ما بَيْنَ ضَالِ المُنْحَنى وظِلاَلِه ضَلّ المُتَيَّمُ واهتدى بضلالِهِ وبذلِكَ الشِّعبِ اليَماني مُنْيةٌ للصبّ قد بَعُدَتْ على آمالِهِ يا صاحبي هذا العقيقُ فقِفْ به مُتَوالِهاً إن كُنْتَ لستَ بوالِه وانظُرْهُ عنّي إنّ طرْفي عاقني إرسالُ دمعي فيه عن إرْساله واسْأَلْ غزالَ كِنَاسِهِ هل عندهُ عِلْمٌ بقَلبي في هواهُ وحاله لاذقت يوماً راحة من عاذل إن كنت ملت لقيله ولقاله " سلطان العاشقين إبن الفارض" عمق الأشواق عند سلطان العاشقين لأرض الحجاز وبواديها والمدينةالمنورة كان لا يحد فهي بحر خضم . عندما نردد قصائده تجيش معها أشواقنا أيضاً للأماكن التى أحببناها والحنين إلى الصحاب ودروب حياة تدثرت بثياب الجمال وتعطرت برياحين أجمل الذكريات ما هي في ظني إلا قراءة تاريخ يوثق لكل ذات عاشت أيامها علي هذه البسيطة . كذلك إسترجاع شريط ذكريات كل منا ما هو إلا ذكر يسير وسرد عن عبق مكان أو سحر زمن جميل أو صحبة تستحق أن يكتب عنها، خاصة عندما يهيج بنا الشوق إلي أيام الدراسة في زمن جميل ، (لأن الدولة لم تقصر معنا آنذاك في توفير المناخ المناسب للتعليم من فصول مريحة ومعلمين على مستوي عالي من المعرفة والوقار وأدوات ومعينات للدراسة والرياضة وحتي الرقي بالذوق والسلوك العام وتربية وطنية كانت تجد مساحة كافية ليس داخل فصول المدارس فحسب بل حتي فى أي شارع من شوارع أحياء المدينة وقراها) لذلك نركن تارة وأخرى إلى تبادل القصص وذكريات دروب سلكناها فى غابر الزمن مع من أسعدتنا بصحبتهم تلك الأيام الجميلة صديقي السيد المستشار الإقتصادي عبدالعظيم الريح مدثر ربنا يحفظه ويتولاه زاملنى وآخرين نابهين أثناء المرحلة الثانوية العليا بمدرسة بربر . هو من أسرة محترمة لنا معها علاقات طيبة ومودة ومشارب صوفية تجمعنا في حلقات الذكر مع الآباء والأجداد ومتعة نجدها في أدب الإنشاد والمدائح النبوية.معظم أهله وأقاربه يعملون بالتجارة مما جعله يتخصص متخرجاً في كلية الإقتصاد من جامعة الخرطوم التى حظي بعدها بتقلد مناصب مرموقة ببنك المصرف العربي للتنمية ( الراتب الشهري كان بالدولار) ثم مستشاراً للسفارة الإماراتية لبضع أعوام فصار هكذا من أصحاب الأملاك بكده وعرق جبينه ومثابرته واستقامته وحسن الخلق والآن له مكتب بالخرطوم ولا يزال يعمل مستشاراً لعدة شركات عالمية. أعتذر للأخ عبدالعظيم وأنا أضمن إحدى رسائل الأنس التى جرت بيننا لعل للقراء مثلها من القصص و الذكريات وتجارب قد عاشوها فى مرحلة دراسية كانت لها إيقاع. القصة عن ذو الكفل أستاذ مادة التاريخ. هو رجل مربوع القامة لكنه يميل إلى القصر ، غامق اللون، كثيف الشعر وحواجب العينين ، عيناه كبيرتان، وله من شحم البطن ما يجعلها تكور القميص أعلى البنطلون إلى درجة لا تخفى للعين. يحب الألوان الرمادية والبيجية والوردية. يحكي بتونٍ هاديء تتخلله ضحكة عفوية تبرز أسنانا غليظة. لا يحسن الخط العربي ولا غيره إذا اضطر للكتابة على السبورة . إليك عزيزي القاريء رسالة الأخ الأستاذ عبدالعظيم الريح مدثر: قصتى الغريبة مع استاذ التاريخ لا تتنسى بل تمتد الى تاريخ اليوم كأنها إحدي مغامرات قصص ألف ليلة وليلة. بدايتها شبت عندما كنت طالباً العلم بمدرسة بربر الثانوية. يعنى قصة صارت يوبيلية ذهبية بحساب الزمن. أذكر أنه كان يتحدث بأنه استاذ تاريخ ممتاذ متمكناً افضل درجة من ناظر مدرستنا أبو إيهاب الأستاذ الضليع فى تخصص تاريخ أروبا. أيضاً كان يقول إن أساتذة التاريخ عظماء ( بعني هو عطيم)، وسيكون لهم دور فى عالم السياسة والفكر بصفة خاصة . اذكر وقتها أن استاذ اللغة العربية قد تلفظ دون قصد، ربما بعفوية مع زميلنا محمد حسن "الديزل" واعتقد على ما أذكر أن الكلمة التى فلتت كانت "يا هايف" فقررنا الاضراب والإحتجاج حتى يتم نقل ذلك المعلم من المدرسة. كنت وقتها رئيس الاتحاد و اذكر من أعضاءاللجنه الاخ كرم الله. إستدعيت اللجنه و اجتمعنا فى احدى المنازل ورات اللجنة الاستفادة من مساعدة الاستاذ دوالكفل الذى كان يكاشف بسخريته تجاه ناظر المدرسة. ذهبنا الى داره انا ومعى الاخ كرم الله نسال عن رايه فى كيفية حل المشكلة وان كانت هنالك لجنة اساتذة تكون وسيطة فى الحل. كنا واثقين من تعاونه معنا ولكن للأسف الرجل قابلنا بشكل استفذاى مبالغ فيه وقال "سويتوها وجيتوا خايفين اتحملوا المسئولية". طبعا ونحن نمثل المجموعه الطلابية رددت عليه انا بنفس الاسلوب وقلت له على ما اذكر "خليكم قاعدين فى بيوتكم لغاية ما نشوف كيف يحاسب زميلكم على ألفاظه الغير لائقة". عدنا نقلب أيدينا كفا بكف ولم يكن لنا تجربة فى الاضرابات فقررنا بعدها الذهاب الى مدرسة عطبرة الثانوية للتفاكر مع إتحادهم ولم نجد منهم ما "يشد الحيل" .ظللنا هكذا محتاسين ، لكن ارادة الله ولطفه بنا شاءت أن ان يحضر الاستاذ محمد الامين رحمه الله فى اجازته السنوية الى بربر وكان من كبار المسئولين بوزارة التربية. شغلنا أنفسنا كثيرا بهذا الحدث الهام فذهبنا اليه فى المنزل وكان منزله على ما اذكر جوار مباني المدرسه الأميرية القديمة. وجدناه على علم بالاضراب وقابلنا بطريقه جميلة احسسنا فيها حماية رجل مسئول لنا من تدابير ادارية كبيرة يمكن ان تتخذ ضدنا خاصة ونحن لجنة الاتحاد وهو الشئ الذى نوه عنه الاستاذ ذوالكفل بالاسلوب الذى اختاره فقط لحماية نفسه من مردود قد ينتج عن تعاون طلبة شقوا عصا الطاعة على ادارة المدرسة. كانت فتوى الاستاذ الغبشاوى بعد ان احسن الاستماع الينا "يا اولادى انتم غلطانين والامور لا تحل بهذا الشكل وانا فى نفس الوقت لا اعفى أستاذ اللغة العربية من مسئولية ما تلفظ به ونحن فى بربر نحترم الغريب ان كان استاذ او خلافه وعليهم هم كذلك احترام ابنائنا . عموما الحل انتم اولا تنزلوا المدرسة وانا سوف أتحدث مع ادرة المدرسه فى كيفية رجوعكم هذا اولا ثم بعدها ننظر آسفين فى نقل الاستاذ ذلك الأستاذ الذى اصبح امرا حتميا بعد ان فقد الثقة و الاحترام المتبادل مع طلبته .