موقع ولايات دارفور في حافة الصحراء الكبرى حيث تتفاوت معدلات الأمطار من (50) ملم في الصحراء الشمالية، إلى (200) ملم حول الفاشر، ومابين (300-500) ملم في الجنينةونيالا، وصولاً إلى (800) ملم في جنوب دارفور وجبل مرة جعل من الضروري إتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأزمة الحادة في موارد المياه. هذا المورد الحيوي وهو من سبل كسب العيش التقليدية يُعد من الأسباب الرئيسية لإندلاع التوترات بين السكان، الذين يبلغ تعدادهم وفق إحصائيات عام 2010م (8,2) مليون نسمة، مقارنة ب(1,3) مليون عام 1973م، يعملون في الرعي والزراعة موزعون بين 19% بالمدن، 59% في المناطق الريفية و 22% منهم رحل. وقد تبنت الحكومة منذ العام 2005م نظام الإدارة المتكاملة للموارد المائية كوسيلة أساسية لمواجهة التحديات الناتجة عن التغيرات المناخية والزيادة السكانية، جعلت منه إطاراً لتخطيط وتطوير موارد المياه في دارفور لتقليل نشوب النزاعات حولها، وتوفير كميات منها وحُسن إستغلالها عبر تأهيل المجتمع المدني وهياكل الحكم وتعزيز سبل كسب العيش، لإستعادة عافية قاعدة الموارد الطبيعية إنطلاقاً من أن الماء يُمثل القوة المحركة لبناء السلام. الزيادة الكبيرة في التعداد السكاني شكلت ضغطاً متعاظماً على الحكومة في توفير الإحتياجات الأساسية، وإتاحة الفرص الإقتصادية للسكان في ظل تغييرات مناخية عملت على تناقص معدلات الأمطار خلال السنوات الأخيرة، وكان من الضروري تبنى برامج إعادة تأهيل مكثفة وبناء أنظمة جديدة لتحسين أمر الحصول على الماء لسكان دارفور. ومن هنا إنطلقت فكرة إنعقاد مؤتمر دارفور الدولي للمياه من أجل سلام مستدام بمبادرة مشتركة بين الحكومة وبعثة الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقي "اليوناميد"، وفريق الأممالمتحدة في السودان بهدف تحديد وسائل معالجة تحديات المياه، وإستقطاب الموارد لتوفير خدمات مياه مستدامة لكل مجتمع دارفور. المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من (200) من الخبراء في مجال إستخدام وتوزيع المياه، وكبار الإقتصاديين والمختصين في التنمية والمانحين، يُعد أول جهد دولي كبير لبناء نظام مستحدث ومستدام لخدمات المياه يساهم في السلام والمصالحة والإستخدام العادل لمورد ظل مصدراً للنزاع بين أهل دارفور. ويرى الخبراء إن الحفاظ على منظومة مستدامة للموارد في دارفور مرهون بمدى القدرة على تحسن إدارة المنظومة الأيكولوجية المتدهورة، في إطار بيئة متكاملة وشراكة تُمكن المجتمعات المعنية من درء آثار التحديات المستمرة، وفي تأكيد على أن تجديد البيئة وخلق توازن بين مجتمعات الرحل والمجتمعات المستقرة تُمثلان أهم عناصر إستدامة الحياة. الزراعة المطرية وتربية الماشية يعتبران نشاطان رئيسيان لمعظم سكان دارفور، مما يتطلب بذل الجهود لرفع إنتاجية المياه بتحسين أساليب الزراعة والبذور والتسويق، وبالتالي تحسين سبل كسب العيش ودعم الثروة الحيوانية بتوفير مياه الشرب والخدمات البيطرية. ولقد ظلت الحكومة تولي أولوية قصوى لتمويل مشروعات مياه الشرب من آبار وحفائر وسدود ومشرعات مياه في إطار الإدارة المتكاملة للموارد المائية تحقيقاً لأهداف الألفية. في ظل توفر الإرادة السياسية لتحقيق السلام المستدام عبر