اغلب الباحثون الذين يهتمون بالدورات والتقلبات هم علماء الإقتصاد،فجل النظريات الإقتصادية ان لم تكن كلها تطرقت للدورة بشكل او اخر,اما علماء التاريخ والنفس والفلاسفة لم يكرثوا جهدهم في الدورات والتقلبات التي تعتري الحياة العقلية للبشرية ،بل كانو يظنون ان الحياة العقلية للبشرية في تقدم وتحضر وموعودة بالنضج وقد تقترب الي المثالية بمرور الزمن، فكثر حديثهم عن الرجعية والتخلف في العصر الحجري والعصور الوسطى, وتغافلو عن التخلف في عصر الفضائيات والتكنلوجيا ،نسو البور وسط الحقول والجفاف المخلل للسهول ، ففي الثمانيات عندما ظهر كتاب الدكتور فرج عودة العائدون الي السماء إتهموه بالكفر والإلحاد ،ولكن ما صاحبت المجتمعات الدارفورية (الحياة العقلية لإنسان دارفور) في الاونة الأخيرة من انحطاط فكري وأخلاقي توحي بأنهم في دورة عقلية تماما كالكساد والركود في الإقتصاد أو مرحلة انخفاض القوة الشرائية للعملة ، إذ نحن نلتمس بعض العذر لقبيلة البني هلبة الذين يهاجمون قبيلة القمر الامنة هذه الأيام لأنهم يمرون بدورتهم العقلية، فحينما حط بهم الرحال من دولة تشاد المجاورة في وادي صغير اتخذوه مورد لأغناهم سموها فيما بعد بعدالغنم ،كانو يمارسون السلب والنهب ، انهم لطبيعة التوحش الذي هم فيه اهل إنتهاب وعبث ، ينتهبون ماقدروا عليه من غير مغالبة ولاركوب خطر، ويفرون الي منتجعهم بالقفر ، والقبائل الممتنع عليهم – بأوعار الجبال- بمنجاة من عبثهم وفسادهم، وأما البسائط متى إقتدروا بفقدان الحامية وضعف الدول فهي نهب لهم يردودون عليها الغارة والنهب الي ان يصبح أهلها مغلبين لهم ، ثم يتعاورونهم بإختلاف الأيدي وإنحراف السياسة الي ان ينقرض عمرانهم، وهم إذا تغلبوا على أوطان أسرع عليها الخراب، لأنهم أمة وحشية ، فينقلون الحجر من المباني ويخربونها لينصبوه أثافي للقدر ، ويخربون السقف ليعمروا به خيامهم ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم وليس عندهم في اخذ اموال الناس حد ينتهوا إليه ، وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ، انما همهم ما ياخذونه من أموال الناس نهبا أو مغرما ، فاذا توصولوا الي ذلك اعرضوا عما بعده من تسديد احوالهم والنظر في مصالحهم . يتوجب على الباحثين دراسة هذه المرحلة العقلية لقبيلة البني هلبة وعلى حكومة الخرطوم التعامل معها بكل جدية وحسم ،وفرض هيبتها وسلطتها على تلك البقعة من الأرض ،فليس هنالك من يجمع سوادها ،ويضم قواصيها ،ويقع ظالمها ،وينهي سفيهها ،واما ما تفلتت من القبيلة ونال قسط من التعليم وخالط الحضر مازال متأثرا بالقبلية ومتجافي عن احقاق الحق وإحسان العلم، وان انفصال قبيلة الرزيقات عن ولاية جنوب دارفور الهبت شهيتم في الرياسة وتقلد المناصب ,فسلكو الغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في المناصب الدستورية ،لا يعرفو غلاة ثمن لذلك، فدفعو بغيرة ابناءهم الي حرب الرابح فيها خاسر.