أما الغبشاوى فقد عدد فى نفس الوقت مزايا أستاذنا واصفه بكثير علمه وخبرته وأن نقله سيعد خسارة للمدرسة، لكنها اصبحت ضرورة. كان ذلك توازن فى حل المشكلة وفعلا رجعنا واخذنا عقوبة جلد رمزية . وبعد فترة لاحقة تم نقل أستاذ اللغة العربية ولم نندم على ذلك. مرت الأيام وفى يوم ما أثناء حصة التاريخ تلفظ معى الاستاذ دوالكفل بشكل غير معتاد ووصفنى باننى طالب مهمل وبتاع مشاكل . لم ارد عليه فى الفصل ولكن ذهبت بعد نهاية الحصة الى الناظر وقلت له اننى اتفهم الاسلوب التربوى ولكن الاستاذ قد اهاننى أمام زملائي. إنزعج الناظر وخاف من اضراب جديد وأنا رئيس الاتحاد المشتكي وان لم يكن لى أدنى قصد أو مثل هذا الشعور . نادى الناظرالفراش "يافضل الله" "نادى الاستاذ فلان" ولما حضر قال له "مالك يا استاذ مع الريح"؟ "لقبنى بإسم والدى" . قال اه دو الكفل"الموضوع بسيط اسويه فى مكتبى مع الاخ عبد العظيم". شوف، اصبحت الاخ وقتها !.طبعاً كنا وقتها بنحلق دقونا . ذهبنا سوياً الى مكتبه وكان يوجد استاذ الجفرافيا الرجل الهادى المهذب استاذ محمد عبد الرحمن. انفجر دوالكفل غاضبا وقال "لوما السيد الناظر بيثق فينى لما ترك لى ان اقوم بالاجراء التاديبى معك انت امشى فى الطريق وسوف تندم". أنا فضلت الصمت الى ان انتهى من كلامه وشعرت اننى لا بد ان ارد عليه فقلت "يا استاذ اندم على شنو ،انا طالب فى العشرة الأوائل ويمكن تعاودني قصصك دى فى البيت وبرضو أأكد لك لن تؤثر على مستوى دراستي وسأكون بإذن الله ضمن العشرة الاوائل وانا ممتحن علمى لكن ان شاء الله فى سنة رابعة اول مادة سأتركها هى مادتك "التاريخ" ،اعتقد ما ستكون عندي أي مشكلة" وخرجت من مكتبه لكن ظل تعامله بعدها هادئا معى فى الفصل أثناء حصة التاريخ دخلنا الجامعة وبعد سنتين ونحن فى السنه الاولى يتقابل ذلك الأستاذ مع زميلنا حسن عثمان ويذكران ايام المدرسه ويسأله عنى "وين الطالب الاحمر بتاع المشاكل، انا بنسى اسماء امثال هؤلاء يا محمد" والمخاطب "حسن وليس محمد" وحسن اخذ الموضوع بطرافة قاله "يا استاذ انا اسمى حسن ما محمد انا ما كان عندى معاك مشكلة". وبعدها الاخ حسن طيران يجيء الى البركس لكى يحكي لي هذه القصة الطريفة ثم تخرجت من الجامعة وشاء الله ان اشتغل واتزوج وانجب واسكن بالايجار فى أحد أحياء الخرطوم بحري. كان يوجد بجوارى منزل فارغ للايجار فيأتي رجل (ضابط فى الشرطة) و يؤجر المنزل وله زوجة طيبة تتواصل مع الجيران فتعرفت على زوجتى وصارت تزورنا كثيرا فقلت انا كمان ازورهم واتعرف على زوجها. وقد فعلت و نحن أثناء التعارف ذكرت له اننى من بربر قال "بالله ؟ ياسلام انا عندى اخوى اسمه ذوالكفل كان استاذ فى بربر ". قلت له "استاذ تاريخ ؟" قال "نعم". وطبعا كمان لاحظت الشبه بينهما فقلت فى نفسى "خلاص تانى ماعندى دخله فى البيت ده مخافة ان اقابل ذاك الاستاذ ويحصل حرج مع الجار وانا مجرب لسانه ثلاثة مرات فى الاضراب وفى الفصل وفى مكتبه والرابعة فى المحطة الوسطى فى الخرطوم مع حسن عثمان، ابعد يا ولد من الشر وغني له كما يقولون" فى العام 1986 كنت