الظواهر الطبيعيّة فى هذا الكون تثور ثمّ تخور، فالفوران والخوران من طبيعتها... تعيش الظواهر الطبيعيّة مُستقرّة بين نقطتين: نقطة الخوران ونقطة الفوران، الخوران هو صمت الطبيعة أمّا الفوران فهو ثورة الظواهر الطبيعيّة! فى العام الثانى من التسعينيات الماضية كنت طبيباً فى حلفاالجديدة والتى هى بعضٌ من جغرافيا نهر عطبرة وستيت... فى مثل هذه الأيام من ذلك العام ثارَ الخريف بتلك المنطقة، إذ انفجرت فيها كل سحابة داكنة أو راعدة أو غائمة حتى تحوّلت اليابسة إلى بحر مطري فعاشَ الناس فى جُزرٍ معزولة تفصل بينها وبينهم أراضٍ مغمورة بثورة المياه! خرجت فُرق الإنقاذ للعمل الميدانى فخرجنا معهم من مستشفياتنا لنعمل أطبّاء متنقّلين بلا حدود... كُنّا نقترب من المواقع السكنيّة والقُرى المعزولة فيصيح بعضنا بمكبّرات الصوت أنّ فريقاً طبيّاً يقف على الضفة الشرقية للتُرعة فى إنتظارهم وعلى طالبى الخدمة الحضور بوسيلة المواصلات المائيّة المتوفّرة، فيستجيب المغروضون والملهوفون الذين يأتون إلينا عَوْماً للكشف والفحص والتشخيص فوق (شاطئ) التُرعة! فصل الخريف يزور السودان فى كل عام وهو ليس خبراً فهو مدوّن فى الذاكرة السودانية، ومع ذلك تشعر أنّ جهاتٍ فى الدولة وبعض المواطنين يتفاجأون بفصل الخريف... ولا يظهر ذلك سافراً إلا حين يكون الخريف خريفاً بدرجة ثورة مياه! فى هذه الأيّام بدأنا نسمع تحذيرات شهر اغسطس المألوفة... وفى هذا العام عَبّرت الأمطار عن نفسها فى بعض المناطق بفوران بعد طول خوران، فى النيل الأبيض وشمال كردفان والقضارف، لكنّ الجديد فى هذا العام أنّ المناطق التى عملنا فيها فى العام الثانى من التسعينات تجدّدت فيها ثورة المياه!قلبي وعقلي وضميري مع الجُزر المعزولة فى حلفاالجديدة والمناطق الأُخرى إنْ وُجِدتْ... ولا أدري هل وصلهم أطباءٌ مُتنقِلون لعلاجهم على شاطئ التُرعة أم لا، لكنّي استنفر كل من له القدرة على ردع ثورة المياه للتحرّك الفوري... تحياتي من على البُعْد لمواطني الجُزُر المعزولة مع دعواتي لهم بثورة مياه بلا خسائر، فإذا كانت للمياه ثورة فنحن ثورة مضادة لثورتها!!