الدعم السريع يغتال حمد النيل شقيق ابوعاقلة كيكل    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    وصول البرهان إلى شندي ووالي شمال كردفان يقدم تنويرا حول الانتصارات بالابيض    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    عقار يوجه بتوفير خدمات التأمين الصحي في الولايات المتأثرة بالحرب    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    الإمارات العربية تتبرأ من دعم مليشيا الدعم السريع    محمد الفكي يتهم إسلاميين بالتخطيط لإشعال الشرق    حسين خوجلي يكتب: مدينة الأُبيض ومن هناك تبدأ الشرعية ومجتمع الكفاية والعدل    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    لافروف: العالم يشهد أزمة في مجال الحد من التسلح وعدم الانتشار النووي    أمانة جدة تضبط موقعاً لإعادة تدوير البيض الفاسد بحي الفيصلية – صور    نصيب (البنات).!    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    بمشاركة أمريكا والسعودية وتركيا .. الإمارات تعلن انطلاق التمرين الجوي المشترك متعدد الجنسيات "علم الصحراء 9" لعام 2024    محمد وداعة يكتب: حميدتى .. فى مواجهة ( ماغنتيسكى )    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد بالفيديو.. الناشطة السودانية الشهيرة مدام كوكي تسخر من "القحاتة" وحمدوك: (كنت معاهم وخليتهم.. كانوا سايقننا زي القطيع وبسببهم خربنا وش مع البشير لمن قال أدوني فرصة)    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية السودانية و جدليه الوحدة والتعدد .. بقلم: د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
نشر في سودانيل يوم 19 - 03 - 2018

تمهيد: للشخصية السودانية(شان اى شخصيه ) علاقات انتماء متعددة، وهناك ثلاثة مذاهب في تحديد طبيعة العلاقة بين هذه العلاقات المتعددة:
أولا:مذهب الوحدة المطلقة: يرى أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة هذه هي علاقة تناقض، وبالتالي فان استناده إلى علاقة انتماء معينة يترتب عليه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى، هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ترتبط بوحدة مطلقه في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونها وجوب انفراد جماعات قبلية أو شعوبية معينه ( باعتبارها تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء المعينة ) بالسلطة و الثروة ... دون باقي الجماعات القبلية أو الشعوبية السودانية، ومثال لهذا المذهب:
مذهب العصبية القبلية العربية: وهو المذهب الذي يتحدث عن العرب الحاليين " اى العرب في طور أمه أو الطور القومي" كما لو كانوا سلالة عرقية لعرب الجاهلية، ووجه الخطأ في هذا المذهب انه يفسر العروبة طبقا لمعيار عرقي وليس معيار لغوي حضاري ، فهو يتجاهل حقيقة ارتقاء الإسلام بالعرب من الطور القبلي الذي معيار الانتماء إليه عرقي إلى طور الامه " الطور القومي" ، الذي معيار الانتماء إليه لغوى- حضاري ، فهو يخلط بين احدي دلالات لفظ عربي بمعنى البدوي- ما يقابل الأعراب في القرآن- وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، وبين العروبة كطور تكوين اجتماعي متقدم عن أطوار التكوين الاجتماعي القبلية والشعوبية ،يتضمنهم فيكملهم ويغنيهم ولكن لا يلغيهم"
اى طور الامه" . ، كما أن هذا المذهب يستند إلى مفهوم النقاء العرقي وهذا
مفهوم بفرض امكانيه وجوده في الطور القبلي، فانه لا وجود له في طور