فى بعثة دراسية بلندن وكنت وقتها اتواصل مع السفير السودانى فى لندن "بشرى الشيخ" وهو دفعتنا فى كلية الاقتصاد من اهل الحلفاية وكنت اقضى معه اجازة نهاية الاسبوع ، في يوم وانا معه بالمنزل قال "ياخى فى ضباط فى الجيش السودان مضروبين فى الجنوب جابوهم للعلاج فى لندن وان احدهم اصيب بطلق نارى أفقده احد عينيه، فطلب منى السفير ان اذهب معه الى المستشفى للزيارة والمجاملة". ذهبنا سويا كانت المصادفه الغريبة ان الضابط العميد الذى فقد عينه هو أيضاً اخ الاستاذ ذوالكفل !. طبعا فى الغربة والتعارف جاء عرضاً ذكر اسم بربر وظهر دوالكفل تاني مرة وكما يقول المصريون "يادى الحوسة!" فقلت "ياربى متى سيقفل ملف هذا الإنسان من حياتى دى كل الوقت الطويل يعنى قرابة ثلاثة عقود وزيادة يتابعني و فى مواقع مختلفة حتي بعد التخرج من المدرسة، هناك عند المحطة الوسطى، ثم حلة خوجلى وكمان حتي في لندن؟؟ فى العام 1990 بفضل الله انهيت بناء منزلى بشمبات وبحمد الله يتم بناء مسجد بجوار منزلى فى الميدان القريب منا. المنطقة فيها مربع مخصص لضباط الجيش ، فتاتى المصادفة تالت مرة ان يقع بي الحظ فى قفص أقرباء ذوالكفل. فقد كان ( الشقيق الثاني) الذى قابلته متعالجا بلندن هو احد سكان هذا المربع وتكون لنا زمالة إرتياد نفس المسجد بدون أن يعلم!. إنه رجل ودود لكنني لم اساله يوما عن أستاذنا . نلتقى فى الجامع و فيه أيضاً كمان شبه اكثر بإلأستاذ من اخيه بتاع حلة خوجلى فظللت اذكر دوالكفل عند كل صلاة ولكن برغمي صرت أدعو له فى سري. توفى هذا الرجل الى رحمة مولاه فى العام الماضى فذهبت الى الفراش ولم ألاحظ وجود دوالكفل ولكن وجدت الاخ الاخر الذى تعرفت عليه بحلة خوجلى يعنى امتدت القصة حتى العام 2014 يعنى خمسين سنه فى دواخلى احساس بان هذا الملف سيتجدد فى موقع ما وفى "تاريخ" ما اذا امد الله فى الايام وربما ارى ذوالكفل اذا كان هو لا يزال على قيد الحياة او ربما احد من ابنائه!. قصه فى منتهى الغرابة وكلما ارى منزل المرحوم الجار العميد بالجيش اترحم عليه واذكر دوالكفل وابتسم وانا منتظر ما هو قادم وما سيسجله "التاريخ" الذي كرهته وأنا تلميذ "مشاغباً ومهملاً فى نظر أستاذ التاريخ" بالمدرسة الثانوية! تعليقي على الموضوع: (1) الأسماء الحقيقية بدلت بالتي قد وردت أعلاه (2) كثيرون منا قد كرهوا يوماً ما معلماً غريب الأطوار وسوء المعاملة فتأثروا به سلباً على نفسياتهم ومسار حياتهم مستقبلاً، والعكس أيضاً لصحيح فقد تأثرنا بأساتذتنا الأجلاء منهم فى مظهرهم وسلوكهم المحترم وذكائهم وجمال خط اناملهم علي السبورة واستفدنا من دعمهم ونصائحهم الغالية الأبوية الحانية الصادقة. إنهم والله لجيل عظيم لا ينسي ، رحمهم الله أحياءاً كانوا أم أمواتا. على المعلم أن يراعي تلاميذه برفق ورحمة وأن يعدهم إعدادا صحيحاً للمراحل المتقدمة مشجعاً لا محبطاً لأنهم هم عماد بناء مستقبل البلاد التى تنتظرهم عبدالمنعم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.