كان مفاجئاً جداً الأسبوع الماضي خبر إعفاء المبعوث الامريكي الخاص «بريستون لميان» وفي هذا التوقيت بالذات الذي تعثرت فيه اتفاقية التعاون المشترك والتي اسهم فيها الرجل بجهد كبير، وهو يعلم أن حكومته في واشنطن تبني على هذه الاتفاقية آملاً كثيراً أهمها ان يتم ضخ النفط من الجنوب عبر الانابيب الشمالية إلى موانيء التصدير في الشرق ،وبذلك يكون قد تم الضغط على الخرطوم لفك الارتباط بين الملف الأمني والملف النفطي لكن للأسف ان الاتفاقية قد تعثرت وفشل «ليمان» في إٍقناع الخرطوم لفك الارتباط بين الملفين وهذا في إعتقادي هو السبب المباشر والمهم لإعفاء الرجل من منصبه رغم أنه كما قلت بذل مجهوداً مقدراً وكان في وقت قريب يتجول ما بين جوباوالخرطوم لتذليل الصعاب وجعل الطرفين ملتزمين ببنود الاتفاقية.. لكن دعونا نسأل لماذا أعفى الرجل وما هي الاستراتيجية الامريكيةالجديدة بعد «ليمان» تجاه الخرطوم؟ أنا لا أتفق مع الذين يقولون ان «ليمان» كان إيجابياً مع الخرطوم ولا حتى كان محايداً بين الطرفين لأن طبيعة مهام الرجل التي جاء لتنفيذها تحتم عليه ان لا يكون إيجابياً في مواقفه مع الخرطوم . فالرجل جاء في مارس 2011م وعلى رأس مهامه الإشراف على فصل الجنوب وفرض حل «الدولتين» على أساس قيام دولتين مستقلتين جارتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وآمان ، والعمل على قيام دولة في الجنوب تعتمد أساساً على مواردها الذاتية ولا تعمد أو تكون «عالة» على الولاياتالمتحدة لأن الأخيرة لديها من المشاكل الاقتصادية ما يكفي ولا تريد أعباء أخرى تسبب لها حرجاً أمام الشعب الامريكي الذي لا زال يعاني من ركود الاقتصاد الامريكي، وآثار الأزمة المالية. إذاً كان من المهام الأساسية للرجل هي بناء الاقتصاد الجنوبي معتمداً على النفط في الوقت الحالي إلى حين تنشيط الموارد الأخرى ، لكن النفط ظل متوقفاً قبل مدة ليست بالقصيرة ثم ربط ملفه بملف الأمن بين الجانبين وهو ما فشل فيه «ليمان» فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير وهذا الفشل بالذات هو الذي دعا الرئيس أوباما إلى عزله، لكن يبقى السؤال ثم ماذا بعد عزل ليمان؟ أعتقد أن الولاية الثانية لأوباما ربما تحمل رياحها استراتيجية خارجية جديدة تقوم على الدبلوماسية الناعمة وعلى الحرب المنخفضة التكاليف لتقليل التوترات في العالم، وبالطبع السودان أو حكومة الخرطوم تقع ضمن هذه الاستراتيجية الجديدة ،لكن في حالة السودان اعتقد ان ادارة أوباما ما تريد مبعوثاً من «نوع» جديد يعرف كيف يحقق حل الدولتين على أن يكون الحل في صالح دولة الجنوب الناشئة يضمن لها قيام دولة قابلة للعيش اقتصادياً وآمنياً وفي نفس الوقت حلاً يحافظ على المصالح الامريكية في المنطقة. هذا المبعوث من النوع الجديد مطلوب منه ان يكون صارماً ومتشدداً مع الخرطوم بالضغط عليها اقتصاديا بحرمانها من مناطق انتاج النفط والزراعة والثروة الحيوانية لإضعافها اقتصادياً ثم من بعد ذلك إفشال كل المؤتمرات الاقتصادية التي تنوي الدعم الاقتصادي الشمالي . ولا تنسى الاستراتيجية كذلك الضغط على المشال في مجال حقوق الانسان.. و عدم التطبيع وعدم رفع الحصار الاقتصادي وإثارة موضوع المحكمة الجنائية من وقت لآخر، هذه هي ملامح الاستراتيجية الجديدة تجاه الخرطوم والتي لا تختلف كثيراً عن استراتيجية الولاية الأولى إلا في نوع المبعوث الخاص الذي تود الإدارة الامريكية تغييره من مبعوث «مرن» إلى مبعوث «متشدد» لعله يفرض حل الدولتين دون تكلفة باهظة للولايات المتحدة والحيلولة دون نشوب حرب بين الجانبين.. في ما سبق ذكره يكون قد سلطنا الضوء على مهمة بريستون ليمان ومدى النجاح أو الفشل الذي كان قد لازمه وتقدير الاسباب التي أدت إلى عزله ونوعية الاستراتيجية الجديدة ونوعية المبعوث الجديد المناط به التنفيذ ،ويتبقى لنا فقط السؤال كيف ستكون مواقف حكومة الخرطوم.حيال الاستراتيجية الجديدة والمبعوث الجديد؟ هل ستسير في نفس النهج القديم أم سوف يتغير النهج بتغير الاستراتيجية الأمريكية؟ هذا ما سوف تكشفه الأيام القادمات..