تحذير وتقرير من منظمتين دوليتين صدرا فى يوم واحد نهاية الاسبوع الماضى ، عن احوال القارة الافريقية. فالأول من منظمة الفاو ينذر بشبح المجاعة، والآخر من البنك الدولى توقع تسارع النمو الاقتصادى فى افريقيا، والتحذيران يلخصان الحالة الافريقية التى تحتمل التناقضات. وان القارة التى لم تعد مظلمة كما كانت فى القرون الماضية لا تزال فى طور النهوض الاقتصادى، وبالنظر الى البلدان التى اوردتها منظمة الفاو كأكثر البلدان المهددة بالجوع وهى تشاد والنيجر ومالى وبوركينافاسو نجد انها كما هو حال أغلب البلدان الافريقية تعتمد بشكل مباشر على الزراعة كمصدر رئيس للدخل، وفى ظل التغيير المناخى الراهن وفشل الدول الصناعية الكبرى فى الالتزام بخفض حدة الانبعاث الحرارى، وفشلت أيضاً فى معالجة آثار ذلك التغيير وانفض سامر مؤتمر كونهاجن دون التزامات واضحة تجاه توفير مبالغ ضخمة تتراوح بين (30) إلى (100) مليار دولار بحلول العام 2020 لإفريقيا لتتمكن من مواجهة الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية للتغيير المناخى. وكان المعهد الدولي للتنمية المستدامة قد حذر نهاية العام 2009 من أن تداعيات التغيير المناخي على أفريقيا ستتسبب في إعادة رسم خارطة سواحل القارة، وإنتشار الأمراض، ومواقع مصادر المياه، وأماكن الزراعة، وإقامة السكان، ما قد يجبر الأهالي بل وحتى الدول، على خوض نزاعات على الموارد الحيوية، فضلا عن تنامي موجات الهجرة. وقال اوولي براون المسئول بالمعهد الدولي، لوكالة انتر بريس سيرفس أن «أفريقيا هي أول قارة في العالم تقاسي بأكملها من تداعيات التغيير المناخي على إستقرارها السياسي والإقتصادي، لأسباب مختلفة منها النزاعات على الموارد، وإعتمادها على قطاعات مرهونة بالأحوال المناخية، مثل الزراعة المعتمدة على الأمطار، وغيرها. ومن ناحيته شرح رالف فييك، الرئيس المشترك لمؤسسة «هنريخ بول» التي إستضافت مؤتمراً في مدينة كيب عن العلاقة بين التغيير المناخي والموارد والهجرة كمصدر ممكن النزاعات، أن تقلص الموارد الطبيعية مضافاً إليه التغيير المناخي، سوف يقود إلى المزيد من فشل الدول وموجات الهجرة الجماعية وسيؤدي تغيير نظام الأمطار وزيادة معدلات التبخر بفعل إرتفاع درجات الحرارة، إلى معاناة بعض مناطق القارة من إنخفاضات حادة في المياه المتوفرة، إضافة إلى تزايد عدد السكان، ما يمثل بؤرة خطرة لإندلاع النزاعاتوأما عن الأمن الغذائي، فثمة خطر إنخفاض المحاصيل الزراعية إلى النصف بحلول العام 2020 جراء هبوط معدلات الإمطار في المناطق المتأثرة، فيما ستتنامى إحتياجات السكان ومعدلات سوء التغذية. وفى واحدة من اعراض كارثة التغيير المناخى على افريقيا حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) يوم الأربعاء الماضى من أن هناك ما يقرب من (9.8) ملايين شخص يواجهون شبح الجوع في أنحاء متفرقة من قارة إفريقيا منها، النيجر وتشاد، بالإضافة إلى آلاف آخرين مهددين بالجوع في شمال بوركينا فاسو وشمال شرق مالي. وارجعت الفاو، الازمة فى نقص الغذاء الى قلة هطول الأمطار في العام الماضي، وأضافت المنظمة أن انتشار الجفاف في منطقة الصحراء، التي تعرف أيضا باسم