بسم الله الرحمن الرحيم في ذروة الصراع الأمريكي الروسي في ثمانينات القرن الماضي، اقتنع الأمريكان بضرورة جر الاتحاد السوفيتي إلى ميدان جديد للصراع "وليس التنافس" بين الطرفين سعيا إلى فدفع الدب الروسي إلى توجيه أمواله إلى ميادين أخرى غير التنمية ودعم الطبقة العاملة مما قد يساعد على تحريك الشارع واستعجال نهاية الاتحاد السوفيتي. بعد تفكير عميق وتعاون من كل المؤسسات العلمية والاستخباراتية ومراكز البحوث والدراسات، اهتدى الأمريكان إلى ما عرف ب "حرب النجوم" التي يعرفها الجميع. ويقول خبراء العلاقات الدولية إن الولاياتالمتحدة أحسنت الاستفادة من هذا المشروع الافتراضي "غير الواقعي" وتمكنت، من خلال التركيز الإعلامي الكبير والممنهج على هذا المشروع، من أخذ الاتحاد السوفيتي إلى ميادين أخرى بها معدلات صرف مالي ضخمة مما أفقر الخزانة الروسية وجعلها تشهد عجزا كبيرا غير مسبوق، وبالتالي تراجعت نسبة الأموال المخصصة للتنمية ولدعم الطبقات العاملة والفئات المحتاجة، مما كان له الأثر اللآحق في إنهيار الاتحاد السوفيتي. كلما نظرت لحال الدولة السودانية، وما تعج به وسائل الإعلام المختلفة، من تلفاز وصحف ومواقع تواصل اجتماعي وغيره، اعتقدت أننا صرنا جزء من الدول المتقدمة. وأنا متابع جيد لوسائل الإعلام، بحكم تخصصي، ومتابع لما تتناوله هذه الوسائل من أخبار وبرامج وأنشطة حول مؤسسات الدولة المختلفة، وأبحث عن هذه الأنشطة على أرض الواقع. ورغم أن هناك قلة من المسؤولين تسعى فعلا إلى الإنجاز والعطاء، إلا أنني كثيرا لا أجد لكثر من هذه الأنشطة والبرامج أي أثرا، ولا أجد أي متابعة لمخرجات المؤتمرات والورش والمنتديات واللقاءات التي تعج بها وسائل الإعلام المختلفة، والتي تصرف على بعضها مئات الملايين بل مليارات الجنيهات، بدون أي فائدة تذكر، وبدون أي عائد على الدولة يليق بهذا الصرف البذخي. الهدف الوحيد وراء جل هذه الأنشطة هو الهالة الإعلامية والألق الذي يسعى كثير من المسؤولين احاطت أنفسهم به حتي يكونوا في "الصورة" وفي أعين قيادات الصف الأول بشكل دائم!!!! من بين المسؤولين الذين يستهواهم الإعلام، لدرجة المس، ويسعوا ببذل الغالي والنفيس ليكونا دوما محط وسائل الإعلام المختلفة السيد الأمين العام لجهاز المغتربين. اتفق، تقريبا، جل السياسيين ورجالات الدولة أن الحكومة السودانية أخطأت حين أعادت شخص أقالته من منصبه لسوء الأداء، إلى ذات المنصب بعد أقل من عامين من إقالته. ولم تقدم الحكومة أي مبرر يذكر لهكذا قرار. بل تفاجأ المغتربون بعودة كرار الذي فشل على مدار خمس سنوات ماضية في الانتقال الفعلي، أقول الفعلي وليس الافتراضي، بقضايا المغتربين إلى إيجاد حلول جذرية، بل اكتفى بدلا عن ذلك بملء الفضاء الإعلامي بإنجازات وهمية، غير حقيقية، وبضجة كبيرة يحسبها الظمآن ماء. هذا الواقع جعلني أركز بشكل أكبر على جهاز المغتربين وعمله. ورغم أنني لا كنت مع الذين رفضوا تعيين حاج ماجد سوار خلفا