أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: هل حقاً هذا مستوى دونالد ترمب؟؟    شاهد بالفيديو.. كيف فاز الهلال على مولودية الجزائر؟    وفد سوداني برئاسة مستشار مجلس السيادة إلى بلجيكا    ((هزمنا المولوديه والدور على سانت لوبوبو))    شاهد بالفيديو.. سيدة سودانية تشكو: (جارتي تقيم علاقة غير شرعية مع شقيق زوجها وبسببهما دخلت في مشكلة كبيرة مع زوجي بعد أن سمحت لهما بفعل الفاحشة داخل غرفة منزلنا)    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    (التخلي السريع قادم)    (أرحل ياجعفر فقد بلغ السيل الذبى؟؟؟؟)    خلافات المليشيا حقيقية ولكن    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أخيرا العالم يعترف بأن حرب السودان هي حرب تشنها مليشيا مجرمة ضد الشعب السوداني    كانت ساعة النصر بدخول الغربال    بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تدافع عن الإمارات وتهاجم الممثل مؤيد جمال: (انت ما عندك محتوى والإمارات لا تعتقل من يدافع عن الجيش والدليل على ذلك أنا كنت قاعدة فيها سنتين ولم يتم اعتقالي)    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    شاهد بالفيديو.. محترف الهلال يثير غضب جمهور المولودية والجهاز الفني ويتسبب في ثورة عقب نهاية المباراة بتصرف غير أخلاقي    بالصورة والفيديو.. شاهد ردة فعل الفنانة فهيمة عبد الله عندما اكتشفت أن أحد الجلسين بجوارها يراقب هاتفها بطريقة غريبة وساخرون: (نفس حركات ناس المواصلات)    وزير الداخلية ومدير عام قوات الشرطة يفتتحان مصنع الكفاية للملبوسات الشرطية    فرصة للسلام: ارتباك شركاء الجريمة    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    هذا المبلغ مخصص لتكملة مشروع مياه القضارف وتتلكأ حكومة الولاية في استلامه لأسباب غير موضوعية    أن يكون رئيس أقوى دولة في العالم جاهلًا بما يحدث في السودان فهذه منقصة في حقه    أشهر ناشط في مجال العمل الطوعي بالسودان يعلن إعتزاله العمل الإنساني بعد أن أرهقته "الشائعات"    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    فى الطّريق إلى "الضّعين"، ف "أم دافوق": كيف يفكّرُ الجيش فى القضاء على "التمرّد"؟    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كاف" يخطر الهلال السوداني بقراره النهائي حول شكوى مفاجئة    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    شاهد.. الفنانة ندى القلعة تمدح السعودية: (يا خادم الحرمين سلام وولي عهدك السعى للسلام) والقايداية بالحرية والتغيير حنان حسن تسخر: (أجي يا أخواني.. يا مثبت العقل والدين)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    البحر يبتلع عشرات السودانيين الهاربين من جحيم بلادهم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    استئناف حركة المرور في معبر الرقيبات بين دارفور وجنوب السودان    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    قرار لسكان الخرطوم بشأن فاتورة المياه    حقق حلمه وكان دائماً ما يردد: "لسه يا قلبى العنيد لا شقيت لابقيت سعيد".. شاهد ماذا قالت مفوضية اللاجئين عن ظهور الشاب السوداني "مهدي" وهو يغني مع الفنان الشهير تامر حسني داخل أحد المصانع بالقاهرة    السودان يعلن وصول شحنة من هولندا    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الذكاء الاصطناعى وإرضاء الزبون!    قناة الجزيرة ... من يختار الضيوف ولماذا … ؟    بالصورة.. صحيفة "الغارديان" البريطانية تهاجم القيادي بمليشيا الدعم السريع "الربيع عبد المنعم" وتؤكد حذف حساباته على منصات التواصل الاجتماعي    شبح شفاف.. مفترق بين الترقب والتأمل    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السّفيْر الأديب هَاشِم عبدُالرازِق: رحيْلُ القَمَر .. بقلم: جمَال مُحمد إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 04 - 08 - 2018

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
(1)
في روايتي الأولى "نقطة التلاشي" (2008)، والتي تدور وقائعها في ردهات الجامعة العربية في تونس ، بعد انتقالها إليها من القاهرة عام 1979، قال الراوي في آخر صفحات تلك الرواية :
(..إن أجسادنا تحيا في عصر التقنيات والتنوير، وعقولنا ترتع في ظلمات وجاهلية وغيبوبة. لكن لست أنا المسئول عن تغيير هذا الكون، كما لا يجديني الانسحاب المهين، أو الانكفاء إلى العزلة والجنون. لا . لن أقاتل وأنا في أمانة الجامعة العربية، مكبّلاً بالقيود ، بلا إرادة، بلا همّة. لن أقاتل، وأنا وسيفي في غمدٍ واحد، وقد تكشّف لي زمن الخواء العربي، فإما الهلاك، وإما أن انتبذ منه مكاناً وزماناً قصيا بعيداً عن الخيانات، بعيداً عن الظلمات، بعيداً عن الجاهلية الحالكة السواد. .).
