلة صيفية ، وقد كانت تلك الليلة الحارة طقساً كعادة كل ليالي الصيف، أشد سخونة أحداثاً، لأنها كانت الليلة الأخيرة في فترة التسجيلات. التسجيلات كانت مُشتعلةً، وكنا نحن خلف أجهزة اللابتوب والكمبيوتر نترقب الصفقات الليلة الأخيرة في التسجيلات، ونتحسّس خبطاتها. أذكر تلك الليلة جيداً لا أدري وقتها لماذا احتفظت بكل تلك التفاصيل؟ هل كنت لا إرادياً أشعر بما سيفعله الغربال في المستقبل؟ أم أنّ الأحداث في الصيف تكون أكثر رسوخاً أكاد أذكر سخونة كباية الشاي، التي كانت مع سخونة الطقس، و"مواء" بعض القطط الذي يأتي من الخارج و"صَرير" الأبواب في الليالي الصيفية الذي يحدث دائماً (ضجيجاً) أكثر مما هو مُعتادٌ عليه.. ربما نحنُ نشعر بذلك لأنّ ليالي الصيف أكثر هدوءاً أو قد يكون ذلك إحساساً زائداً مني.. فأنا في ليلة الترقُّب الأخيرة. واللحظات الأخيرة في التسجيلات كانت تشهد إثارة كبيرة، وكان نظام التسجيلات يشترط حضور اللاعب لمكاتب الاتحاد العام والتوقيع في وجود لجنة التسجيلات التي يُكوِّنها الاتحاد كانت في البدء التسجيلات يشرف عليها اتحاد الخرطوم، ثم أصبح الاتحاد العام هو ما يشرف على تسجيلات الأندية التي تُلعب في الدوري الممتاز. في تلك الليلة الساخنة والأخيرة في التسجيلات، كنا نترقّب فيها صفقات قوية للهلال كاد أن يمر مرور الكرام، تعاقد الهلال مع لاعب صغير في السن، لا يعرفه أحدٌ، اسمه محمد عبد الرحمن من بيت المال على ما أعتقد، وقتها لا أظن أنّ سنّه تجاوز ال16 عاماِ، لكن الحديث عنه في تفاصيل الخبر الذي لم يتوقّف عنه أحدٌ، أكد أنّ محمد عبد الرحمن موهبة فذّة لكن ما أكثر المواهب التي قيل عنها فذة ولم تُحقِّق نجاحاً ولم يشعر بها أحدٌ. ذكرني الدكتور المرجعية علي عصام أن تسجيل الغربال كان في 30 يونيو 2010م، قبل أخر عشرة دقائق من اغلاق باب التسجيلات. في ذلك الهدوء، دخل محمد عبد الرحمن لكشوفات الهلال، في جيل كان يلعب فيه للهلال عظماء في حجم هيثم مصطفى ومهند الطاهر وبشّه ومساوي وكاريكا وبكري المدينة وتراوري.. فوجد الغربال رعاية من أولئك الكبار وتتلمذ على يدهم وهو شافعٌ يجد منهم كل الحُب والاحترام. مهند الطاهر كان مُعجباً به وكان الغزال لا يخفي ذلك، وتراوري أشاد به وتنبأ له بمستقبل باهر وقد تحدث لنا عنه والغربال صغير في زيارة قمنا بها لبيت اللاعبين بالمهندسين برفقة الزميل الراحل أحمد الحاج تراوري قال لنا: هذا اللاعب سوف يكون له شأنٌ كبيرٌ، وأشار إلى محمد عبد الرحمن، وتلك كانت شهادته فيه وهو لاعبٌ صغيرٌ ينظر له كل لاعبي الهلال بالشفقة والعطف وهو ينضم للهلال في تلك السن، وقد أشرنا لذلك في صحيفة قوون كان الغربال في معسكر الهلال يبدو مثل طالب المرحلة الابتدائية الذي ينتظر الامتحان بخوفٍ وترقُّبٍ.. كان صغيراً، الجميع يعطف عليه. بدأ محمد عبد الرحمن رغم سنِّه الصغيرة في المشاركة مع الهلال، واستطاع أن يلفت أنظار جمهور الهلال حتى أطلقوا عليه اسم (الغربال)، لأنه كان يغربل غربلة فهو غربال، لا أعرف من أين جاء اللقب لكن لا استبعد أن يكون مَن