المصالحات والتفاوض وقد تكللت نتائج إنفاذ إستراتيجية دارفور بنجاح أفضى إلى الإتفاق على وثيقة الدوحة لسلام دارفور. وانطلاقاً من مسؤوليتها الكاملة قامت الحكومة ممثلة في وزارة الري والموارد المائية في إعداد أجندة المؤتمر الذي ُتشكل وثيقة النداء للمانحين المحور الأساسي له، بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة للبيئة، بعثة الأممالمتحدة، الإتحاد الأفريقي، منظمة الأغذية والزراعة، الهيئة العامة للمياه، إدارة المياه الجوفية.. ضمت 65 مشروعاً بتكلفة 1.06 مليار دولار، منها مشروعات التأقلم مع تغير المناخ وإدارة موارد المياه، وبناء القدرات والأمن الغذائي والموارد الطبيعية بقيمة 86 مليون دولار، تُمثل 8% من مجموع النداء، ضمن ما نسبته 20% من المشروعات التي ستنفذ خلال 6 سنوات، على أن يتم تنفيذ ما تبقى منها خلال أربع سنوات. المؤتمر إستصحب تجربة جنوب أفريقيا في إستخدام الإدارة المتكاملة للموارد المائية، بالجمع بين النهج العادل والنهج المستدام، الذي تم تلخيصه في شعار (القليل للجميع إلى الأبد)، ويكمن نجاح المؤتمر في حرصه على أن تكون المشروعات التي ستنفذ نابعة من أهل المصلحة الحقيقية، حيث كان لحكومات ولايات دارفور الثلاث ومجالسها التشريعية ومنظماتها المجتمعية الدور البارز في تحديد الأولويات وفق السياسات المائية للبلاد، ووفق الإحصائيات الدقيقة لتعداد السكان والثروة الحيوانية ومعدلات الأمطار والمياه السطحية والجوفية وحجم العجز المطلوب تغطيته. وتُمثل مشروعات الولايات الثلاث في الوثيقة نسبة 34% من حجم التمويل الكلي فيما تُمثل المشروعات التي ستنفذ في ولايتين 14%. تفادياً للإزدواجية وضماناً لإسهام المشروعات في بناء السلام وإستدامة البيئة، أمن المؤتمر على إنشاء لجنة عليا لتنسيق تسيير المشروعات، كآلية لمراقبة مستوى التمويل عبر إخضاع المشروعات للإتقان الضروري، ودراسة الآثار الإجتماعية والبيئية لكل منها، وتقييم ما يُحدثه بعد إكتمال تنفيذه، تضم في عضويتها الوزارات المعنية، منظمات الأممالمتحدة، جامعات الفاشر- نيالا- زالنجي، صندوق إعمار دارفور، مجلس تنمية الرحل، مفوضية أراضي دارفور ونخبة فنية من كل التخصصات. الحكومة أشادت بالمؤتمر وثمنت دور المشاركين فيه، لا سيما وأنه يتفق مع رؤيتها في معالجة أزمة دارفور من خلال نهج يتعاطى مع جذور المشكلة في الجانب التنموي الذي تأتي المياه في مقدمتها.. وأكدت التزامها بتهيئة المناخ الملائم للمانحين لتنفيذ مشروعات المياه والمُضمنة أصلاً في إستراتيجيتها لتنمية دارفور في مجالات الطرق، الجسور، الصحة، التعليم والخدمات الإجتماعية وعودة النازحين واللاجئين وإدخالهم في دائرة الإنتاج الزراعي والحيواني، والإنتقال بهم من حالة الإعتماد على الإغاثات إلى العمل المنتج لتحقيق إكتفاء أهل دارفور بما يسهم في تطوير المنطقة وترقيتها إقتصادياً. إن عملية بناء سلام مستدام في دارفور تتطلب العمل على كافة مستويات المجتمع لتتكامل الجهود السياسية والتي أصبح قطاف ثمارها بالتوقيع على وثيقة الدوحة قاب قوسين أو أدنى، مع برامج وجهود أنشطة الإنعاش والتنمية التي تساعد على إنزال السلام والإستقرار إلى أرض الواقع أمناً وإنتعاشاً إقتصادياً على إنسان دارفور فيعيدها سيرتها الأولى.