ثورة االحرافيش الإنجليز مصعب المشرّف: ليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها العاصمة البريطانية لندن إلى أعمال شغب وحرائق طوال تاريخها الضارب في القدم . ولكنها المرة الثانية خلال تاريخها المعاصر بعد تلك الحوادث المشابهة التي إندلعت عام 1985م ، عقب مقتل زنجي بريطاني إسمه كيثيا جاريت (49 سنة) برصاص الشرطة البريطانية - المعروفة بشراستها - خلال تفتيشهم لمنزل عائلته. وفي هذا العام إندلعت أعمال الشغب بتاريخ 4 أغسطس ؛ عقب مقتل زنجي آخر يبلغ من العمر 29 سنة على يد الشرطة البريطانية ، أثناء تفتيشهم العنجهي الإستفزازي لأحد الأحياء التي تقطنها غالبية سوداء بحثا عن مشتبه بهم بالضلوع في حادثة إطلاق نار. الملفت للنظر أن المشاركين في الشغب خلال هذه السنة أو عام 1985م لم يكونوا جميعهم بريطانيون سود وإنما تعددت ألوانهم . بل وغلب العنصر البريطاني الأبيض فيهم على معظم قادة ومرتكبي حوادث الشغب من كسر أقفال ونهب للمتاجر والمجمعات والمخازن ، وإشعال للحرائق وإطلاق عشوائي للنار في مواجهة عناصر الشرطة الذين تصدوا لهم في بداية الأمر. وعلى الرغم من سطوة وجبروت وطول أيادي الشرطة هناك ؛ فقد شهدت العاصمة البريطانية وضواحيها خلال الأيام الماضية إستباحة تامة لعناصر الشغب ومعيتهم من اللصوص الذين يجدون في مثل هذه الأحداث التخريبية ضالتهم. فيسرقون وينهبون كل ما تقع عليه أيديهم داخل المتاجر والمنازل. الآن بدأت الشرطة البريطانية تستعيد زمام السيطرة على الشارع شيئا فشيئا . وقد ألقت القبض على كثيرين؛ سواء من بني جلدتها البيض أو أولئك الزنوج أحفاد الزنوج الذين جاء بهم تجار الرقيق إلى بريطانيا للعمل في مزارعها ومصانعها ، وتولي أعباء كافة الأعمال الشاقة وتلك التي تصنف على أنها وضيعة سواء قبل الثورة الصناعية أو بعدها وإلى تاريخه. بعد الثورة الصناعية حاولت دول أوروبا الغربية وبريادة الولاياتالمتحدة البحث عن وطن بديل للزنوج ، فكانت هايتي وليبيريا وبعض جزر الموز الأخرى التي ضحكوا بها على عقول الأفارقة من ضحايا الرق والعبودية. ولكن الذين غرتهم الأماني لم يتجرعوا هم واحفادهم في هذه الأوطان البديلة سوى الحرمان والجوع والزلازل وثورات البراكين والتسونامي والأعاصير والمآسي والحروب الأهلية وسوء الإدارة وعدم الإستقرار السياسي ... وحيث لم يمارسوا في أوطانهم البديلة سوى الحرية الجنسية من بابها الواسع ؛ فكانت الأمراض الوبائية وعلى رأسها الإيدز الفتاك لهم بالمرصاد. وأما البقية الباقية من هؤلاء الزنوج ممن لم يطاوعه قلبه ولم يخيل على عقله مكيدة ترحيله إلى الوطن البديل مشفوعا بالوعود المبذولة الكاذبة وتلك المعسولة اللذيذة البراقة ؛ فقد قبع في تلك الدول البيضاء كشوكة الحوت داخل مجتمعاتها . وعلى ضوء إستحالة التفكير في مسائل وحلول من قبيل "تقرير المصير" و"الإنفصال" ؛ فستظل بريطانيا والولاياتالمتحدة وغيرها من دول غربية ولاتينية تدفع الفواتير الإجتماعية الثقيلة من أخطاء الماضي وتصرفات الحاضر العنصرية التي ترتكبها عناصر الشرطة ضد المواطنين السود الذين لا تثق بهم لا لشيء سوى أنهم سود. كما أن لفشل النظام السياسي الديمقراطي والنظام الإقتصادي الرأسمالي في تحقيق العدالة بين أبناء الشعب الواحد . وكبح حالات الإستغلال والجشع لفئة قليلة تحتكر ثمار الرفاهية لنفسها على حساب الفئة العريضة ، سيكون لها دائما تبعاتها على هيئة ثورات وفورات بين كل حين وآخر تؤدي إلى خسائر بالمليارات حتما. لا أحد في العالم لا يدرك ولا يعلم بمدى التحامل الغير مبرر. ومسلك التعامل الغليظ والمفرط في الشدة والإهانات تجاه المواطنين السود في أوروبا عامة وكذا الولاياتالمتحدة.. وحيث المواطن الأسود هناك متهم حتى تثبت براءته ، ناهيك عن التفرقة بينه وبين مثيله الأبيض في التعليم والتوظيف والترقي ، ومستوى الخدمات العامة وحتى ظروف الإعتقال والسجن عند مقارنته بمواطنه الأبيض. ولو كنت قاب قوسين أو أدنى من هؤلاء التعساء الحاضرون الغائبون في قوائم المواطنة الحقيقية في تلك الدول الغربيةوالولاياتالمتحدة لكنت أوصيتهم بتكثير نسلهم إلى أقصى ما يكون . وعلى ضوء تناقص الزيادة السكانية (وعدمها أحيانا) لدى العنصر الأبيض هناك . فلربما كان في تنامي الزيادة العددية للمواطنين السود المجال الأرحب خلال المائة عام القادمة كي ترتفع نسبتهم إلى 50% ؛ أو أصحاب الثلث المعطل في تلك المجتمعات على أقل تقدير. ...... وعندها فقط ستلتفت إليهم الأحزاب السياسية بجدية وتهتم بهم الإدارات التنفيذية والخدمية العامة . وتخشى سطوتهم الأجهزة البوليسية والقضائية وإدارات السجون.