لكرار التهامي، لأن الرجل لا يمتلك أي خبرة هجرية ولم يعمل أبدا في هذا المجال سوء عام ونيف قضاها في ليبيا شهدت له بعدم الكفاءة للخلافات الكبيرة التي كانت بينه وبين الجالية السودانية هناك ثم أنه ختم عمره الدبلوماسي القصير بخلاف مع وزيره في الخارجية. ولكن الرجل رغم الفترة القصيرة التي قضاها أمينا عاما لجهاز المغتربين قام ببعض الإنجازات التي عجز سلفه كرار عنها مثل عقد المؤتمر العام للمغتربين السودانيين، وعقد لقاءات لبرامج نقل المعرفة بمشاركة عدد من علماء السودان. ولكنه المنية المهنية لم تترك الرجل يواصل ما استهل، فعالجته وهو لم يكمل عامه الثاني بعد. ثم شاءت الأقدار أن يعاد كرار التهامي الذي لم ينجح سوي في فضاءات الإعلام، لموقعه مرة أخرى، ليصبح السلف خلف، والخلف سلف، وهذا لعمري مخالف حتي لطبيعة الأشياء، بيد أنه السودان، بلد العجائب والغرائب. العام المنصرم عقد جهاز المغتربين مؤتمرا ضخما بمشاركة، ما يقال إنهم علماء السودان بالخارج، الذين كان من بينهم عارضات أزياء جميلات، وحملة دبلوم وبكالريوس، وبعضهم لا يحمل حتي شهادة جامعية، وغيرهم كثر. صرف على هذا المؤتمر والمؤتمرات التي انبثقت عنه بعد تأسيس ما يسمى "المجلس الأعلى لنقل المعرفة" وغيرها من المسميات، أموال ضخمة تجاوز المليار جنية سوداني، تم فيها دفع تذاكر الطيران للممثلات وعراضات الأزياء، وتأجير السيارات الفارهة لحملة الدبلومات، والحجز لهم في الفنادق الفارهة، هذا طبعا، وهو الأهم، التغطية الإعلامية الكبيرة لفعاليات مؤتمر من أطلقوا على أنفسهم "علماء". وبهذا وجد السيد كرار التهامي المناخ الذي يرغب حيث كثفت وسائل الإعلام من إفاداته ولقاءاته حتي "عمل لينا وجع وش" ومسخ خلق الله بكثرة الطلة. ورغم أن البعض كان يأمل أن يسهم "علماء السودان!!!!" في المساهمة في حل مشاكل الدولة، إلا أنني وبحكم حسي الإعلامي ومتابعتي الدقيقة لأنشطة الجهاز، قلت لهم إنها فقاعة جديدة من فقاعات السيد كرار التهامي، وللأسف صدق حدسي، وخابت آمالهم. الكثير من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حملت لنا أنباء عن اتهامات بفساد مالي بجهاز المغتربين، خاصة فيما يتصل بتمويل مؤتمر نقل المعرفة الذي تم العام الماضي، وما زال الجهاز عاجزا عن الرد على الأسئلة التي طرحها المراجع العام، ويفترض، على أقل تقدير وتبريرا للذمة المالية، أن يفتح بلاغ بحق المتهمين بالتجاوزات المالية الخاصة بالمؤتمر أو غيره، ولكن كيف إذا كان الذئب راعيها!!!!! والأسبوع الماضي حملت لنا وسائل الإعلام عن اجتماعات المكتب التنفيذي للمجلس الأعلى لنقل المعرفة!!! يعني مازال الصرف البذخي على قضايا وهمية لا تقدم بل تؤخر معالجة قضايانا، والزج بنا عنوة واللعب بعقولنا في العالم الافتراضي، غير الواقعي، الذي لا يخدم لا مصالح المغتربين ولا مصالح الدولة السودانية.. بل يوسع من الهالة الإعلامية التي تمنح كرار التهامي سعادة غامرة لا يعلم مداها