الامه لأن كل الأمم تكونت نتيجة اختلاط العديد من الشعوب والقبائل ، هذا المذهب يقصر العروبة على المجموعات القبلية السودانية ذات الأصول العربية ،فهو ينكر حقيقة تمازج و اختلاط اغلب الجماعات القبلية السودانية ذات الأصول العربية(السامية) بالجماعات القبلية والشعوبية السودانية ذات الأصول السامية –الحامية، أو ذات الأصول الحامية الخالصة إن هذا المذهب يستند إلى ذات الأساس الخاطئ الذي يستند إليه المذهب المناقض له اى فهم العروبة على أساس العرقي لا لغوي حضاري، بالتالي إنكار عروبة السودانيين استنادا إلى أنهم ليسوا سلالة عرقيه لعرب الجاهلية، مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي :وهو مذهب يرتب على تقريره علاقة الانتماء الاسلاميه بما هى علاقة انتماء دينيه إلغاء غيرها من علاقات الانتماء "وطنيه، قوميه.." ، وهذا المذهب قائم على افتراضين خاطئين :الأول هو أن الإسلام ينكر وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي المتعددة،وهو افتراض يتعارض مع حقيقة إقرار الإسلام كدين لوحدات وأطوار التكوين الاجتماعي المتعددة وهى :الأسرة كما في قوله تعالى ﴿وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة﴾، وقوله تعالى ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾.والعشيرة كما في قوله تعالى ﴿وانذر عشيرتك الأقربين﴾ .والقبيلة والشعب كما فى قوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا . والامه التي مناط الانتماء إليها هو اللسان وليس النسب لقول الرسول (صلى لله عليه وسلم)(ليست العربية بأحد من أب ولا أم إنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي)، كما تتميز باستقرار الجماعات في الأرض، فتكون ديارها، قال تعالى ﴿أنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومني تولهم فأولئك هم الظالمون﴾ (الممتحنة:9) . الافتراض الثاني أن الإسلام ينكر علاقات الانتماء إلى وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي وهو ما يتعارض مع إقرار الإسلام كدين لعلاقات الانتماء إلى وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي ( ومنها علاقة الانتماء القومية ...) ومن أدله ذلك : قال تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )(الزخرف :
44)، وفى السنة النبوية ورد في الحديث سأل واثلة قال: (يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه) قال (لا ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم) (رواه أبن ماجه والإمام أحمد)..
مذهب الشعوبية النوبية: وهناك المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء النوبية للشخصية السودانية(والتي هي في الأصل علاقة انتماء شعوبي تاريخي) يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى. فهي تقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء الوطني التي تحدها فتكملها وتغنيها ولكن لا تلغيها.فهذا المذهب يلزم منه أن الأثر الحضاري الشعوبي النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية( الحلفاويون، السكوت، المحس، الدناقلة...) لينفى بذلك انه ساهم في تشكيل الشخصية السودانبه ككل ، كما يرى أن العنصر النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية،في حين انه في واقع الأمر يمتد فيشمل اغلب القبائل ذات الأصول عربيه في الشمال والوسط ، فكلاهما محصله اختلاط القبائل ذات الأصول العربية( السامية) مع القبائل ذات الأصول النوبية(
السامية- الحامية) مع احتفاظ قبائل المركز النوبي باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها المختلفة كوسيلة تخاطب داخليه واللغة العربية كوسيلة تخاطب مشتركه، بينما أصبحت اللغة العربية بالنسبة لقبائل الأطراف النوبية وسيله تخاطب داخليه ومشتركه. كما أنها تقتضى إلغاء علاقات الانتماء القومي والديني،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.
الشعوبية السودانية:وهناك المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء الوطني للشخصية السودانية(والتي هي في الأصل علاقة انتماء إلى وطن(إقليم أو ارض) يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى، فيرى مثلا أن تقرير علاقة الانتماء الوطني يعنى إلغاء علاقة الانتماء القومي ،فيخلط بين الوطنية يما هي علاقة انتماء إلى وطن و القومية بما هي علاقة انتماء إلى أمه.
