--- تعقيباً على مقالي بعنوان (حسن الدابي مالك ساكت؟) وافاني الحبيب المهندس ابراهيم أحمد الحسن عضو مجلس ادارة شركة زين، والمثقف الرفيع المهتم والمتبحر في شتى ضروب الاداب والفنون السودانية بالرسالة التالية: عزيزي البطل وأنت تتسلل ثانية من (وطن النجوم)، و(وطن النفوس البكرة) كما قال شاعرنا حميّد: (وطناً قريب للحي، وسرٌك للبعيد لحّاق، حلو حلاوة ما بتنضاق ومُراً كلو كلو إن ضاق)، وأنت تُيمم وجهك شطر بلاد فيها: (إيقاع القَطْرُ لا يكف رتيب)، أو كما قال في وصفها البروفيسور عبدالله الطيب في (أصداء النيل)، حيث بلاد (بناتُ إنديزَ الحسانُ السُّمرُ في الغلائل). لذا، وجب أن نزجيك التهاني بموقع تبوأته علماً وعملاً واقتداراً، مع دعوات صادقات بالتوفيق. أمّا بعد.. استمتعت أيّما استمتاع بمقالتك: (حسن الدابي مالك ساكت)، و(هيّجتني الذكرى) وأنا أصيخ السمع والشجن لأنين الوابورات الأربعة: (الجلاء وكربكان وعطارد والزهرة)، وهي تمخر عباب سطورك بعد أن (سحقن مشاعر عشاق منحنى النيل)! أضنت فؤادي لغتك الرفيعة، وموهبتك الفريدة وهي تعيد صياغة المفردات الخالدات في سفر الشعر والكلم الموقّع علي شفا الرهف الشفيف. (لوّعني قلبي) حد البكاء تضامناً مع صرعى (الطفّشا الجلاء من فريقا)، وضحكت عندما استعصى عليك معنى (أم دريقة)، وهي التي توحي أحرفها بأنها من بنات أفكار لغة العصور الوسطى في السودان الشمالي، رغم أنها ليست إلا اسماً آخراً للسلحفاة، أو (أبو القدح) الذي يعرف جيداً (مكان بعضي رفيقو) عند أهل السودان (عموم)! ويكتمل المنظر الذي تمناه (حسن الدابي) للباخرة (الزهرة)، ببيت طريف يكمل ما جئت به: « قمرات نومو تسكننْ أم دريقة/ وتلد في عنابرو عشان غريقة». هذا ما كان من شأن (أم دريقة)، أما لو دار محور سؤالكم عن: (عبدو أخوى) الذي وصفه حسن الدابي بأنه: (قوله حقيقي)، فهو المقصود بالشاعر الفذ، صاحب القصائد التي غادر بعده كل الشعراء (متردم الشعر الشايقي)، صاحب: «سيل الشوق على الحابنّو جارفنا»، و«ريدكم لي شديد يا يابا»، و«حبل الصبر». ولعلها كانت مصادفة أن تكون في (حبل الصبر)، بلاد الجليد حين قال: «يا عوض مدرسة الشعر/ بي جدارة إيّاك ناظرا/ بي غُناك حرف السين/ بقت فوق بنات جيلا مُبطرا/ سابك لي بلد الجليد/ ودّعك ودقّ مغادرا». (عبدو أخوي)، هو صاحب (ذكرى العيد المضى)، وعنه أنشد: «يوم كنا بي نشوة فرح دايرين نطير/ يوم القمر في بيتنا متواضع قعد فوق السرير/ وقال: كل عام وانتم بخير)! (عبدو اخوي)، صاحب: «بعشقك وما شفت أنسان أدمن الريد ومنو تاب». وصاحب: «أيش فيك ياخ بتطالع»، وقالها في «حسناء خليجية" ضبطته وهو يتلمظ نهايات (النظرة الأولى)، وسمعتها منه آخر مرة، قبل أكثر من عشرة أعوام مضت. طلبت منه أن يسمعنا النص فتأبّى كثيراً عليه الرحمة، قبل أن يمسك (المايك) منشداً: «بتسألي في أيش فيك ياخ بتطالع/ بطالع في بدر فَتَقْ الخِمار طالع/ وأطالع في برق بهر خطف شالع/ بطالع في القوام الأمرد الفارع/ بطالع في اللّي في صيد القلوب بارع/ وأطالع في عزيزتي تلاوي وتصارع/ وأطالع في القيامة القايمة في الشارع/ وتسألي في أيش فيك ياخ بتطالع/ بطالع إلّا قبلك شبّعت جائع/ بطالع في بهاك يا حسنة الطالع/ بطالع في جمر بيك وبلاك والع/ وأطالع في النفس لا يبقى مو طالع». (عبدو اخوي) يا مصطفى أخوي، هو صاحب: (صابر جِرا)، سائق البص الشهير الذي كان يذرع الطريق من مروي/ أم درمان/ المويلح/ كتم/ الفاشر/ الجنينة و(بالعودة)، حين قال (عبدو أخوي) مخاطباً (صابر)، السائق الماهر المحترف، ناصحاً له بالحذر من عروس كانت تجلس في المقعد الأمامي جواره: «السواقة انت مكنترة/ وجايب فيها كم دكترة/ شافعي دلوعة مبطّرة/ وسوق بشيش عشان خاطرا/ باليمين إيدَك قصِّرا/ وشوف تعاشيقَك باصِرا/ أرتَى للمَضمُور خاصِرا/ والسَبيب مَشرُور حاصَرا/ الجنينة بخِت زايرا/ وصْلتا القَمرة النايرة».. (عبده أخوي) هو من قال: «الذوق والأدب خلى الخلوق ومشالو/ أما جمالو الله من الفراديس شالو/ يا ناس ذنبي أيه أنا قلبي لو شاشالو/ بس قولو لو مبروك العرف نشالو». والمقاطع التالية من (عبدو أخوي) تكفي كلماتها لتفضح عن مكنوناتها: «يا حلاة العُشرة وكتين تبقي صح صح/ ويا حلاة الريدة وكتين تصفى تفرح/ يا حلاة ليلاً معاك ما دُرنا يصبح/ ويا حلاة صبحاً معاك تكون إنت المصبح/ في الربيع قالو الزهور تنضر تفتّح/ يا ربيع في حضنو كم لفاني وارتح». وهذي بقايا نجوى (عبده أخوي) ل (حسن الدابي) حيال سفر المحبوبة: «ما تعاين كتير وتشبه ديك إياها ديك مو ياها/ باينة حبيبتي من بسماتا والنور يضوي من محياها/ يا حسن أنت فوق أوصافا جيب أبيات وقول معناها/ واوعك ترتبك فى وداعا زي ما نحن ودعناها/ وأكتب لي جواب طمني لا يبقى السفر أعياها»! وقد جاء رد الشاعر حسن الدابي الذي فعل بكم الافاعيل ل (عبدو أخوي)، قال: «وبفتش في دليل لي دربي ضوّاي/ دحين أطفيها نار الغيرة أو زيديها بوباي/ وأبكي على غرورك بعدي أو كوسيلو رضّاي/ وقول لي معاك سلامة أو قوليلا باي باي». مصطفى أخوي.. «حديثك شوّقنا ليك/ قلنا أي كلام نسمعو/ قلنا أصلك ما بتريدنا/ وقلنا يللا قومو وأرجعو».. وتلك أيضاً، من نظم (عبده أخوي)! أما بعد.. كفاك يا مصطفى، وقد بلغ بي الحال كما وصفه (ود بادي): «كفاك آ وليد، أنا تُهت في الأشواق/ وهسّع ضُمة لا شايفك ولا بسمع»!