إلا من يشاهد الرجل حينها وهو محاط بوسائل الإعلام، ويتحدث بنرجسية غير طبيعية قد ترقى، في نظري، لحالة مرضية تشابه تلك التي يتهم بها الرئيس الأمريكي ترمب!!! الخلاصة: ليس هناك إنجازات تذكر للأمين العام لجهاز المغتربين، لا في فترته الأولى ولا بعد أن أصبح السلف خلف، توازي الصرف البذخي واللامسؤل على أنشطة ظاهرها فيه المصلحة العامة وباطنها من قبلها المصلحة الخاصة والفشل والعدم. جهاز المغتربين سادتي لم ولن يستطيع أن يحقق أي شيء في عهد كرار التهامي لأن الرجل يجب البهرجة ويحب أن يكون في مركز الحدث. لأن الرجل تستهواه الأضواء ولحظة النشوة التي يعيشها وهو يدلي بإفادته أو هو مستضاف في أحدى البرامج التلفازية. لا شك إن كرار التهامي خطيب مفوهة، ولكن نحسب أن المؤسسة المعنية بقضايا كمغتربين هي مؤسسة تنفيذية وليست منبرا سياسيا. نحن نحتاج إلى من يهتم بقضايا بشكل أكبر ويعمل على حلها بشكر أكثر مهنية وعملية، بدلا من هذا الضجيج الإعلامي الذي لا يعقبه شيء. سادتي، إن كرار التهامي، يعرف ما يريده القادة، الناس الفوق، وهو شاطر جدا في اختيار عناوين جذابة وأسماء لامعه لأنشطته ومن يشارك فيها، وهو يعرف كيف يسخر الإعلام لمصلحته هو ليس بالضرورة للمصلحة العامة، وهو يبذل جهدا كبيرا في أن تصل رسالته التي يريد إلى الجهات المعنية داخل وخارج السودان، وهو ينجح في ذلك لخلفيته الإعلامية، كما يقول، ولكن سرعان ما ينتهي الفرح بانتهاء الجلسة الافتتاحية، وتذهب التوصيات بذهاب المسؤولين إلى مكاتبهم. لم نجد حتي الآن برنامجا واحدا قام به هذا الرجل صب في مصلحتنا كمغتربين، بذلنا الكثير في دعم الدولة السودانية خاصة حين تكالب علينا الأعداء كالقصعة. ذلك رغم العناوين البراقة والأسماء الجذابة. أنه كرار وأمثاله يتصرفون في مؤسسات الدولة كأنها حكرا خاصة بهم ولهم وحدهم!!! هذا الوضع يذكرني ما سقته في مقدمة مقالي هذا.. فكرار التهامي وأمثاله من بعض القيادات يقودون الدولة إلى فضاء "حرب النجوم" ويصرفون عليها أموال كبيرة من الميزانية المخصصة لمعالجة قضايا المغتربين، صرف من لا يخشى الفقر، ويدفعون لبعض وسائل الإعلام مبالغ كبيرة لتغطية أنشطتهم، ليبهرون بها بعض قيادات الدولة، ليكونوا مركز الحدث الإعلامي، ليظهروا وكأنهم يعملون بجد على تنفيذ رؤى الدولة وخططها فيما يتصل بقضايا المغتربين، حتي يحافظوا بذلك على مواقعهم التنفيذية والدستورية، زورا وبهتانا. فلا هم أنجزوا ولا هم أعطوا، وإنهم مسؤولون أمام الواحد العزيز يوم الوعيد، يرونه بعيدا ونراه قريبا. إن شاء الله. حين ابتكرت الولاياتالمتحدة برنامج "حرب النجوم" كانت تستدرج عدوها الأول، آنذاك، الاتحاد السوفيتي، ولكن أن يستخدم البعض مفهوم "حرب النجوم" لخدعة قيادة الدولة وتجمعات المهاجرين فإنه والله خيانة للأمانة تستوجب العقاب العاجل غير الآجل. ولكن "لكل أجل كتاب" . ولنا عودة بإذن الله!!!! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.