أطلقه عليه هو الرشيد علي عمر الذي كان مصنع ألقاب، فهو قد أطلق على معظم نجوم الهلال ألقاباً طغت على أسمائهم وأصبحوا يُعرفون بها وكان لهيثم مصطفى أيضاً نصيبٌ من تلك الألقاب التي عُرف بها، وكان الرشيد علي عمر هو مَن أطلقها. بدأ الغربال يتألق مع الهلال، واستطاع أن يضع بصمته وهو صغيرٌ غير أنّه تعرّض لإصابات كثيرة في نهاية فترة تعاقده الأول مع الهلال، وأبعدته الإصابات من المشاركات حتى أطلق عليه (الزجاجي)، ليرحل محمد عبد الرحمن من الهلال لأنه لم يجد التقييم المناسب، ولم يُقدِّر الكاردينال موهبته فانتقل إلى المريخ عندما كان جمال الوالي رئيساً للمريخ وخزائن الدولة وقتها مفتوحة للمريخ بغير حساب. تألق الغربال بصورة لافتة في المريخ حقّق معه لقب هدّاف الدوري ولقب هدّاف العرب، وكان الغربال يُقدِّم كل ذلك ليثبت موهبته، وليؤكد أن الإصابات لم تخصم منه، فهو قصد الرد على الهلال، ولأن اللاعب هلالابي حتى الموت، انتقل اللاعب إلى الجزائر، مفضلاً الابتعاد عن المريخ، مثلما انتقل كرشوم إلى ليبيا ومحمد المصطفى إلى تنزانيا لتُمهِّد (الأقدار) انتقالهما إلى الهلال وقد تحقّق لنا ذلك بحمد الله فعاد الغربال للهلال من الجزائر، في أقوى صفقة للهلال في السنوات الأخيرة وهنا لا بد أن نقف عند الطاهر يونس ونزار عوض مالك وعبد المهيمن الأمين، الذين لعبوا دوراً كبيراً في عودة الابن إلى داره. ومثلما خرج الغربال حزيناً من الهلال ومتهماً بعدم الجدوى وبأنه زجاجيٌّ، عاد للهلال (كابتناً)، فقد أصبح كابتناً للهلال لتنصفه الأقدار ويتقلّد شارة الكابتنية في الهلال. المُفارقة أنّ محمد عبد الرحمن منذ أن تقلّد شارة الكابتنية لم تفلت أي بطولة محلية من الهلال بما في ذلك بطولة الدورى الموريتاني، حيث فاز الهلال بكل البطولات المحلية في آخر خمس سنوات، كان فيها ومازال الغربال كابتناً للهلال. ما شاء الله ربنا يزيد ويبارك. المُفارقة الأخرى، أنّ الهلال لم يغب عن مرحلة المجموعات في كل المواسم التي كان فيها الغربال قائداً للهلال، وهذا توفيقٌ حُظي به الغربال وأظنه سوف يُوفّق أكثر ويُحقِّق مع الهلال بإذن الله وتوفيقه لقباً خارجياً. والغربال يقترب الآن من الهدف رقم 200 في نسيرته الرياضية، ويقترب أكثر من أن يكون الهدّاف التاريخي للسودان في البطولات الافريقية. وقصة الغربال مع الهلال تُدرس قصة تحكي عن الإرادة والإصرار والرغبة في العودة للهلال وتحدي كل الصعاب بما في ذلك إصابات كادت تبعده عن الملاعب. لقد رحل الغربال من المريخ رغبةً في الهلال ولعب في الدوري الجزائري ورفض المولودية من أجل العودة للهلال. الأقدار كانت يمكن أن تجعله لاعباً في المولودية، ولكن رغبة اللاعب ومشكلة المولودية وقتها ساعدت في عودة الغربال إلى بيته من جديد ليكون كابتناً للهلال. قصة الغربال تحكي عن ماهية (الاحتراف) وعن معناه الحقيقي. الاحتراف هو التطور الطبيعي الذي يجب أن يحدث في كل المجالات وكرة قدم بدون احتراف، هي ليس أكثر من (بلِّي) متقدم. المحترفون أضافوا لنا كثيراً وأعتقد أننا لن نحقِّق البطولات