يناديه أهل الحي بأبو اسماعيل قبل ان يتزوج من فاطمة بنت الحاج كانت أمنيته ان يكون مولوده الأول «ذكراً» ليطلق عليه اسم اسماعيل على اسم جده لابيه.. وبينما كان الجميع ينتظرون في الخارج قدوم الضيف الاول «المولود» خرجت الداية واطلقت البشرى وهي تقول «مبروك يا ابواسماعيل جابوليك بت» انصرف اسماعيل وهو لا يدري انه سعيد ام حزين امتزجت في داخله مشاعر الرغبة في الولد والواقع الذي اكدته اللحظة بانه اصبح أبو «منال». مضت السنوات واصبح ابو اسماعيل ابوالبنات عندما بلغ عددهن سبعاً، وبينما كان ابو البنات يترقب مولوده الثامن وهو يتابع الاخبار من دكانه بقرب منزله جاءته بنته الصغرى تحمل النبأ بأن امها انجبت ولداً.. اخيراً اتى اسماعيل هكذا نطقها بصوت عالٍ وهو يجري مهرولاً قاصداً منزله وتتبعه اصوات التبريكات وكأنه ينجب لاول مرة.. ثلاثة ايام قضاها اهل الحلة في منزل ابواسماعيل ينعمون بالذبائح. كبر اسماعيل بين اخواته البنات وكن ينادينه بسمعة.. احيط سمعة برعاية خاصة من شقيقاته فلا يسمح له بالخروج للعب مع اولاد الحلة.. تصطحبه شقيقته الوسطى لبيت صديقتها، ويقضي معهن اوقات الانس وفي ساعات كثيرة كان يحاول ان يقلدهن فيما تفعله اية واحدة، مرة يحاول وضع المساحيق على وجهه ومرة اخرى يرتدي حذاء أو قميصاً لواحدة منهن هكذا استمر الحال حتى اصبح شاباً في عقده الثالث.. يعرف عن عالم النساء الآخر أكثر من عالمه.. صوته خافض يبدو انيقاً في ملبسه لا يحب الاختلاط مع اقرانه من شباب «الحلة» لانهم غيروا اسمه من «سمعة» الى «اسماعيل بنية» ومن هنا عاش المشكلة بين وصفه بالبنت ورجولته التي ضاعت ملامحها في بيت البنات. لم يكن اسماعيل هو القصة الوحيدة التي نشاهدها داخل البيوت لتنسج مأساة صامتة اسمها ولد واحد وسبع بنات أو بنت وحيدة وسط اولاد فتنعكس الآية حيث تعيش تلك البنت قلقاً وصراعاً بين صرخة الانوثة في داخلها ورجولية المظهر بارتداء البنطال وتصفيف الشعر وعنف خشونة في مزاجها. «م، ف» عاشت تلك التجربة فكانت بنتاً وحيدة وسط «5» اولاد تقول كنت دائماً اشعر بالنقص وكثيراً ما ينتابني احساس الدونية عندما اكون بصحبة فتيات وهن في كامل انوثتهن احس بالحرج عندما يأتي الحديث عن جماليات البشرة وغيرها من اهتمامات البنات. حكاية اسماعيل و«م. ف» جعلت سوسن عبدالقادر تأخذ ابنها وتجعله يمضي معظم اوقات فراغه مع اخوتها حتى لا يتأثر باخواته البنات. ولد مثل البنت وبنت مثل الولد مسألة اسرية معقدة تحتاج لدراية علمية لاعادة البوصلة إلى مسارها الصحيح. الدكتور خالد الكردي استاذ علم النفس بجامعة النيلين يفسر في حديثه بان التنشئة الاجتماعية لها دور كبير جداً في اكساب الابناء هويتهم الجنسية وبالتالي ان عملية التنميط الجنسي اي ان يكتسب الرجل خصائص ذكورية وان تكتسب الانثى خصائص انثوية يلعب الآباء فيها دوراً كبيراً لأن الطفل يتوحد مع والديه، فالذكر يتقمص شخصية والده وكذلك الأنثى تقلد والدتها وبالتالي ان الدور الذي يلعبه الابن الذكر في الاسرة تلعب فيه عوامل مهمة مثل الغرفة والاهتمامات في اللعب فهي تختلف عن الانثى، لذا فإن الولد الذي لا يجد اولاداً حوله ويلعب مع البنات فيبدأ في اكتساب اسلوبهن في اللعب وفي الغالب لا يلعبن العاباً عنيفة ثم يكتسب طريقة تحدث البنات.. الصوت المنخفض وتجده لا يخرج من البيت كثيراً فيتقمص شخصيته اخواته خاصة اذا كان صغيراً وبالتالي نستطيع القول ان هذا الولد ربى كولد بطريقة التأنيث وهو يكتسب خصائص الانثى اكثر من الولد فهذا ينعكس نفسياً في مبادراته وصداقاته مع الذكور ويمكن ان يوثق علاقته مع الاناث، فهو يتصرف مثلهن تماماً والعكس صحيح عندما تربى بنت واحدة وسط اولاد. ويرى خالد ان الولد من ذات الشاكلة عندما يذهب للمدرسة يبدأ زملاؤه بتعييره ويشبهونه بالبنت وهذا يزيد عزلته ويضحكون عليه فتزداد حيرته باقامة جدار عالٍ لا يستطيع أن يخترقه باقامة علاقة مع الذكور وهذا ما يعقده نفسياً واجتماعياً، ويقول ان الفرد لا يستطيع ان يعيش معزولاً ولابد له من خلق علاقات اجتماعية مع اقرانه الذين يشابهونه في الجنس وعندما يجد الرفض هنا يحس بازمة هوية ويتساءل من أنا ومن أكون ذكراً ام انثى ولماذا أرفض وأين العيب فتتباعد المسافات بينه وبين الآخرين لذلك على الاسر ان تنتبه لمثل هذه القضايا وتشجع ابنها الوحيد بان يلعب مع اقرانه في منطقة السكن ولا تخاف عليه كثيراً لان ذلك يخلق التوازن.