[ أحبك يا اغلا انسان فانتبه لنفسك كثيرا ً ، لديك إنسان يخشى عليك من عثرات الحياة. أحترمك منذ أن عرفتك وسأبقي أحترمك حتي أضع كفي بكفك في الجنة بإذن الله ، أنت انسان غالي ، أتمنى ألا يحرمني الله من وجودك بالدنيا ، هذا هو أسبوع أفضل أخ و أخت .. ارسل هذه الرسالة لكل أخ أو أخت عزيزة عليك حتى إن كنت أنا واحد منهم و ترقب كم رسالة سترجع لك و إذا كانت أكثر من 6 فأنت حقا إنسان محبوب ] .. إعتادت مجتمعات الواتساب و الفيس بوك السودانية على تداول هذه الرسائل ، التي أصبحت تظهر و تنتشر بين الفينة و الأخرى .. و في هذه الأيام و بالتزامن مع تبادل و نشر الأخبار المفزعة عن وباء الكوليرا المنتشر ببعض ولايات البلاد ، تتبادل شرائح من السودانيين - على إستحياء - الرسالة أعلاه بإعتبارها طريقة مقبولة للتعبير و البوح بالمحبة - فالسودانيين بشكل عام شديدو الحساسية تجاه كلمة حب و مشتقاتها يتعاملون مع المفردة بخجل ، و يندر في المجتمع السوداني التصريح أو البوح بالحب ، حتى بين أفراد العائلة .. فرابع المستحيلات هو أن تجد سودانيا ينادي أمه أو أخته أو إبنته ، بعبارة ( يا حبيبتي ) و نطقه بمثل هذه العبارة كفيل بأن يضع حالته العقلية أمامهن في محل شك و إتهام ! .. فما هو سر هذه الحساسية تجاه كلمة حب و مشتقاتها ؟؟ و لماذا يمتنع الناس في المجتمع السوداني حتى على مستوى أفراد الأسرة عن البوح و التصريح بالحب في ما بينهم - إلا عبر التحايل بمثل الرسالة عاليه !! -- في محاولة لكشف سر هذه الحساسية و سبب هذا الإمتناع ، قمت بنشر الرسالة المشار إليها مع سؤال مفتاحي إستبياني ، في ثلاثة قروبات واتساب ، القروب الأول قروب نسائي خاص بالصحفيات ، و القروب الثاني قروب مختلط يتكون من نساء و رجال ( أعضاءه من الصحفيين و السياسيين ، يتناول مختلف المواضيع إلى جانب تخصصه الأخباري السياسي ) ، و القروب الثالث قروب مشترك يجمع سودانيين و مصريين رجالا و نساء .. نتائج التعليقات رغم أنها كثفت من السؤال موضوع الإستبيان و أبرزته أكثر ، لكن التعليقات كانت ناطقة و بعضها لا يخلو من طرافة : و في ما يلي أهم المؤشرات التي حوتها التعليقات : -- نتائج الإستبيان أكدت أن السودانيين شديدو الحساسية تجاه كلمة حب و مشتقاتها . و لكنهم متصالحين إلى حد ما في حيز ضيق متحفظ مع كلمة ( ريدة ) و مشتقاتها . -- بعض التعليقات السودانية إعتبرت أن التصريح بالحب حق لأفراد الاسرة و للأخوة و الأخوات فقط ( الأخوة بمعناها الاسري الضيق ) و أن الرسالة عاليه تستهدف الأخوان و الأخوات و لكنها تذهب إلى العناوين الخطأ. -- بدا من بعض التعليقات أن مفهوم كثير من السودانيين للحب مقصور في معنى واحد ( هو ذلك الحب الذي تكون نهاياته إما زواج أو شاكوش ) - و أغفلت هذه التعليقات تماما الحب بمعناه الإنساني كقيمة دينية و إنسانية - .. [ و ربما يشير هذا إلى حد ما إلى سر حساسية معظم السودانيين تجاه الكلمة ] . -- في القروب النسائي إنهمرت التعليقات بسهولة و يسر و بلا تردد . -- البعض في القروب النسائي أرجع الحساسية إلى نظام التربية في المجتمع السوداني مع الإشارة إلى أن المجتمع السوداني يربي أفراده على الخجل و العيب و عدم البوح . -- في قروب السودانيين المختلط (القروب الثاني) ، قابل الجميع الإستبيان بالصمت المطبق . لم يعلق أحد و لم تفلح محاولاتي المتكررة ، في إستنطاق أحد ! -- اندفعت التعليقات بسهولة و