يسبقني دوما مطرك اللازوردي، فيسقي ضفافي العطشانة، ويملا ضفافي اليتيمة. حصانك الاسمر الفاتن، يعدو هفهافا، مثل ضفائر أميرة نوبية عاشقة، بينما يلهث حصاني التعبان، خلف غبار جوادك. ولانك البحر الكبير، يا سندي، فانك تعرف كيف تقرأ جيداً، تلك الانهر النحيلة التي تسعى اليك، وتلتحم في زرقتك الابدية الشاسعة. ولانك مدار ضوئي، يا سندي، فانك تطيب خواطرنا، وتغازل شموعنا المرتجفة في ليالي الوحدة والانكسار والخيبة. تصيبني كلماتك بالشعر والدموع، ويطعنني حبك الوارف، بألف وردة وموجة، ويتساقط بردك الابيض، ليعانق شيب مفرقي، وانا اعبر اعوامي الستين، في ذات الليلة، التي وصلت فيها الى الخرطوم، بعد خمس سنوات، من الفراق، ويا للصدف العجيبة. يا سندي، يا ابن السودان العظيم، وانت تكرم مقدمي الى عتبات دياركم المحروسة، عبر كلمات مشهرة على الملأ، تذكرت كم كنت مستقبليا، وانا اصفف نجوم السودان، في ليالي الندى، وانا اقبل ايادي شيوخه، ومتصوفيه، واشعل حروفي، لتكون اقمارا، وشموسا، تحت سمائه، وانا اتعطر بترابه في الرياح الخماسينية، وانا اشرب من نيله الذي يسعى من الابد الى الابد. يا سندي، وانت الشاعر الكبير، فانني مثل الصبي، أتعلق بذيل جلابيتك الحريرية، وبكل تواضع الكبرياء، تمنحني شهادة الشعر، التي حين يوقعها قلمك الامير، فانها عندي، تساوي، كل مقولات النقاد، والدارسين . يا سندي، ما هذا الفضاء الرحب الذي تغرق فيه روحك السامية، وما هذا المحيط الذي تنساب فيه مراكب محبتك، وما هذا النور، الذي لم تستأثر به وحدك، انما ابدا، تفتح شبابيك ايثارك . وابواب فضلك، لتنثره على الآخرين . يا سندي، اشهد انني فخور بكل كلمة، قلتها بحقي، واشهد انني مهما قلت لن استطيع ان اجاري جداول فصاحتك، وانت الشاعر العربي السوداني، الذي احبته المدن العربية، ومنتدياتها ، ومهرجاناتها، واحتفت به مجلاتها وصحفها ، تقف اليوم، مع نخبة من شعراء السودان، في بؤرة المشهد الشعري العربي، الذي طالما اضاؤوه، بقصائدهم الشجية، وتجاربهم المتميزة، ولغتهم الخاصة.أيها الشاعر، الذي يمسك أحصنة القصيدة، مثل فارس متمرس، عرك أمواج الشعر، وعركته، فضاؤك ثر، وافقك ممدود.يا سيد القصائد، طوالها وقصارها، فصيحها وعامييها، العمودية منها، والحرة، والنثرية، تبقى انت ذلك الشاعر المعاصر، الذي لا يصل الى قامته كثير من الشعراء العرب، ممن ملأوا الساحة الشعرية، صخبا و ضجيجا، وانا اعرف ما اقول. يا سندي، وانت تحضنني، وصوتك يتهدج، وغيم دمعاتك يكاد يطفر من عينيك، خلعت قلبي خلعا، وانت ترى هذا (الامجد) الذي تكسر على صخرة الايام سيفه، وتاه بلده، ولم يبق لديه غير هذه الكلمات. وهذه القصائد التي يتوكأ عليها، وهو يرحل من، والى المدن العربية، التي عرفت ايامه الاول. حين نزلت من الطائرة، في مطار الخرطوم، لم اكن احمل سوى حقيبة يد واحدة، لذا خرجت مباشرة الى الباحة الخارجية للمطار، ولم يكن مستقبلي قد وصل، لم اقلق، ولكنني تساءلت مع نفسي، ترى الى أي بيت سأذهب، لابيت الليلة، من بين عشرات البيوت، ومنها، بيتك، يا سندي. وها انا اغادر الخرطوم بمشيئة الله، وانت في رحلة خارج السودان. اية مصادفات عجيبة.....