وقف الخريج الجامعى المهندم امام لجنة معاينة للوظيفة المرموقة، نفض القلق الذى يعتريه، وقدم سيرته الذاتية مع عدد من الشهادات الداعمة. طرحت لجنة المعاينة عدة اسئلة عن الوظيفة، ثم قررت الخروج قليلا. فسألوه بتعرف ود حبوبة؟ ، فلم يكن من الشاب الا ان رد وبكل ثقة، وابتسامة النصر مرسومة على شفتيه (طبعا دا مش الخال او العم!!). الصورة الساخرة المنقولة من الواقع، تعبر عن حالة التردى الذى وصلت اليها الجامعات وخريجوها، لدرجة اصبحت فيها العديد من المؤسسات المحترمة لا تكتفى بالشهادة الجامعية وحدها. ورغم هذا الواقع الا انه مازال هناك جانب مشرق فى الامر، ويكفى ان المجلس القومى للتخطيط الاستراتيجى يجعل الجامعات على رأس الرمح فى عملية تنزيل الخطة الخمسية. وقد اكد هذا الامر د. عثمان جعفر ( نائب الامين العام لمجلس التخطيط الاستراتيجى) فى منتدى البحوث والدراسات السودانية بجامعة الزعيم الازهرى، حيث اعتبر د. جعفر ان الجامعات يقع عليها الشق الاكبر فى تنزيل الخطة الخمسية المنبثقة عن الخطة ربع القرنية. وطالب د. جعفر الجامعات باحداث عملية تغيير مجتمعى على مستوى السلوك والعادات السودانية، والتى تهدد تنفيذ الاستراتيجية. ويضيف د. جعفر ان السلوك السودانى اتسم بغياب المبادرة، وعدم الالتزام بالوقت، وغياب روح القيادة. ويمضي د. جعفر فى تعديد معوقات النهضة السودانية فى السلوك المجتمعى بحديثه عن طرق التفكير ويستدل بالاستخدام غير الخلاق لأجهزة الحاسوب (مشاهدة الافلام والاستماع للاغانى علاوة على الاستمتاع بلعب الورق). ويضيف ايضا غياب القراءة فى اشارة للثقافة الشفاهية. ويؤكد د. حسن كمال الطاهر (استاذ الاقتصاد واحد المشاركين فى وضع الاستراتيجية) فى تعقيبه على ضرورة التغيير المفاهيمى والذى اتفق مع سابقه فى ضرورة ان يتم بواسطة الجامعات. وامن د. الطاهر فى ذات الوقت على ضرورة ربط قضايا البحث العلمى بقضايا التنمية وقضايا العمل والواقع المعاشى اليومى. ويذهب د. جعفر فى حديثه حول اهمية ان تقود الجامعات تنزيل الخطة الخمسية من واقع انها فى الاصل مؤسسات اكاديمية مستقلة تحظى باحترام وثقة العامة، اضافة لكونها تمتلك المكون البشرى والمعامل ومنهاج وآليات البحوث، ونوه الى ان الامانة العامة للتخطيط الاستراتيجى كجهاز ادارى لا تتوافر لها المعرفة الفنية ببعض القضايا، الامر الذى يقود للاستعانة بالجامعات كجهات استشارية. ويلفت د. الامين العوض (الاستاذ بجامعة الازهرى) النظر الى ان ادخال الجامعات جاء متأخرا، وعلل ذلك على خطأ بناء الاستراتيجية بطريقة البناء الفوقى. غير ان د. جعفر نفى ذلك، واوضح ان الاستراتيجية اتت بعد دراسة وتجارب، من اصغر وحدة إدارية (المحلية). واضاف فى معرض رده ان الجامعات بشكل متفاوت شاركت منذ البداية فى وضع الخطط، بل ان بعضها دخل فى شراكة مع الامانة العامة. ويشير د. جعفر الى ان بعض الجامعات خلقت وحدات للتخطيط الاستراتيجى بها، وذهب بعضها أبعد من ذلك بوضعها لخطة خمسية للجامعة. واوصي فى ذات الوقت بضرورة ادخال التخطيط كمنهج فى الجامعات. ويحذر د. محمد عباس الامين (الخبير الاستراتيجى) من ان دور الجامعات قد اصبح ضعيفا، لغياب المراكز البحثية والدراسات الميدانية الحية الموثقة بالارقام. وطالب باعادة النظر فى الجامعات والدور المنشود لها. وتتفق دولت يوسف (استاذة التربية بجامعة ام درمان الاسلامية) مع د. الامين وتضيف ان البنية التحتية للجامعات منهارة، وتشير فى هذا الاتجاه الى مشكلة الرسوم التى (قد تؤدى فى حالة عدم سدادها لحرمان الطالب من الامتحان). وهنا تطالب الامانة العامة بتطوير وترقية الجامعات، ومن ثم مطالبتها بلعب دور ما. وينضم اليهم بالحديث ب. الكردى (جامعة الازهرى) مؤكدا ان التعليم العالى فى مجمله لا يملك افقاً استراتيجىاً، اضافة لكون الجامعات فى نفسها ذات بنية ضعيفة ومتهالكة. بل ويذهب الكردى ابعد من ذلك بوصف الاستراتيجية تجئ فى وقت مناسب، فهناك اهتزاز فى تكوين الدولة، وضعف فى الشعور بالامة الموحدة. ويضيف ان تكوين الولايات بشكلها الحالى يجانبه الكثير من الصواب خاصة ان تنفيذ الاستراتيجية يقوم على الشكل الولائى. وينبرى د. عثمان جعفر للرد على محدثيه بالقول ان السودان على طول تاريخه فشل فى ثلاثة مجالات هى الاعلام، والتسويق، والتخزين. ويضيف ان الاعلام السودانى يمكن ان يطلق عليه اعلام فضائح، فالصور الذهنية التى يرسمها للسودان متخلفة جدا، ولا تشبه البلد. ويعود د. جعفر للسلوك الجمعى السودانى ويشير لانعدام مسألة الرضا الوظيفى، الامر الذى يؤثر فى اداء العمل. وينبه أيضا لاختفاء الكوادر الوسيطة. ويرجع د. جعفر ضعف اداء الجامعات لافتقاد عنصر المبادرة، ويستدل بأن آلية دارفور كمثال خرجت من صلب الجامعات. ويعتبر ان الادوار المتصلة فى تنفيذ الخطة الخمسية تقوم على تخطيط الامانة العامة، وتنفيذ الولايات، وتقييم الجامعات. ويدعو د. جعفر عثمان فى ختام حديثه لضرورة الاستفادة من البحوث الجامعية المرتبطة بالواقع ويدعو الجامعات عموما بالخروج من الصورة النمطية (للناس الجالسين على سحابة و(مدلدلين) رجليهم).