(2)
جئتُ أنا إلى تونس، في ذات تلك الأجواء التي حكى عنها الراوي في روايتي. كانت تلك سنوات السبعينات الأخيرة من القرن العشرين وقد حفرتْ إتفاقيات "كامب دافيد" ما حفرتْ، من أخاديد بين أولئك المنضوين تحت راية الجامعة العربية المهترئة. قررتْ وزارتي نقلي من "كمبالا" إلى "تونس"، دعماً لمندوبية السودان الدائمة الجديدة بعد انتقال الجامعة العربية إلى تونس العاصمة. هناك التقيت صديقي وزميلي الدبلوماسي، الغائب عنّي لسنوات : هاشم عبدالرازق.
من جلساتنا معاً في داره الرحبة في "المنزه الخامس" ، رأيت تونس بعينيه. عرفتُ منه خبايا السياسة، وأنبأني عن اختلاف القيادات والصراعات الخجولة، حول من يخلف رئيس الدولة "بورقيبة"، وقتذاك. عرفتُ منه منتديات الثقافة والأدب والفنون، وفعاليات مهرجانات الصيف في تونس. "مهرجان قرطاج". السينما. المسرح . حفلات فناني وفنانات العرب في مسارح تونس. بعيني هاشم، تخيّرت قراءاتي التونسية بينها كتابين فريدين في الأدب العربي، الأول عنوانه "حدّث أبو هريرة قال.." ، والثاني هو رواية "السّد"، وكلا الكتابين من تأليف الأديب التونسي الكبير "محمود المسعدي". ولقد حسب العميد طه حسين، أن كاتب "السّد" قد تأثر بالكاتب الوجوديّ "ألبير كامي"، فكان ردّ "المسعدي" بعد ذلك، أن بينه وبين "البير كامي" "حجاب المعاصرة"، فقد عاشا معاً في زمان واحد، إذ كتب المسعدي روايته "السد" عام 1938، قبل أن يعرف الناس "وجودية" كامي. .
في تونس عرفتُ هاشم عبدالرازق الأديب ، فوق معرفتي به دبلوماسياً حاذقاً متمكنا.
(3)
قليلون من يعرفون مكابدات هاشم في منعطفات مهنته الدبلوماسية. إن روح الصوفيّ متجذرة في طبعه ، بل هي خلق قد استمسك به ، ومن إرثٍ راسخٍ تحدّر إليه من عترة "أبي قرون" ، ومن نيران قرآنها وذاكري مجد العقيدة، ومن حب الخالق ومحبة رسوله الكريم. قليلون من يعرفون عنفوان كبريائه النبيل، حين صارعه رئيس البعثة الدبلوماسية في تونس، وهو عضو فيها، فأنصفته رئاسة وزارة الخارجية. امتعض سفيره في تونس، حين قررتْ رئاسة الوزارة نقل هاشم من "تونس" إلى "كمبالا" ، بعيداً عن السفارة التي أحبها وحقق فيها منجزات، لا ينكرها حتى سفيره الذي صارعه. حُرمتُ من صحبته تلكم الأيام، ولكن عزائي أنه رحل ليشغل الكرسي الذي شغلته لسنواتٍ، قبله في "كمبالا". .
(4)
من محاسن الأقدار في "تونس"، أني كنت في أيام وصولي الأولى إليها، مشغولاً بإعداد مخطوطة روايتي عن "كمبالا". لكأنه - ومن محبته لما ظللت أروي له عن أيامي في "كمبالا" - وهو الأديب الأرب- يشجعني لمواصلة السرد في روايتي "دفاتر كمبالا"، أحسّ أن القدر سيختاره ليشاركني دفء"كمبالا" ومحبتها الاستوائية، وليستظلل هناك بحفاوة غمامها وغاباتها وأناسها الطيبين.
في "كمبالا"، ارتاحت نفسه من رهق أيامه ومكابداته ، ولكنه حفظ خيط التواصل بيني وبينه، فظلّ يسألني بين كلّ سانحة في تلك السنوات، عن مآل مخطوطة رواية "دفاتر كمبالا". حين صدرت روايتي من بيروت في عام 2009 ، وأعددت لتدشينها ومناقشة أحداثها لقراء الخرطوم ، أشرف الأديب السفير الشاعر محمد المكي ابراهيم على التدشين . أما هاشم فتولى في جلسة ثانية بعد ذلك، مناقشة رواية هو صاحب الفضل الأول في إخراجها للناس، إذ هو من شهد كتابتي لفصولها الأولى في العاصمة التونسية، أوائل الثمانينات من القرن العشرين، كما أوضحت. .
