لقد ابتلى الله سبحانه وتعالى السودان وشعبه بحكومات متعاقبة وتتفق جميعها في أنَّها فاشلة، وتصنع الفشل عن قصد، وآخرها حكومة المؤتمر الوطني، وكلنا نعلم أنَّ الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم، حيث قال تعالى:﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَال﴾، ها هو الشعب السوداني العظيم يغير ما بنفسه تجاه هذه الحكومة بعد أن أكمل امتحانات الابتلاء بنجاح، فصبر على كلِّ التجارب الفاشلة، والعمل غير المدروس، والإهدار لمقدرات الوطن، وقد جاء دور الحكومة لتتذوق مرارة الهلع والخوف الذي عاشه الشعب، ولترى فداحة المصائب التي نتجت من صنيعها، فكان هذا الحراك بأمر من الله، فخرج هذا الشعب معبراً عن سخطه وغضبه، فماذا على الحكومة أن تفعل لمقابلة هذه المصائب التي واقعة عليها لامحالة، فهو أمر الله؟ قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) الشورى. فالحمد لله رب العالمين الذي لا تغفل عينه عن خلقه، ولا يرضى لهم الذل والجوع والحرمان بفعل من تسلم أمر سلطانهم، ويدعي أنَّه يحكم باسم الله، لقد صح أنَّ النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: "إنَّ الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع". والمعنى: إنَّ العبد المؤمن المبتلى بما ليس له يد فيه، دليل على محبة الله له، فالبلاء في حدود السعة التي يطيقها الإنسان دائماً دليل خير، وليس نذير شر، لقد كان السلف إذا لم يصابوا بشيء، وكانوا في نعمة وعافية، داخلهم الشك أنهم ليسوا على حق، والإيمان بقضاء الله وقدره من خير وشر، ركن من أركان الإيمان، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بذلك. لقد ابتلى الله سبحانه وتعالى الشعب السوداني ابتلاءً عظيماً بحكومة المؤتمر الوطني لمدة ثلاثين عاماً، وقبلها حكومات متنوعة امتدت كذلك مدة حكمها لأكثر من الثلاثين عاماً، فصبر صبراً جميلاً كما تؤكد كل الشواهد، وكان صبراً فوق السعة والطاقة، وليس للشعب يدٌ فيما وقع عليه من ابتلاء. إنَّ من صور الابتلاء الذي صبر عليه الشعب السوداني: نقص الأنفس، كموت الناس في الحروب العبثية التي وقعت بين الحكومة ومعارضيها فمات خيرة شباب الشعب السوداني في دار فور حيث تشير الإحصاءات التي أصدرتها المنظمات الدولية، إلى أن أكثر من (200) ألف من أبناء دارفور على الأقل لقوا حتفهم منذ اندلاع المعارك ما بين القوات الحكومية والمليشيات الموالية لها من جانب، والمتمردين في الإقليم من جانب آخر وكان ذلك في نهاية شهر يوليو 2003، أما عدد الذين لجأوا للدول المجاورة، خاصة تشاد، فيبلغ عددهم (693) ألفا، وأكثر من (800 ) ألف هاجروا من بيوتهم داخل الإقليم ويعيشون في ظروف عصيبة حول المدن، وفي المناطق الحدودية، وكذلك هنالك أعداد كبيرة تعرضت لنفس الشيء في النيل الأزرق، وجنوب كردفان، وغيرها من مناطق السودان المختلفة، فضلاً عن ضحايا الأمراض والجوع والمظاهرات السلمية. ومن الابتلاء نقص الأموال وخراب المصارف حيث البنوك أصبحت خزائنها خاوية بلا نقود. ومنه الفقر، ونقص القوت، والثمرات وقلة الأرزاق فالمعلم والجندي والموظف العادي، يرزق راتب لا يزيده إلا فقراً، ومن البلاء الإصابة بالأمراض الفتاكة ولا يوجد لها العلاج بسبب الفقر. ومنه الهموم أو الغموم التي تفضي إلى الأمراض النفسية. ومنه مفارقة الأهل والأحباب والبعد عنهم هرباً أو اغترابا للبحث عن لقمة العيش الكريمة. ومنه التضييق على الإنسان في حريته فيتعرض لمن يستهزئ به أو ينال منه أو يعتدي عليه بالضرب، أو ما هو أكبر من ذلك كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة التي لا تغني من جوع بل والقتل، وغير ذلك من البلايا. لقد كان الشعب السوداني بذلك أكمل الناس إيماناً وأعظمهم بلاءً، وقد صح أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً أشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقه، ابتلي على حسب دينه، والشعب السوداني العظيم يعلم أنَّه لا ينبغي لمن ابتلي أن يجزع أو يسخط، بل عليه الصبر والاحتساب، فصبر واحتسب منذ الاستقلال وحتى اليوم، فهو مثاب من حيث لا يشعر، وقد صح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة"، وكذلك صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، أنَّه قال: "إنَّ عظم الجزاء من عظم البلاء" لقد استحق الشعب السوداني الثواب على الصبر، ولمَّا طفح الكيل وصار البلاء فوق الطاقة، والوسع، غيروا ما بأنفسهم فأخرجهم الله ليدفعوا أسباب العسر، والظلم والفقر عنهم، فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها. وكانت الحكومة تقول عند كلَّ مصيبة تحل بالناس أنَّ هذا ابتلاء من الله ربِّ العالمين، والشعب يصدِّق ويصبر إلى أن اكتشف أنَّ الذي به ليس ابتلاء من الله فحسب، بل هو مصيبة حلت بهم بسبب ما كسبت الأيادي التي تدعي الطهر والنقاء، الأيادي التي تلطخت بدماء الأبرياء، وامتدت بلا حياء لتأكل بإسراف، وتكنز من المال الحرام، فثار الشعب ساخطاً غاضباً عندما عرف الحقيقة. لقد جاء دور الحكومة لكي تتذوق مرارة الألم والأرق الذي نزل بسبب ما كسبت أيدي النافذين فيها، فالواجب عليها بعد وقوع المصيبة بسبب ما كسبت أيدي رجال ونساء المؤتمر الوطني ومن شايعهم، أن تتيقن الحكومة أنَّ هذا من عند الله فتسلم الأمر إليه، فالله هو من أخرج هذا الشعب عفواً من حيث لا تحتسب الحكومة، وعليها أن تلتزم الشرع ولا تخالف أمر الله بضرب أو سحل أو قتل للصابرين الذين غيروا ما بأنفسهم وخرجوا للشارع مطالبين برفع الظلم عنهم، فانعكس البلاء وأصبح مصيبة ليصيب الحكومة ومترفيها، ولذلك عليها أن ترد المظالم لأهلها وتنظر بعين الاعتبار لمطالبهم، فهذه من الأسباب النافعة لدفع المصائب عن أعضاء الحكومة ومناصروها، وكذلك عليهم بالاستغفار والتوبة لله مما أحدثوه من الذنوب في حق الله والشعب والوطن، لقد عاش أعضاء ومناصري الحكومة في نعيم وترف باسم الدين، وجاء دورهم ليتذكروا أيام الفقر والرهق والحرمان والتعب. اعلم يا من أخذ حق الشعب بالباطل أنَّ الله (تبارك وتعالى) يسمع ويرى، وهو لا يخلق شراً محضاً، فالشر إذا وقع ففيه مصلحة ومنفعة، لذلك عليكم برد الأموال إلى خزائن الدولة، ولكن أكثر الناس منكم لا يعلمون فضل هذا الحراك. والصبر على أقدار الله المؤلمة واجب، ويأثم الإنسان إذا لم يصبر، كما لو تسخط بقول محرم، أو فعل محرم، كما بدر من بعض أعضاء الحزب الحكم، ولا يصح أن تنسب هذه المصائب لغيرك، فالرضا بالمقضي والمقدور المؤلم سنة، وهكذا الشكر على ما قضاه الله وقدره من أشياء مؤلمة، سنة أيضاً فهذا الحراك نتاج عملكم، وهو مما كسبت أياديكم. الحكومة الآن مطالبة بفعل الطاعة لله الذي تتحدَّث باسمه، وعليها فعل الأسباب التي ترفع عنها المصائب، وعليها مدافعة ما تحسبه من الشرور وعدم تعريض الوطن للدمار الكامل، وكذلك عدم تعريض نفسها للذل والأذى كما وقع لغيرها من حكام فعلوا مثل ما هم فعلوا، ولذلك يجب عليهم فعل الصحيح الذي يرضي الله، فالخالق لا يمكن خدعته ولن يترك من يتحدَّث باسمه أن يتمادى أكثر من هذا، ولذلك على الحكومة الاستماع لنصح العلماء في شتى المجالات وحل الإشكالات، وعليهم العمل بنصيحة أهل الاختصاص من أساتذة الجامعات لتلبية حاجة الناس وكسب رضاهم، واعلم أيها المسؤول أنك إذا دعيت الله أن يجنبك المصائب، ومع ذلك وقعت عليك المصائب، فرد ما اقترفت من مظالم لأهلها، واحمد الله على كل حال أنَّك ما زلت حيَّاً، واسأله العفو والعافية على الدوام، فإنَّ هذا البلاء مكتوب على الحكومة لا محيد عن وقوعه، بسبب الظلم الذي ألحقوه بالعباد وهم على علم بذلك، ولذلك يجب عليها أن تتكيف مع هذا الظرف العصيب، وتتعامل معه بما يتناسب من حكمة ورشد وعقلانية بدلاً من نسبة هذه المصائب لأيادي خارجية أو حصار دولي، ما أصاب السودان هو بما كسبت أيدي من يحكم السودان، فاذا استشعرت الحكومة هذه المعاني واللطائف واعترفت بما وقع منها من أخطاء، واستمعت لنصح الناصحين ربما يغفر الله لها ويصلح حالها ويأمر الشعب الصابر بالرجوع إلى مساكنهم للتعاون في حل المشكلة قبل فوات الأوان، والحل في يد الحكومة أن ترد الأموال لخزينة الدولة وتسعى للعدل وتضرب على يد المفسدين، وتسلم الأمر للخبراء وأصحاب الاختصاص في كلِّ مجال من علماء السودان الأجلاء أصحاب اليد النظيفة والورع والتقى وما أكثرهم، فاسمعوا لهم واجعلوهم في رأس الأمر فيسلم العباد وتسلم البلاد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.