كما تقرير علاقة الانتماء الوطني طبقا لهذا المذهب يعني إلغاء علاقة الانتماء الديني، فمضمون النزعة الشعوبية السودانية محاولة للارتداد بالمجتمع السوداني الذي دخل طور الأمم فأصبح جزء من أمه " الامه العربية المسلمة"، إلى طور الشعوب السابق عليه، و لما كان إلا سلام هو الذي ارتقى به إلى هذا الطور ، فان الشعوبية السودانية لابد أن تكون (موضوعيا)مناهضة للإسلام،بصرف النظر عن الاعتقاد (الذاتي) لأنصارها، فضلا ان محاوله العودة إلى طور سابق هي محاوله فاشلة مذهب الافريقانيه أو الزنوجة كعلاقات انتماء اجتماعي حضاري: وهناك المذهب الذي يرى أن تقرير علاقة الانتماء الزنجية(التي هي في الأصل علاقة انتماء عرقيه) أو الافريقيه (التي هي في الأصل علاقة انتماء جغرافي قاري) للشخصية السودانية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى. فهو يقتضى مثلا إلغاء علاقة انتمائها القومي ذات المضمون اللساني -الحضاري لا العرقي،والتي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية، أو إلغاء علاقة انتمائها الديني ذات المضمون الديني- الحضاري والتي تعنى أن معنى الإسلام لا يقتصر على الإسلام كدين، وبل يمتد ليشمل الإسلام كحضارة،فالإسلام ليس دين السودانيين المسلمين فقط، بل هو مصدر لكثير من القيم الحضارية للشخصية السودانية(المسلمة وغير المسلمة). فهذا المذهب يتجاوز الدعوة (المشروعة)إلى محاربه العصبية القبلية العربية التي تقصى الجماعات ذات الأصول غير العربية،أو المذهب التقليدي (والذي يناقض الإسلام كدين)والذي يقصى غير المسلمين ،إلى الدعوة(الفاشلة) إلى إلغاء علاقات الانتماء العربية الاسلاميه للشخصية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية أو انتمائها الديني ، وهى دعوه فاشلة لأنها محاوله لاقتلاع الشخصية السودانية من جذورها الحضارية، وهنا وجه الالتقاء بين هذا المذهب والتغريب،وتأخذ هذه المحاولة أشكال عده منها: الهجوم على الثقافة العربية الاسلاميه كالقول بوجود مركزية عربية إسلاميه على غرار المركزية الاوربيه وتبنى مقولات نقاد المركزية الاوربيه(الاغتراب،المركز والهامش، الاستعمار...) وتطبيقها على الهوية السودانية في علاقتها بعلاقات انتمائها العربية الاسلاميه ، الدعوة إلى استبدال اللغة العربية بلغه أخرى(كالانجليزية. لغة المستعمر)، كما أن هذا المذهب بدلا من دعوته إلى رفض التفرقة العنصرية يساهم في تأكيدها باتخاذه للعنصر مميزا اجتماعيا وحضاريا بين البشر، وبدلا من دعوته للمساواة (السياسية
والاقتصادية...) بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية المتعددة، يساهم في نفيها بدعوته لإقصاء بعض هذه الجماعات(الجماعات القبلية ذات الأصول العربية تحديدا) ثانيا:مذهب التعدد المطلق : ويتخذ تعدد علاقات الانتماء المتعددة للشخصية السودانية كدليل على تعدد الشخصيات الحضارية ونفى وجود شخصيه حضارية سودانية واحده. هذا التعدد المطلق في مجال الهوية يرتبط بتعدد مطلق في المجال السياسي الاقتصادي القانوني... مضمونه التطرف في التأكيد على حرية الجماعات القبلية والشعوبية المكونة للمجتمع السوداني لدرجه إلغاء وحده مجتمع السوداني مما يؤدى إلى الفوضى (الدعوات الانفصالية،تفكك الدولة...).