بدون محترفين. والاحتراف الذي أقصده هو ليس مقصوداً به احتراف الأجانب وحدهم اللاعب الوطني يمكن أن يكون محترفاً، ويمكن أن يكون الأجنبي يفتقد لأدنى مقومات الاحتراف. لاعب الهلال فارس عبد الله اعتبره محترفاً بعقلية كبيرة، وهو محترفٌ أكثر من خادم دياو. علينا أن لا ننظر إلى الاحتراف من خلال جنسية اللاعب. عدد كبير من المحترفين الاجانب تعاقد معهم الهلال ولم يحققوا أي نجاحٍ، والأمر لا ينطبق فقط على الهلال.. كثيرٌ من الأندية فشل فيها الأجانب وأخفقت أسماءٌ كانت كبيرة ولم يُحقِّق فيها أيِّ نجاح يُذكر. يحدث ذلك حتى على مستوى ريال مدريدوبرشلونة وثشيلسي. ديمبلي لم ينجح في برشلونة ونجح مع باريس سان جيرمان حتى إنه فاز بجائزة أفضل لاعب في العالم مع الفريق الفرنسي. محمد صلاح فشل في تشيلسي وحقّق نجاحات مُدهشَة مع ليفربول أهّلته لتحقيق أرقام قياسيّة مع الفريق الإنجليزي العتيق. محمد عبد الرحمن هو مثال للاحترافية العالية وللاعب المحترف حقاً. في زيارتنا الأخيرة للعليقي، تحدّث لنا نائب رئيس الهلال عن احترافية الغربال وعن دوره الكبير الذي يقوم به كقائد للفرقة الزرقاء. الغربال كان له دورٌ كبيرٌ في إعادة قيد روفا، وكان له دورٌ كبيرٌ في إعادة قيد الطيب عبد الرازق اللاعب الذي يقتنع به جميع لاعبي الهلال ويجد منهم كل الاحترام والتقدير. الغربال كان له دور في التعاقد مع مصطفى كرشوم وكان في كل مراحل التفاوض مع اللاعبين الذين تعاقد معهم الهلال، يقوم بدور القائد وهو نعم القائد. سيرة ياسر جوباك في الهلال تشبه بدايات الغربال، فقد دخل جوباك لكشوفات الهلال وهو صغيرٌ وأثبت وجوده وسط عدد كبير من النجوم والمحترفين، وجوباك منذ أن جاء للهلال قلت إنه سوف يصبح اللاعب الأول في السودان، وجوباك في طريقه لأن يصبح أفضل لاعب سوداني وربما أفضل لاعب في السودان متفوقا حتى على الاجانب. الغربال منح الذين دخلوا الكشوفات في سِنِّه اهتماماً خاصاً، وخصّهم بالحب والرعاية، لأنّ ذلك هو ما وجده عندما دخل للهلال صغيراً. القيصر إيمانويل فلمو انتظر الهلال إلى أن يكمل 18 عاماً ليتعاقد معه القيصر هو الآن يذكِّرني بالغربال، فهو يجد كل الحُب والتقدير في معسكر الهلال ويُحظى باهتمامٍ خاصٍ، كما كان يُحظى بذلك الغربال. والثلاثي الغربال وجوباك وفلمو سوف يُسطِّرون تاريخاً مختلفاً في الهلال، فترقّبوا ذلك. الجميل في الغربال أنه إنسانٌ محبوبٌ من جميع اللاعبين، يمارس سلطاته وقيادته في الهلال بحكمةٍ، شخصيته قوية بدون ضجيج، يجد الاحترام من الجميع، وقبل ذلك يجد الحب والتقدير. لاعبون دخلوا كشوفات الهلال يُمكن أن ينافسوه ويُهدِّدوا مشاركته كأساسي مع الهلال مثل صنداي وإيمانويل فلمو، مع ذلك احتواهم ودعمهم وقدم لهم كل العون والمساعدة يقوم الغربال بدوره كقائدٌ، لأن نجاح أي لاعب وإن كان يلعب في خانته هو نجاحٌ له، فهو القائد، ويفعل الغربال ذلك أيضاً لأنه يثق في قدراته وإمكانياته، فمن يملك إمكانيات ومقدرات الغربال لا يعرف الخوف، ولا يشعر بالقلق إلا في إطار التنافس الحميد. لاحظنا تفاعل