(5)
غير أن مسلسل المكابدات، لا يفتأ يلازم هاشم، كما ظلّ ملازماً لي في تجربتي في وزارة الدبلوماسية. عقد التسعينات لم يكن عقداً سعيداً لى ولا له، فكنا توائم في المكابدات. تلك سنوات اضطربت فيها أكثر أحوال الدبلوماسية استقراراً، وكلل- أو لك أن تقرأها كال- الرماد أكثر ألوانها إشراقا. لحقَ العنتُ بكثيرٍ من الدبلوماسيين الذين ولجوا إلى المهنة بمعايير "المهنية الراسخة"، وبقوا على ولائهم للوطن لا للتحزّب، إنحيازاً للمباديء الناصعة، لا ميلاً للأجندات الخفية .
هاشم وشخصي، كنا من بين هؤلاء في كبد المعاناة. لم يُكتب لأوقاتنا هناءاً في الوزارة، بل عنتاً كاد أن يكون تهميشاً، تحملناه بشقّ الأنفس . كنا من بين قلة نفدت من مقاصل التمكين، وإن لم نكن بمنجاة من معايير التصنيف الظالمة. أطلق علينا البعض ممّن هم في الضفة الأخرى، صفة "أقباط الدبلوماسية" في وزارة الخارجية. هاشم صديقي - وإن كان نسبه راسخاً في "أم ضواً بان" – لكن لا يتخطاه اللقب العجيب، مع عظيم تقديرنا لأهلنا الأقباط. .
(6)
لا أعرف أحداً احتفى بما أكتب من قصصٍ أو من مقالٍ، أكثر من صديقي الأديب السفير هاشم عبد الرازق صالح. ومن معزّته لشخصي الضعيف، ومن تقديره لكتاباتي، فقد أسرّ لي، قبل أكثر من عام، أنه يعدّ مفاجأة لي ، وأفصح لي شيئاً عنها. حدّثني عن مقاربة سيعمل عليها، بيني وبين أحد مؤسّسي الدبلوماسية السودانية ، سمييّ المُعلّم الراحل جمال محمد أحمد. سعدتُ أيّما سعادة بما كان يعدّ لي، وذكرته بمقالٍ كتبه ونشره في صحيفة "اللواء" اللبنانية، صديقنا الصحفي اللبناني الأستاذ الكبير فؤاد مطر، مرحّباً بمقدمي سفيراً إلى بيروت ، عنوانه "من جمال إلى جمال". ربط الأستاذ مطر مَقدمي إلى بيروت، في منتصف عقد الألفية الثالثة، بمَقدم جمال محمد أحمد أول سفير للسودان في لبنان في النصف الثاني من أعوام الخمسينات، بعد استقلال البلاد.
إرتأى صديقي هاشم أن ينطلق من تلك الرابطة ، ثم يدلف إلى مشروعي في الكتابة الروائية ، وهو الحصيف الذي لازم بداياتي ورافق سردياتي جميعها. . ترك بعض أوراق ، ورحل بغتة وقد كان شجرة وارفة الظلال، فهل قدر الأشجار أن تموت واقفة . . ؟
(6)
حدثتني الإبنة "قبس هاشم"، كريمة الراحل العزيز ، أنها كان تتابع ما بيني وبين والده، صديقي السفير هاشم من تفاكر ، وأنها كانت الأقرب غليه، تساعد في طباعة وترتيب أوراقه وكتاباته. ولأني أعرف روح الصوفيّ التي تسكن صديقي الراحل ، فقد كنتُ أعذر إهماله لوسائل التواصل والتراسل المحدثة. إلى ذلك فقد إختار "منتدى كتاب الشهر" الذي ينعقد في "قاعة الشارقة"، كتابه عن هجرة "المك نمر" وبعض الجعليين إلى بلاد الحبشة، بعد مقتل إسماعيل باشا، وهو كتاب ألفه الراحل، فريد في محتواه. غير أن منظّمي الندوة، فشلوا في الوصول إلى صديقنا هاشم، ليحضر ندوة كتابه. لكن الندوة قامت في موعدها وبحضورٍ كثيف، برغم غياب المؤلف. شاركت في تلك الفعالية، وقدمت ورقتي حول الكتاب، وأشرتُ إلى قيمته التاريخية المهمة ، والتناول الأكاديمي الرصين الذي عالج به الراحل ذلك الموضوع، واقترحتُ إعادة طباعة الكتاب بما يليق بموضوعه الهام. .
(7)
تلفتنا نبحث عنه لنعزّي في رحيل إبنه أحمد، لنفاجأ برحيل من قصدنا أن نعزّي. رحم الله حبيبنا هاشم، فأنا لم أبكه هنا، بل بكيتُ نفسي معه. . إن الذي فقد فلذة من كبده قبل نحو شهر، في حادث مفاجيء ومفجع، قد رضي بقضاء الله وأسلم القدر إليه، غير أن القلب انكسر لعظم ذلك الرحيل ، وأن من الحزن ما قد ينزع عن الحياة حسن مذاقها، وعن السماء قمرها الفضيّ المضيء، ومن النخل ثمره فيموت واقفا. .
غفر الله له وغفر لنا ، وغفر لكم قراء مقالي . . فقد ودعنا سفيرٌ عزيزٌ وأديبٌ صوفيّ همام ، قبل ايام. .
لندن- 2 أغسطس 2018


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.