يسر في القروب الثالث الذي يجمع سودانيين و مصريين نساءا و رجال ، و كانت التعليقات في مجملها مفيدة و عميقة . -- تعليقات أعضاء القروب المصريين على الإستبيان ، و منشوراتهم في القروب بشكل عام تؤكد أن المصريين متصالحون إلى حد بعيد مع كلمة حب و مشتقاتها . -- إجابات أعضاء ذات القروب من السودانيين أكدت حساسية السودانيين تجاه كلمة حب و أرجعت ذلك إلى أن السودانيين يفضلون العمل على الكلام ، و يفضلون التعبير عن الحب عمليا و ليس بالكلام . -- التعليقات السودانية تشير إلى أن كلمة ( ريدة ) و مشتقاتها أكثر مقبولية لدى السودانيين ، و أحد التعليقات أضاف : ( حتى هذه الكلمة السودانيون لا يحتاجونها ، فهم يعبرون بإستمرار عمليا عن حبهم لبعضهم و لا يحتاجون التعبير بالكلام ! -- بعض التعليقات السودانية النسائية في القروب الأول ( قروب الصحفيات ) أشارت إلى نقطة مهمة ، حيث جاء في أحد التعليقات : ( تحبهم الشكلوتة على قول حبوبتي .. خلاص كملوا أي حاجة قبلوا على رسائل الحب ؟؟ في الفيس أي طلب صداقة سواءا من شاب أو من عمك عجوز يشبكك بعدها ( حبكانة ) .. الفيس كله غزل الواتس كله غزل و كضب .. عمري و حياتي حبي بيبي و كله إلى زوال ). -- في القروب الثالث تتكرر عادة كلمات مثل ( يا حبيبي ) و ( يا حبيبتي ) كثيرا من جانب الأعضاء المصريين ، إزيك يا حبيبي .. واحشاني يا حبيبتي .. بينما تتكرر عبارة ( ياخي ) في الجانب الآخر من الأعضاء السودانيين .. ( إزيك يا حبيبي .. واحشاني يا حبيبتي ) لتأتي الردود من جانب الأعضاء السودانيين : ( إزيك ياخي .. مشتاقين ياخ ). -- بينما إعتبر أحد التعليقات في القروب الثالث أن حب المصريين الذين يعبرون عنه بالكلام هو مجرد كلام ، و أن حب السودانيين الصامت هو حب عملي و حقيقي .. إعتبر تعليق سوداني آخر أن عدم التصريح بالحب مشكلة سودانية تخلق نوعا من الجفاء في المجتمع و بين الأخوة .. و أضاف التعليق : ( السوداني لا يصرح بحبه لأخيه إلا بعد أن يموت هذا الأخ او يمرض مرضا خطيرا ، و الحب العملي لابد أن يدعم بالقول حتى تكتمل الصورة ) . ** بالتأكيد - إن وجود و شيوع كلمة ( حب و مشتقاتها ) في مجتمع ما ، لا يعني بالضرورة وجود وشيوع الحب في ذلك المجتمع ، كما أن خلو قاموس مجتمع من المفردة ليس دليلا على إنعدام قيمة الحب أو خلو المجتمع منها .. و لكن السؤال الذي يبرز الآن مقرونا بسؤال عن أسباب ظهور و تداول رسائل معلبة مثل تلك التي جاءت في فاتحة هذا المقال ، هو : ما هي أسباب إختفاء مفردة حب و مشتقاتها من قاموس المجتمع السوداني .. هل المجتمع السوداني يجرم الكلمة و يحرمها حتى في إطار الاسرة ، لذلك يلجأ أفراده للتحايل بمثل هذه الرسالة التي تبدو مقبولة للمجتمع ، للتصريح و البوح بالحب ؟؟ أم هي محاولة للتطبيع مع الحب ؟؟ أم ... على أية حال : ليس بالضرورة أن يصرح السودانيون بحبهم لبعضهم ، و غياب كلمات أحبك ، حبيبتي ، حبيبي عن القاموس السوداني لا يعني غياب الحب كقيمة بين أفراد المجتمع .. و لكنه يشير إلى ( وجود أزمة ما ) فلابد من التصالح مع مفردة حب و إعادة الكلمة إلى مكانها الطبيعي في مفاهيم المجتمع ، و تنظيفها من ما علق بها من تشوهات ثم وضعها في مكانها الصحيح الطبيعي في قاموس المجتمع السوداني ، فالحب قيمة إنسانية ثم هو قيمة دينية في المقام الأول . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ///////////////////