أذا استبعدنا اللغة الاستعلائية والعجرفة والغرور والتعالي وتضخيم الذات ، السمّة التي يمتاز بها الجلابة ( أبناء تجار الرقيق)، دون غيرهم ،عند قراءة محضر مداولات أجتماع البشير مع قادة أجهزته الامنية والعسكرية ، المنعقد بنادي الكاثوليكي بالخرطوم (دار المؤتمر الوطني)، بتاريخ الثامن عشر من نوفمبر 2018م، وغضنا الطرف عن تمنيات المجتمعين المريضة ، بإستغلال أموال الشعب السودانية المنهوبة ، المسماة في اجتماعهم هذا ب( أموال الحركة الاسلامية في الخارج)، لشراء السياسيين ، نجد أن قادة نظام الأقلية المستبّدة ، وبالرغم من أن شجعهم شراء بعض ( الرقيق السياسي) ، الذين باعوا قضية الشعوب ، مقابل حفنة من هذه الاموال المنهوبة ، علي إعتماد عملية البيع والشراء كواحدة من وسائل تفكيك حركات التحرر الثوري . ولكن الحديث المتكرر عن شراء الناس ، هو سلوك تعويضي ، ظل يمارسه النظام ، منذ وصوله السلطة ، وهذا السلوك التعويضي له مرجعيته الدينية والثقافية ، حيث أن النخب السودانية الحاكمة ، تعتقد بأن الساسة من أبناء الهامش السوداني من المؤلفة قلوبهم ، كما أن عملية الأتجار بالبشر ، عقلية ورثوها من جدودهم تجار الرقيق ، لذلك فأن ممارسة هذا السلوك التعويضي ( شراء الناس) ، ناتج عن حالة نفسية يعاني منها قادة النظام بشكل خاص ، ونخب الشمال النيلي التي حكمت السودان بشكل عام. واذا نظرنا الي الوثائق المسربة ( اجتماع اللجنة الامنية والعسكرية ، المنعقد بكلية الدفاع الوطني بتاريخ الواحد وثلاثين من أغسطس 2014م و الاجتماع الامني الأستراتيجي للحركة الاسلامية، المنعقد بمنزل رأس النظام بالقيادة العامة بتاريخ العاشر من سبتمبر 2014م ، بجانب الاجتماع المشار اليه أنفاً) ،نجد أن النظام لا يملك وسيلة لمناقشة القضايا الوطنية المطروحة ، سوي الحلول الأمنية والأجندة الحربية ، ويستمد مشروعية هذا العنف الممنهج من مشروعه السياسي، القائم علي مرجعية الفكر الجهادي التكفيري. وبعيداً عن لغة الإستخفاف بالأخر والتمادي في الإساءة ،سنناقش أربعة قضايا جوهرية وردت في الاعلان السياسي ( المنفستو) للحركة الشعبية لتحرير السودان ، هي التي إصابت نظام البشير ، في تقديري ، بهذا الزعر والهلع ، هذه القضايا وردت بشكل وأخر في مداولات أجتماع اللجنة الامنية وهي قضايا ( الهوية ، الدولة العلمانية ، الجيش الشعبي وحق تقرير المصير لكل الشعوب) ، وسنتناولها بالتفصيل ونبيّن موقف النظام منها. أولاً : قضية الهوية : (1) نجد أن نخب الشمال النيلي، التي ورثت السلطة السياسية والاقتصادية في السودان ، قد طبقت برامج الإقصاء والتهميش بشكل ممنهج ، ليس فقط كيف يُحكم السودان ؟ ولكن أيضاً بمّن .وهي بذلك انشأت وطورت احزاب سياسية تصنف أما طائفية أو عقائدية متطرفة، فأثبتت بأنها لا تعترف بالتعدد العرقي والديني والثقافي . (2) وعند خروج المستعمر الانجليزي، تبنّت هذه الاحزاب التي ورثت السلطة هوية الكيان الأثني الثقافي الإسلاموعربي وألبستها للدولة، وظلت تفرضها علي الكل. أي تم إختزال هوية الدولة في هوية هذا الكيان وفي نفس الوقت تعميم هوية هذا الكيان على الدولة عبر (جدلية الإختزال والتعميم). وتعتبر هذه الجدلية هي مرتكز إشكال الهوية في السودان حيث أنه بعد أن تم إختزال هوية الدولة في الكيان المُسيطر وتم تعميمها علي الكيانات الأخري المًسيطر عليها وذلك عبر الإختزال (الأثنوثقافي) وهو الذي أدي الي خلق نظام الإمتيازات المعهود في الدولة السودانية. وأصبحت مجموعة ( الجلابة) وحلفائها