الساحل، قد أدى إلى حدوث انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي وجفاف المراعي التي تعتمد عليها الماشية في غذائها. وأظهرت عمليات المسح التي قامت بها الأممالمتحدة والحكومات في معظم الدول الواقعة في شرق منطقة الصحراء، تفشي سوء التغذية إلى ما فوق (16%)، وهو ما يتخطى الحاجز الحرج المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية. وقالت فاطومة سيد منسقة الفاو في غرب أفريقيا، «إن الوضع في المنطقة يبعث على القلق بحق، كما أن (70%) من الماشية تقريباً في خطر ما لم يتوفر لها العلف قريباً». وإزاء هذا الوضع المتدهور في النيجر التي سبق أن واجهت أزمة غذاء كبرى في 2005، تقوم الفاو الآن بتدشين (8) مشروعات جديدة بقيمة (12.7) مليون دولار تهدف إلى مساعدة نحو (2.6) مليون شخص. ويسهم في هذه المشروعات كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأسبانيا وبلجيكا والصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة وهي تشمل الشراء الفوري ل (7850) طناً من علف الحيوان وتوزيعها و(2500) طن من الحبوب وبذور محاصيل الخضروات والأسمدة لموسمي الزراعة في يونيو ويوليو القادمين.من ناحية أخرى، قالت الحكومة التشادية «إن الإنتاج الزراعي تناقص بنسبة (11.5%) بالبلاد مقارنة بالموسم السابق ويعد هو الأدنى منذ 2006». وفى ذات اليوم -أى الاربعاء- من الاسبوع المنصرم قال صندوق النقد الدولي انه يتوقع تسارع النمو الاقتصادي في افريقيا في عامى 2010 و2011، للتزامن الصورتان المعتمة وتلك البراقة بالامل فى مستقبل افضل لبعض اجزاء القارة، رأى الصندوق في تقريره نصف السنوي حول الاقتصاد العالمي الصادر الاربعاء، ان بلدان افريقيا جنوب الصحراء سجلت انتعاشا سريعا سيصل بحسب تقديراته الى ( 4,7%) العام 2010 و(5,9%) العام 2011م. وكان صندوق النقد الدولي أفاد في توقعاته السابقة في نهاية يناير، عن نمو اضعف بقليل في هذه المنطقة بنسبة (4,3) و(5,5%) في 2010 و2011 على التوالي.واوضحت الهيئة في تقريرها حول «الآفاق الاقتصادية العالمية» ان المنطقة اجتازت الأزمة بشكل جيد وان الانتعاش الاقتصادي سيكون اقوى من فترات الانكماش السابقة. ورغم ان العديد من الدول المصدرة للنفط عانت من انهيار صادراتها، فان افريقيا تمكنت بحسب الصندوق، من تجنب انكماش اقتصادها العام 2009 حيث سجلت نمواً بنسبة (2,1%)، بعد تسجيل (5,5%) العام 2008م. واشار التقرير الى ان القطاع المصرفي قاوم الأزمة حتى الآن، لافتاً الى استئناف تدفق الرساميل الخاصة في العديد من الدول. وطالت الأزمة الاقتصادية العالمية دول المنطقة من خلال التجارة بصورة خاصة، فكانت المناطق الاكثر انفتاحا على المبادلات العالمية هي الاكثر تضرراً. واشار التقرير بهذا الصدد خصوصا الى جنوب افريقيا وربط الصندوق الانتعاش الاقتصادى فى القارة الافريقية بحالة الاستقرار السياسى وهو امر بالغ الاهمية، حيث يرى عدد من المراقبين ان المخاطر التي تحدق باقتصاد الدول الافريقية تمثل الغموض الذي يلف الوضع السياسي في العديد من الدول ولا سيما في غرب افريقيا، واحتمال خفض الدول الغنية مساعداتها كرد فعل لتفاقم تلك الازمات السياسية.