في منزل يطل على ساحة سوق (أم سويقو)قبالة نادي الموردة الرياضي بحي تماسي أول أحياء مدينة الفاشر من حيث النشأة والتكوين عندما كانت الأحياء بالفاشر تسمى المرابيع وكان عددها ثمانية ،تماسي كان أول مربوع فيها وبالتالي هو أول أحياء المدينة ، وقد سكنت فيه العديد من الشخصيات السلطان علي دينار ومن جاء من بعده من السلاطين وعدد كبير من التجار وأهل الرأي وزعماء العشائر وأهل الرياضة والفن هذا الحي شهد في العام 1914 ولادة العم محمد حسين عمر صالح المعروف باسم (لليِ) الذي يسجل له اهل دارفور انه اول من احرق علم الانجليز بدارفور في اربعينيات القرن الماضي وقد زرناه نستنطق ذاكرته ليروي لنا تفاصيل تلك الحادثة الوطنية قلنا له : ما قصة حرق العلم الانجليزي في الفاشر؟ حرق العلم الانجليزي جاء بعد أن تم وضع خطة من أربع مراحل هي الاجتماعات السرية بالأحياء والتي تم من خلالها اختيار مناديب لتعبئة المواطنين للثورة ضد الانجليز ثم اختيار مكان وزمان خروج المتظاهرين (من ساحة النقعة عند الساعة السابعة صباحا تقريبا ) ثم تحرك المظاهرة صوب مبني المديرية للاستيلاء عليه ثم حرق العلم الانجليزي وقد سارت الخطة حسبما هو مرسوم لها ونجحت بفضل التجاوب الكبير من كافة مواطني الفاشر في ذلك الوقت حيث خرج الجميع دون استثناء النساء والرجال والأطفال ظلوا مرابطين حتى السابعة مساء. من كان يقود الترتيب لهذا العمل ؟ ابوالقاسم الحاج محمد هو القيادي الأول في هذا العمل ومعه يوسف محمد نور وعبد الرحمن حسن طويل وللي الحاج حسين ويوسف محمد يوسف وآخرون نسيت أسماءهم بعامل تقدم السن. كيف كانت لحظات حرق العلم الانجليزي؟ كانت في جيبي علبة كبريت أعطيتها زميلي محمد محمود ، قمت بسحب وإنزال العلم وهو أشعل النار فيه وسط زغاريد النساء وتكبير وتهليل الرجال وكانت لحظة لا يمكن نسيانها على الإطلاق وحتى اللحظة أتذكر تفاصيلها كأنها أمس القريب واتذكر ان والدتي رحمها لله قالت لي(لو وقعت برفعك يا وليدي) ، حرقنا العلم الانجليزي فقط أما المصري فأنزلناه ولم نحرقه . لماذا؟ لان النيل واحد والسودان ومصر إخوان أشقاء. هل وجدتم مقاومة من الانجليز منذ تحرككم من ساحة النقعة وحتى استيلاءكم على مقر المديرية ؟ نعم وجدنا مقاومة شديدة حاولوا إيقافنا عند التحرك لكنهم فشلوا لكثرة المتظاهرين فعادوا ليحموا مقر المديرية آنذاك لكن الأعداد الضخمة من الناس استطاعت أن تجليهم منها وتستولي على المكان وما حوله (قصر السلطان الآن). ماذا حدث بعد حرق العلم ؟ الناس (مشوا البيوت) ،بعد ثلاثة أيام وقبل صلاة الصبح سمعت طرقا على باب البيت خرجت فوجدت مجموعة كبيرة من العساكر ،قالوا لي لا تدخل بيتكم مرة أخرى وأخذوني معهم وهذا ما حدث مع كل قيادات المظاهرة .شكلوا لنا محاكم وتمت محاكمتنا ، بعضنا حكم بسنة ، و آخرون بسنتين والبعض الآخر بثلاث سنوات ،أنا حكم على بسنة في سجن الخيرخنقا بالفاشر (سجن النساء حاليا ) أما ناس أبو القاسم وآخرون فحكم عليهم بثلاث سنوات وتم ترحيلهم إلى سجن الأبيض. ماذا كنت تعمل ؟ في التجارة في نفس الدكان (البتشوف فيهو قدام البيت دا) وكنت بتاجر في الأشياء ذات الاستهلاك اليومي ، التجارة كان لها طعم والقروش كانت لها قيمة (ما زي هسع)وكان معنا كبار تجار البلد دي ،فيهم شوام وإغريق وانجليز ومصريون أشهرهم توفيق توتنجي وهو التاجر الوحيد للإجمالي في الفاشر يجلب البضاعة من الخارج ليبيعها لبقية التجار هنا .