أحمد المفتي ل« البيان »: إثيوبيا خادعت السودان ومصر حوار – طارق عثمان حذّر خبير القانون الدولي والموارد المائية السوداني د. أحمد المفتي من آثار كارثية على السودان ومصر جراء قيام سد النهضة الإثيوبي، مشدّداً على أنّ الانفراد الإثيوبي بالتصرّف بشأن السد دون إشراك دولتي المصب يمثّل نهاية مأساوية لمستقبل السودان باعتباره يعتمد على المياه في ري مشاريعه الزراعية. وطالب المفتي في حوار مع «البيان» حكومتي السودان ومصر بالتحرّك الفوري لإثناء إثيوبيا عن مواصلة العمل بالسد إلى حين التوصّل لرؤية مشتركة تضمن مصالح دولتي المصب وحماية أمنهما المائي، منتقداً ما أسماه تباطؤ الخرطوم بشأن القضية، لافتاً إلى أنّ «الوقوف في خانة المتفرج يعني ضياع الحقوق المائية»، مضيفاً أنّ إثيوبيا خادعت السودان ومصر باللجنة الفنية المشتركة ودشّنت العمل الفعلي بالسد دون انتظار تقرير اللجنة. وفيما يلي نص الحوار بين المفتي و«البيان»:
كيف تفسّرون خطوة اثيوبيا المفاجئة تحويل مجرى النيل الأزرق توطئة للبدء في إنفاذ سد الألفية؟ أولاً الخطوة الإثيوبية ليست مفاجئة للمراقب والمهتم بمياه النيل لأنّ الموقف الإثيوبي واضح ومنظّم في اتجاه واحد بدأ منذ العام 1959 وهو عدم الاعتراف باتفاقية 1959، وفي العام 1997 عندما سنّت الأممالمتحدة قانون دولي الموارد المائية رفضت إثيوبيا منح إخطار مسبّق مؤكّدة عدم التزامها بانعدام تضرّر الدول الأعضاء، كما أنّها وقّعت «اتفاقية عنتيبي» ومؤخّراً شكّلت لجنة صورية ليس لها أي اختصاصات بدليل أنّها الآن تصرّفت قبل التقرير النهائي للجنة، وهناك تصريحات واضحة لعدد من المسؤولين الإثيوبيين بعدم التزام بلادهم بمخرجات اللجنة. ولذلك تحويل المجرى أتى تنفيذا لهذه الخطوات، وستلحقه خطوات أخرى، وهنا يكمن ماذا تريد إثيوبيا من سد الألفية حسب ما أعلنته؟ هي أوضحت أنّها تريده لأغراض توليد الطاقة الكهربائية وإذا تمّ إنشاء السد فإن طاقته خمسة الاف ميغاوات وهي تمثّل واحد في المئة من احتياجات السودان المستقبلية، نعم يمكن أن يوفر كهرباء رخيصة للسودان إلّا أنّ ذلك ليس هدفا استراتيجيا للسودان، فإثيوبيا تريد إقامة مشروع استراتيجي لها وحدها. كيف تردون على من يقول إنّ السودان لا يتضرر من قيام سد النهضة؟ يبقى السؤال للجنة المشتركة ولأي مسؤول سوداني حول من الذي يمتلك التصرف في المياه التي خلف السد والتي تمثل 74 مليار متر عبارة عن منسوب النيل الازرق لعام كامل؟ والإجابة البديهية أنّ المستفيد الأوحد منها إثيوبيا، فمثلا السد العالي مياه مشتركة سودانية مصرية ويتم التصرّف فيها حسب ارادة الحكومتين، وكذلك سد اوين الاوغندي، حيث هناك مهندس مصري يسيطر على تشغيل وضبط السد ويدار بإدارة مشتركة بين السودان ومصر، أمّا في سد الالفية ليس هناك تشغيل مشترك ولا ملكية مشتركة، فاذا سيطرت إثيوبيا منفردة على مياه بحيرة السد ولو التزمت بتوفير حصة السودان القديمة فإنّ مستقبل السودان سينتهي ولا يغطي انتاجه الزراعي تكلفته. البعض يرى أنّ السودان هو المستفيد الأول من قيام السد وذلك بتوفير كهرباء رخيصة واستقرار مناسيب النيل ما تعليقك؟ واحد في المئة من احتياجات السودان المستقبلية من الكهرباء السودان اليوم يستهلك أكثر من عشرة الاف كيلو واط، مصر تستهلك 107 كليو واط وخمسة آلاف لا تعني شيئا لمستقبل السودان، إثيوبيا ستستفيد من كهرباء السد وهذا ليس استراتيجيا عند مقارنته بالأمن المائي، أما بخصوص انخفاض المنسوب، فالسودان ليس لديه مشكلة في ذلك، والسودان لا يكون التحكّم على تشغيل السد حتى يتصرف ارتفاع المنسوب أو انخفاضه، لذلك نجد أنّ الشراكة في تشغيل السد واحدة من الحلول للأزمة باعتبار أنّ الملكية مشتركة فلابد من التعامل مع القضية بعدالة تحفظ للسودان أمنه المائي، فلا يمكن أن تحقّق إثيوبيا احتياجاتها وتهدّد الأمن المائي السوداني. إلغاء اتفاقات هناك من يرى بأنّ توقيع السودان ومصر على اتفاقية عنتيبي يمكن أن يمنع التصرف الانفرادي لإثيوبيا؟ توقيع السودان على اتفاقية عنتيبي يعني إلغاء كافة الاتفاقيات السابقة لأنها لا تعترف بها، وإعطاء اثيوبيا الحق المطلق في التصرّف في موارد المياه دون أن يستطيع السودان الاحتجاج وستأتي إثيوبيا بمن تشاء للتحكّم في المياه، وبالتالي فإنّ العودة للتجارب العالمية في إدارة موارد المياه والأنهار المشتركة والاحتكام للقوانين الدولية التي تحكم الأنهار المشتركة يمثل الحل لكل المشكلات. هناك تحرّك بدأه وزير الكهرباء والسدود السوداني بزيارة القاهرة هل بإمكان البلدين التوصّل لما يقنع اثيوبيا بالتوقف عن بناء السد؟ أنا ما يهمني أن تتخذ الحكومة السودانية كل ما من شأنه ايقاف ذلك عبر التمسّك بحقوقه كاملة حتى لا تضيع وذلك بمطالبة اثيوبيا فورا بإيقاف العمل وأي نشاط يتعلق ببناء السد وهذا حق مشروع للسودان لفترة أقلها ستة شهور، وأن تدخل في مشاورات مع إثيوبيا ومصر، وأن يخطر السودان كل الجهات المعنية سيما الدول الإفريقية والدول المانحة والشركات المموّلة والمنفذة للسد، ولكن أن يتفرّج السودان على التصرّف الاثيوبي الانفرادي سيؤدي حتما إلى ضياع الحقوق. هل أنتم من أنصار رفع القضية للتحكيم الدولي؟ لا أنا مع معالجة القضية عبر طاولة المفاوضات بحسن نية والاستئناس بالممارسة الدولية. رؤية مشتركة ما هي رؤيتك للمعالجات التي يمكن أن تجنب نشوب نزاع بين مصر والسودان وإثيوبيا بسبب خطوة تحويل مجرى النيل الأزرق؟ لابد من المفاوضات والوصول لرؤية مشتركة تنصف الدول الثلاث وأي مبادرة أو اقتراح لا يعتمد على الممارسة الدولية سيكون هشّا، لابد من معالجة الموضوع حسب الممارسات الدولية ل250 نهراً في العالم وذلك بالاستفادة من تلك التجارب. بماذا تفسر الصمت السوداني بشأن سد الألفية؟ الموقف السوداني يدعو للحيرة وأنا كنت أتوقع بيانا تفصيليا عن موقف السودان في موضوع مهم كهذا. هناك محاذير من أيادٍ اسرائيلية تقف خلف تطوّرات ملف مياه النيل ما تعليقك؟ عادة أي مورد حيوي كمياه النيل ستكون هناك أصابع دولية خلفه، ولكن الأهم التصويب على المشكلة وإيجاد المعالجات لها ويجب الانتباه إلى حماية أمن السودان المائي، سيّما وأنّ هناك حلولا متوفّرة في حال صدقت النوايا. آثار كارثية برأيك ما هو حجم الأضرار المتوقعة جراء انفراد اثيوبيا بالقرار بشأن إقامة سد النهضة؟ الآثار ستكون كارثية بالنسبة للسودان باعتبار أنّ مستقبل السودان يستند على المياه وهذا سينتهي من مستقبل السودان نهاية مؤلمة باعتبار أنّ أي مشكلة سودانية يمكن حلها ولكن التفريط في حقوقه المائية لا يمكن حلها. هل ترى أنّ إثيوبيا مارست غشّا على مصر والسودان بشأن إشراكها في اللجنة؟ طبعا لأنّ الدولتين انطلت عليهما الحيلة الإثيوبية والدليل أنّ مخرجات اللجنة لم تصدر بعد، اثيوبيا غشت السودان ومصر بحيلة سيندمان عليها طيلة العمر اذا لم يتداركا الموقف. هناك تحذيرات من أن انهيار السد سيغرق الخرطوم؟ هذه جوانب فنية وليست بها مشكلة يمكن أن يجلس لها المهندسون لمعالجتها ولكن المشكلة الحقيقية في الرؤية الاستراتيجية للموضوع فخطورة السد وسلامته ليس موضوع خلاف، فالقضية المحورية تكمن في الإجابة عن السؤال آنف الذكر حول من الذي يملك حق التصرف في مياه بحيرة السد. استراتيجية مياه شدّد خبير القانون الدولي والموارد المائية السوداني د. أحمد المفتي على ضرورة أن يبني السودان استراتيجيته المائية على حسب حاجته لموارد إضافية لحصته الحالية البالغة 18,5 مليار متر مكعب، ليتمكّن من زراعة أراضيه الموصوفة ب«سلة غذاء العالم». وأشار المفتي إلى أنّ السودان في حاجة لتأمين موارده المائية، وأنّه يمكن أن تكون هناك استفادة متبادلة لموارد المياه بين الدول الثلاث، لافتاً إلى أنّ «مستقبل السودان يكمن في زيادة حصته من المياه». البيان الاماراتية 9 يونيو 2013