ثالثا:مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد: و هو المذهب القائم على اعتبار أن الشخصية السودانية ذات علاقات انتماء متعددة،وان العلاقة بينها علاقة تكامل لا تناقض..كما الأمر في علاقات انتماء الشخصية الفردية إن العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجال الهوية ترتبط بالعلاقة الجدلية بين الوحدة و التعدد في المجال السياسي الاقتصادي القانوني...متمثله في التأكيد على وحده المجتمع( (بتقرير المساواة بين الجماعات القبلية والشعوبية المكونة له) وفى ذات الوقت التأكيد على تعددية وحرية هذه الجماعات القبلية والشعوبية(بتقرير مشاركتها في السلطة
والثروة)
وبناءا على هذا المذهب سنتناول علاقات الانتماء المتعددة للشخصية السودانية ا/ علاقة الانتماء الاسلاميه: ان تقرير علاقة الانتماء الاسلاميه ذات المضمون الديني الحضاري الاسلامى للشخصية السودانية يقتضى الالتزام بعده ضوابط هي:
اولا:أن معنى الإسلام هنا لا يقتصر على الإسلام كدين، وبل يمتد ليشمل الإسلام كحضارة،فإذا كان الإسلام كدين مقصور على المسلمين ،فانه كحضارة يشمل المسلمين وغير المسلمين؛ فالإسلام ليس دين أغلب السودانيين فقط، بل هو مصدر لكثير من القيم الحضارية للشخصية السودانية(المسلمة وغير
المسلمة) .
ثانيا: كان اعتناق السودانيين للإسلام بصوره اجماليه دون إكراه، ويدل على هذا:
ا/اتفاقيه البقط: وهى هدنة أمان وعدم اعتداء بين العرب والنوبة ،عقدها ملك النوبة في تلك البلاد،مع عبد الله بن سعد بن أبى السرح، قائد الجيش المسلم الذي حاول غزو بلاد النوبة ولم ينجح عسكريا عام651م.وهو إقرار لتوازن القوى بينهم،ومعاهدة سياسية قبل بموجبها المسلمون أن يعيشوا ،إما مسافرين أو متاجرين،وقد استمر ذلك الوضع لما يقرب من 8 قرون.( الدكتور محمد سعيد القدال، الاسلام والسياسة في السودان) وقد اعترفت المعاهدة بسيادة الدولة النوبية،وسمحت بالانتقال والتجارة وتبادل المنافع بين بلاد النوبة والبلاد التي يحكمها المسلمون، كما لم تصادر حرية السكان المحليين في تعلم معارف وثقافات جديدة،دينية أو لغوية أو حضارية،ولم تمنعهم من التزاوج مع الشعوب الوافدة-العربية أو غيرها-إذا رغبوا في ذلك.كما لم تجبرهم على الأخذ بالثقافة الوافدة،ولم تمنعهم من نشر ثقافتهم ولغتهم المحلية وتعليمها للوافدين الجدد إذا رغبوا في ذلك.وذلك يعنى كامل الحرية للسكان المحليين في التبادل الثقافي والتجاري والمصاهرة ،وبهذا انفتح النوبيون بحرية على الثقافات والحضارات والشعوب الأخرى ،وحدث التمازج الثقافي والعرقي بينهم والعرب ،واعتنقوا للدين الإسلامي عن قناعة وبمحص إرادتهم، وقد حدث هذا التمازج والانصهار السلمي ببطء خلال 8 قرون. أما نص الاتفاقية على أن على النوبة تقديم عددا من الرقيق سنويا للحاكم المسلم في مصر فان مثل هذا الشرط كان سائدا في التعامل بين الدول في تلك الأزمان ولم يشرع له الإسلام إنما شرع للتحرر منه بصور تدريجية ،،رغم استمرار بعض المسلمين في ممارسته ،وقد استمرت الإمبراطوريات الأوروبية في التعامل به حتى صارت تجارة الرقيق رائجة حتى أوقفت وحرمت هذه التجارة بقانون دولي في وقت قريب. (انظر المقارنة بين اتفاقيه البقط وقانون المناطق المقفولة،مكتبه نفيسة الجعلى).بل أن نص الاتفاقية يدل على أن الممالك النوبية مارسته مع أسرها "من واسط رقيقكم ب/ قيام السكان المحليين المستعربين(النوبة، الفونج ...)والممالك الاسلاميه المحلية (الفور الفونج تقلي المسبعات الكنوز) بدور اساسى في نشر الدعوة الاسلاميه في السودان.
ج/:مساهمه الطرق الصوفية التي تتميز بالدعوة السلمية في نشر الإسلام في السودان
خامسا: أن الإسلام لم يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه، بل حدده كما يحد الكل الجزء. فكان بمثابة إضافة أغنت تركيبه الداخلي، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور.