يرثون تلك الامتيازات ويستخدمونها للوصول الي المذيد من السلطة والثروة. (3) أن مجموعات المركزية الأسلاموعروبية ، تعتبر نفسها الممثل الشرعي للثقافة العربية في السودان، وجعلت منها الثقافة الرسمية للدولة ، وبناءاً عليه فقد قام الاسلاموعروبين بفرض الثقافة العربية الاسلامية ، كمحدد أحادي للهوية في السودان وإتباع سياسة إبادة ثقافات المجموعات السودانية الأخري. (4) بينما يشكل نظام المؤتمر الوطني ، أكبر مهدد لوحدة السودان ، بسبب تبرير هذا الوضع المعيب القائم ، باستخدام عنصر الدين ، وبحسب الدستور الاسلامي المقترح ، الذي سيدفع به النظام ، مباشرة بعد انتخابات 2020م ، فأن نصوص الدستور حددت هوية الدولة نصاً علي النحو التالي ( السودان دولة اسلامية موحدة ذات سيادة علي جميع الاقاليم تحت حدودها وتجري عليها احكام دار الاسلام)، وتكمن خطورة هذا الدستور التي يتجاهلها الكثيرين في مفهوم (دار الاسلام) الذي يقابله ( دار الحرب). وأن فقهاء الدين الاسلامي قسموا المجتمعات الي مجتمعين دار الاسلام ودار الحرب ، وأن لكل هاتين الدارين احكامها المتعلقة بها ، وعند المصادقة علي هذا الدستور الاسلامي الإقصائي فأن من بين عضوية المؤتمر الوطني نفسه أمثال القس فلوثاوس فرج ويونثان حماد، بجانب دانيال كودي وتابيتا بطرس سيدفعون الجزية وهم صاغرون . (5) منهج الشريعة الاسلامية الذي يدافع عنه ، المجتمعين في اجتماع اللجنة الامنية والعسكرية ، والذي يعتبرعندهم من الثوابت ، هو مشروع الأسلام السياسي الذي يعرفه القاصي والداني في السودان ،كيف فعل بالبلاد سياسياً وأقتصادياً وأجتماعياً ولكن الجديد فيه ، هو عودته الي منصة التأسيس بتطبيق نموذج (دولة المدينة) للهروب من استحقاقات الدولة الديمقراطية ، لذا فأن العودة الي دولة (المدينة)، المرتقبة ، ستشهد إنزال خصائص السلفية الخمسةالي أرض الواقع وهي ( التقليد ، رفض الأجتهاد والتجديد ، الاكتفاء بالذات أو الانكفاء عليها ، القول بولاية علماء الدين واللجؤ للقوة والعنف وسيلة لأخذ الناس الي الشريعة الاسلامية ، واحاديث ( الدغمسة) بالقضارف لست ببعيدة . (6) أن رؤية السودان الجديد التي تتبنّها الحركة الشعبية لتحرير السودان، تعتبر العروبة، هي جزء لا يتجزأ من السودان، كما أن الإسلام بشتى أنماطه هو جزء لا يتجزأ من السودان، ولكن ليس أياً منهما هو كل السودان. كما أن ربط الإسلام بالعروبة هو خطأ يتم تبريره لأغراض سياسية، فليس هناك أي سبب يدعو الإنسان للإعتقاد بأن إسلامه لا يتم إلا بأن يصبح عربيا أو يتبنى الثقافة العربية أو اللغة العربية، فالغالبية الساحقة من المسلمين في هذا العالم، في ماليزيا وإيران وتركيا ونيجيريا والبوسنة والهرسك، وأماكن أخرى كثيرة، هم ليسوا عربا ولا يتبنون الثقافة العربية أو الأنساب العربية أو اللغة العربية دون أن ينقص ذلك من تمام إسلامهم شيء. إن ما يحدث في السودان هو عملية استغلال للدين لفرض هوية عرقية على المواطنين ، لذا تري الحركة الشعبية بأن هذا الوضع القائم الان ( فرض هوية إحادية علي الكل) مهين للكرامة الانسانية وإنتهاك لحقوق الانسان. (7) ووفقاً لأعلانها السياسي ( المنفستو) تؤمن الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمساواة، بين الجماعات الأثنية ، الثقافية والدينية ،و تؤمن بالشراكة في الوطن ، وتكافح التصور العبودي الذي قسم شعوب السودان الي سادة وعبيد...نواصل .... عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. //////////////////