الغربال وفرحته وهو في كنبة الاحتياطي عندما يسجل من يلعب في خانته هدفاً، وشهدنا له بالدعم الذي يقدمه لكل من يمثل الهلال حتى وإن كان ذلك على حسابه. المحترف الأجنبي يصنع الفرق لكن اللاعب الوطني هو الذي يُشَكِّل شخصية الفريق ونكهته ولونه وطعمه ورائحته. عضم الفريق يجب أن يكون من العناصر الوطنية لن نُحقِّق بطولة قارية بدون عضم وطني، لذلك أنا دائماً أدعم اللاعب الوطني وانحاز إليه رغم إننا نكتب عن المحترف الأجنبي بكل حُب، وأحياناً نفعل ذلك بشئٍ من المُبالغة. مشكلة المريخ الآن تتمثل في أنّ الفريق يفتقد للعضم الوطني، لذلك نجاح المريخ سوف يكون صعباً حتى لو تعاقد مع أفضل المحترفين. الغربال وفارس وأبوعشرين والطيب عبد الرازق وإرنق وكرشوم وروفا وصلاح عادل وبوغبا وياسر مزمل وبعدهم يأتي جوباك ومدني وكنن ومازن فضل وكبه، عناصر مهمة في الهلال وهي يجب أن تجد الدعم والاحترام من الجميع إذا أردنا ان نُحقِّق بطولة خارجية. الحمد لله أنّ أي مدرب أجنبي يعتمد على هذه الأسماء وينصفها والحمد لله أنّ هذه الأسماء اثبتت نجاحها وأحقيتها مع المنتخب الوطني. لقد نجحت هذه الأسماء بعيداً عن الهلال وبدون مُساعدة من المحترفين الأجانب. صنداي قام بدور كبير في مباراة الهلال والمولودية، وهو إلى جانب جان كلود وكوليبالي وإيبولا وفريد كانوا من نجوم المباراة، لكن سعيدٌ أنّ الأهداف تحققت بأقدام وطنية سعيدٌ أنّ الانتصار تحقّق بقدمي روفا والغربال، حتى تكون تلك الأهداف ردّاً لكلِّ من يُحاول أن يُقلِّل من اللاعب الوطني أو يطعن فيه. لا تحاولوا أن تصنعوا كتلاً في الهلال أو تفرِّقوا بين اللاعب الوطني والأجنبي، ولا تقدموا اللاعب الأجنبي على الوطني حتى إذا نجح اللاعب الأجنبي وكسر الدنيا، لأنّ هذا هو الطبيعي منه لأنه محترف أجنبي يتقاضى راتبه من الهلال بالعُملة الصعبة. النجاح الحقيقي في توليفة تجمع بين الوطني والأجنبي. كل من يلعب ويمثل الهلال سيجد منّا الدعم ونحنُ مع نظرة المدرب ومع تشكيلته وإن اختارها من المدرجات الشعبية. … متاريس إنتوا ناس بربر حصل عليهم شنو؟ قالوا نقّطت قبل ما تلعب. قالوا اتعزّز (الإخلاص). الغريب أنهم طلعوا علينا وقالوا إنّ المريخ سوف يلعب مع نجوم بربر، بعد انسحاب الإخلاص.. ديل نفس الناس الذين هاجموا الهلال وقالوا عنه إنه لعب مع نجوم الدوري الرواندي وليس المنتخب الرواندي. ونجوم بربر عادي معاهم. الناس ديل لسه بيبنوا؟ ح يعرِّشوا متين؟ عبد المهيمن الأمين حاضرٌ في كل انتصارات الهلال لفتة رائعة من العليقي وهو يذكر عبد المهيمن في هذا اليوم، وجميلٌ من العليقي أن يطالب من لاعبي الهلال الاجتهاد بصورة أكبر مع المنتخب. إنّه هلال الحركة الوطنية لا كذب. هلال الشعب لا عجب. ننتظر أن نرى بإذن الله وتوفيقه المنتخب في نهائيات العرب. أي مدرب في الهلال أو في المنتخب لا يستطيع أن يستغنى من اثنين بوغبا وصلاح عادل. الكلام منتهي. نعود لاحقا للمباراة بالتفاصيل الكاملة أو بفاطي سطر. ... ترس أخير: المريخَاب مُنتظرين المولودية تفشّهم بشكوى ولو في جَان كلود.