ب/علاقة الانتماء العربية: و هي علاقة انتماء قوميه إلى أمه"الامه العربيه"،وهى ذات مضمون لساني حضاري وليس عرقي، ومضمونها أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين الجماعات القبلية والشعوبية السودانية بصرف النظر عن أصولها العرقية،أو لغاتها الشعوبية أو لهجاتها القبلية
الخاصة ولا يمكن نفى ذلك بالاحتجاج باللهجات المتبقية من الأطوار
القبلية والشعوبية؛ لأن استعمال اللهجات ، أو حتى اللغات القديمة - لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم ،هنا نلاحظ الجدال حول اللغة النوبية هل هي لهجة أم لغة والذي نراه أنها لغة شعوبية قديمة تتفرع إلى العديد من اللهجات القبلية ولكنها ليست لغة قوميه.
ج/علاقة الانتماء الوطنية :كما أن علاقة الانتماء الوطني السوداني هي علاقة إلى انتماء إلى وطن (إقليم أو ارض)،هذه الأرض هي تجسيد مادي لمفهوم دخل من خلال التفاعل معه إلى صميم تكوين الشخصية فأصبح جزء منها. وقد كان اسم السودان في الأصل اسم أطلقه بعض الجغرافيين والمؤرخين العرب لوصف إقليم جغرافي هو إقليم أفريقيا جنوب الصحراء من السنغال غربا إلى الصومال شرقا ثم أصبح مقصورا على الإقليم الجغرافي الذي تحده الدولة السودانية الحالية في مراحل تاليه. إن الإقرار بوجود دوافع ذاتية وراء غزو محمد على
للسودان1821 ممثله في طموحه الشخصي لتأسيس إمبراطوريه،لا يعنى عدم وجود روابط موضوعيه(جغرافيه،تاريخية،اجتماعيه،حضارية...) تشد أجزاء الوطن الواحد قبل ذلك.كما أن الإقرار بالحقيقة التاريخية التي مضمونها أن الاستعمار البريطاني هو الذي شكل حدود السودان المعروفة الآن لا يعنى انه قد شكلها طبقا لاهوئه الذاتية فقط ،بل طبقا لاكتشافه هذه الروابط الموضوعية أيضا.فالاستعمار البريطاني لم يضم إلى السودان الإقليم أرضا من خارجه،اى لا تربطها به روابط موضوعيه ،بل على العكس حاول عزل الجنوب عن الشمال(قانون المناطق المقفولة)،وضمه إلى مستعمراته في وسط وشرق أفريقيا ( يوغندا،كينيا...) وفشل في تحقيق هذه المهمة.
وعلاقة الانتماء الوطني لا تلغى علاقات الانتماء القبلي والشعوبي بل تحدها كما يحد الكل الجزء فتكملها وتغنيها. كما أن علاقات الانتماء الديني والقومي لا تلغي علاقة الانتماء الوطني بل تحدها كما يحد الجزء الكل فتكملها وتغنيها.
د/ علاقة الانتماء النوبية : وهى علاقة انتماء حضاريه " تاريخيه شعوبيه " ،والقبائل المساه بالنوبية أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية، لكنها لا تنفرد بتمثيلها . والنوبيون كانوا عبارة عن شعب تجاوز الطور القبلي، واستقر على ضفاف النيل ، غير أن الطور الشعوبي كان قد استنفذ الإمكانيات التي يمكن أن يقدمها للتطور الاجتماعي، وآية هذا أن الدولة النوبية أخذت في الضعف والانقسام، فضلاً عن أن السيطرة الخارجية (الفرعونية مثلا) في فترات مختلفة كانت قد عرقلت هذا التطور كإضافة أغنت هذا الوجود الحضاري الشعوبي ، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور.وبهذا تحول الوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من كل هو الوجود الحضاري العربى الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه. وفى ذات الوقت ساهم هذا الوجود الحضاري الشعوبي في تشكيل الشخصية السودانية. يدل على هذا عن دور النوبة في نشر الإسلام والثقافة الاسلاميه
ه/علاقات الانتماء القبلية :و للشخصية السودانية انتماءات قبليه متعددة، ويكاد يكون لكل قبيلة تقاليد خاصة ، وليس في هذا ما يناقض الحضارة المشتركة، ففي كل الأمم نجد أن لكل قرية و إقليم و منطقه جغرافيه تقاليد خاصة ،دون أن يحتج به على التكوين الحضاري المشترك.
