إعلامي عربي 08/01/2017 قد كان يوماً سودانياً بامتياز، منذ صحوت مبكراً. ورغم أني في الدوحة لم أغادرها بعد، فإن مشهد الصباح لا يخلو من سوداني في الصرافة أو سوداني في السوبر ماركت أو سوداني حبيب جاء ليوصلني إلى المطار محمّلاً إياي حِمل بعير، ولكن تكفي بسمته وضحكته الصافية التي تساوي طناً أحمله فوق ظهري دون عناءِ وعْثاء السفر. اعتقدت، في البداية، أنه احتفال سوداني لي بسبب زيارتي لهم، ولكن كأني لمحت في عيونهم برقيات يريدون أن يرسلوها معي في حقائبي إلى هناك، حيث النيل الأزرق والأهل والقلوب البيضاء والذكريات. طوال الطريق إلى المطار وتلك اللوحة الجميلة التي رسمتها في مخيلتي عن السودان من قبل، ضاعت بسبب صديقي فارس، أخذ يشرح لي الصراعات وما يحدث لأهله هناك ومخاطر الجفاف وما يعانيه أقرانه وأصدقاؤه. ولكن، للأمانة، الرجل جاء في النهاية وأخذ الفرشاة وبدأ يمشي على الظلال السوداء التي لوّنها لي في بداية الحديث بجاره المصري القبطي هناك وكيف تحلو الحياة معه، إنهما يعيشان هناك منذ فترة طويلة ومتعايشيْن، كما تقول كتب السياسة. في الطريق إلى المطار، تذكرت الطيب صالح وكتاباته المبدعة وأشعار الهادي آدم في رائعته التي جمعت مصر بالسودان في صوت "أم كلثوم"، الذي كان الوحدة العربية الوحيدة التي تحققت في هذا العصر "أغدا ألقاك"، وكيف أنه كان يعمل -الهادي آدم- في الخرطوم مديراً لمدرسة بنات! ولم أتعجب من وظيفة الرجل؛ فصاحب مثل هذه الكلمات الرقيقة ومن يمتلك تلك الذائقة المرتفعة يكون أميناً حقاً على بنات بلده. نصف ساعة تقريباً وكنت قد ركبت الطائرة متوجها إلى أجمل بقاع الأرض وفي ظني هواجس كثيرة، فيا تُرى هل سيصبح يقيناً أم ستتحطم على صخرة الواقع؟ في المقال القادم ستعرفون كيف وجدتُ السودان؟ ديسمبر/كانون الأول 2014 المصدر: (هافنغتون بوست)