* ما زلت أذكر الأشهر الأولى من العام ألفين وواحد والانشقاق الذي ضرب الاسلاميين جديد الجرح، ولكنه على كل حال أفرز حزب المؤتمر الشعبي الذي انحازت اليه باديء الأمر مجموعة مقدرة من طلاب الجامعات. * كان مسجد الجامعة الشهير لا يزال يحتفظ برمزيته وولائه للترابي، ولكن الأخير هز شجرة القناعات الكبرى لدى الكثيرين بمن فيهم طلابه بتوقيع الاتفاق الشهير مع الحركة الشعبية في جنيف، إذ بدا الاتفاق عصيا على الاستيعاب في ذلك الوقت. * اهتزت قناعات طلاب الشعبي في جامعة الخرطوم وخلا المسجد لكوادر الوطني التي هتفت عقب صلاة الجمعة تلك الهتافات الشهيرة ضد ياسر عرمان وباقان أموم.. كانت الهتافات أقرب الى- إن لم تكن تقصد- تعيير كوادر الشعبي بالاتفاق الذي مهره قادتهم مع عرمان وباقان وهما من هما في نظر الاسلاميين. * تداعت الى خاطري تلك الصورة بالتزامن مع الانتقادات العنيفة التي وجهها أئمة المساجد في خطبة الجمعة الى عملية التفاوض مع قطاع الشمال.. بدا عصيا على هؤلاء الأئمة الإجلاء بل وعلى الكثيرين ان يفهموا سر التحول المفاجيء في موقف الحكومة من قطاع الشمال الذي أخرجت قادته بالحذاء. * الاستدارات ذات المائة والثمانين درجة التي تجريها الحكومة في مواقفها من الحركة الشعبية ومن قطاع الشمال هي التي تجعل استيعاب (تحويل القبلة) أمرا بالغ الصعوبة لدى الأئمة الأعلام ولدى العوام. * لم تتسلح الحكومة بالشجاعة الكافية التي تعينها على هزيمة الخوف من مواجهة الحقيقة..الحقيقة هي ان قرار مجلس الامن 2046 الداعي لاجراء مفاوضات غير مشروطة مع دولة الجنوب لحل القضايا العالقة، تضمن إشارة واضحة الى التفاوض مع قطاع الشمال. * الى هذا المعنى نظر ياسر عرمان فأرسل عبارته اللاذعة المستغربة ل(حُب) المؤتمر الوطني المفاجيء للتفاوض مع قطاع الشمال. * بالطبع لم يكن في مقدور الحكومة التعامل بالقطّاعي مع القرار، لا يمكن ان تقبل الحكومة التفاوض مع حكومة الجنوب، وترفض ان تفعل ذات الشيء مع القطاع، لو فعلت ذلك فإنها ستستدعي الخيارات الغليظة. * كان على الحكومة ان تعلن ان قبولها التفاوض مع الجنوب على أساس القرار 2046 يعني تلقائيا انها ستفعل ذات الشيء مع قطاع الشمال..ولكن في ظل إعلان الحكومة في الظاهر رفض التفاوض، واستبطانه في السر..فليس من بين أئمة المساجد من لديه علم الباطن حتى يقبل قرار مجلس الأمن ويرفض تبعاته.