و/علاقة الانتماء الافريقيه: وفيما يتعلق بعلاقة الانتماء الافريقيه للشخصية السودانية فهي علاقة انتماء جغرافي قارى ؛ فالسودان من الناحية الجغرافية قطر يقع في قارة أفريقية ، وليس لها مدلول حضاري أو اجتماعي؛ إذ أن قارة أفريقيا تضم العديد من الأمم والشعوب والقبائل التي لا يرقى ما هو مشترك بينها(تفاعل مجتمعاتها مع طبيعة جغرافيه مشتركه نسبيا) إلى مستوى أن تكون أمه واحده. ويترتب على ما سبق انه لا توجد جماعات قبليه معينه تنفرد بتمثيل علاقة الانتماء الافريقيه للشخصية السودانية،فهي علاقة انتماء تشمل كل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية لان السودان ككل جزء من قارة أفريقيا.كما أن علاقة الانتماء الافريقيه ليست علاقة انتماء عرقي لان أفريقيا كقارة تضم العديد من الأعراق الحاميين(الزنوج) الحاميين الساميين(كالسودانيين والصوماليون والإثيوبيون)الساميين(العرب شمال القارة)والآريون (الأوربيون جنوب القارة).
ى/ علاقات الانتماء العرقية: للشخصية السودانية علاقات انتماء عرقيه متعددة، لان السودان يضم جماعات قبليه وشعوبيه ذات أصول عرقيه متعددة، لكن يغلب عبيها أنها محصله اختلاط جماعات قبليه ذات أصول عرقيه عربيه "
سامية" وافده ،بجماعات قبليه وشعوبيه محليه غير عربيه ذات أصول عرقيه
سامية- حاميه أو حاميه " . ويترتب على هذا ان تقرير زنوجه أو حاميه الشخصية السودانية يجب إن يلازمه تقرير الاتى:
ا/ أن زنوجه وحاميه الشخصية السودانية هي زنوجه مختلطة او نسبيه وليست زنوجه خالصة او مطلقه.
ب/ أن علاقة الانتماء العرقية الزنجية للشخصية السودانية تشمل كل الجماعات القبلية السودانية سواء الاختلاط(مع تفاوت درجه هذا الاختلاط من جماعه إلى أخرى)، أو التأثر بالبيئة الجغرافية للمنطقة الاستوائية، ولا تنفرد بتمثيلها جماعات قبليه معينه .
ج/ أن ألزنوجه هي استجابة فسيولوجية لمعطيات مناخ المنطقة الاستوائية ، تنتقل بالوراثة عبر حقب زمنيه طويلة ، وليس لها دلاله حضاريه أو اجتماعيه سلبيه (كما يدعى أنصار مذاهب التمييز العنصري) او ايجابيه(كما يدعى أنصار مذهب ألزنوجه كرد فعل على مذاهب التمييز العنصري)، فهي لا تشكل وحده اجتماعيه حضاريه، اى ان الزنوج ليسوا أمة واحدة بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء العالم. فضلا عن ان لفظ حاميين مصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى ثلاثة أقسام بين ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي وليس تقسيماً عرقياً فقط، فقد ثبت ان هناك الكثير من الجماعات القبلية والشعوبية والقومية التي تندرج تحت إطار احد فروع هذا التقسيم من ناحية لغويه بينما لا علاقة عرقيه فضلا عن علاقة اجتماعيه او حضاريه بينها كانتماء الأكراد والسيخ في الهند والإيرانيين والألمان إلى ذات الجنس الارى.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.