بعد توقيع اتفاقيات تقاسم السلطة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي يجري الآن اختيار أعضاء مجلسي السيادة والوزراء. من الملاحظات ان التركيز ينصب حالياً على الأشخاص المرشحين لمجلس الوزراء دون الربط المطلوب مع البرنامج الذي سوف ينفذ. ومما لا شك فيه ان إعلان الحرية والتغيير الذي صيغ في خضم ثورة الشعب ضد نظام الحركة الإسلامية البائد هو إطار يمثل الحد الأدنى للتوافق بين مكونات التحالف يصلح كموجهات عامة لكن تبقى الخيارات الصعبة والطريق الذي ستسلكه الحكومة الانتقالية لحل مشاكل الاقتصاد السوداني بعد 30 عام من تطبيق اقتصاد السوق المفتوح (الموجه بالتمكين) المسبب الأساسي لتدهور الاقتصاد وتكوم الثروة عند فئة قليلة منتفعة من الرأسمالية الطفيلية، ازدياد نسبة الفقر وذوبان الطبقة الوسطى واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء. يبقى هذا الطريق والبرنامج الاقتصادي المفصل الإسعافي منه وطويل المدى بيد مجلس وزراء جديد يحتاج زمن طويل للتعارف والاتفاق حول مثل هكذا برامج مما سيشكل مصدر خطر وتحدي حقيقي وربما كثير من الاختلافات والتباينات والقنابل الموقوتة. لكن قبل ادلف في التفاصيل وقبل ان يبدأ من يقرأ هذا الكلام في تكوين حكم معادي ضد المقال وضدي على أساس ان زمن الاشتراكية قد ولى أو ان هذا كلام شيوعيين وكفار وووو.... انا لا اقصد مطلقاً برنامج مشابه لبرامج أي حزب شيوعي مثل ما طبق في روسيا أو دول اروبا الشرقية او الصين او كوبا ولا أقصد اشتراكية الدولة. المقصود بالبرنامج الاشتراكي عودة الدولة لتنظيم النشاط الاقتصادي بشكل مشابه للديمقراطيات الاشتراكية في أجزاء كبيرة من الدول الإسكندنافية وأوروبا الغربية ودول أمريكا اللاتينية عن طريق البرامج التي تعود بالنفع على الفقراء مثل مجانية التعليم العام، والرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي، وفرض ضرائب أعلى على الأغنياء.. ويمكن القول إن كل البلدان المتقدمة لديها بعض البرامج الاشتراكية. أما الشيوعية فتعتبر شكلاً متطرفًا من أشكال الاشتراكية. ولكي ابسط الأمر المطلوب هو ان يعود الاقتصاد السوداني لما كان عليه عقب الاستقلال حيث كان للدولة دور فاعل في تنظيم الأنشطة الاقتصادية ولديها سيطرة على وسائل النقل مثل شركات الطيران والسكك الحديدية وكانت تؤمن مجانية التعليم والصحة والى عهد قريب كانت وزارة التجارة تقوم بتنظيم التجارة وتحديد الأسعار وتنظيم الاستيراد. قد لا نختلف انه إذا سارت حكومة الفترة الانتقالية التي يفترض ان تكون حكومة الثورة وخيار الشعب في ذات السياسات الاقتصادية للنظام البائد المتمثلة في سياسة التحرير الاقتصادي غير المنضبط وتمكين الرأسمالية الطفيلية فلن ينصلح الحال والأهم هو ان انها وبسرعة ستفقد الدعم الشعبي من طرف الثوار الذين قوامهم من الطبقة الوسطى والطبقات الدنيا التي تضررت من خروج الدولة من الاقتصاد والتعليم والصحة ومن المؤكد عودة الجماهير مرة أخرى للشوارع التي تعرفها. لا أحد ضد اقتصاد السوق ولكن يجب ان يكون لهذا الاقتصاد بعد اجتماعي ويطلق عليه اقتصاد السوق الاجتماعي هو نظام اقتصادي رأسمالي يتبنى اقتصاد السوق لكنه يرفض الشكل الرأسمالي المطلق حيث يجمع القبول بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة مع ضوابط حكومية تحاول تحقيق منافسة عادلة، تقليل التضخم، خفض معدلات البطالة، وضع معايير لظروف العمل، وتوفير الخدمات الاجتماعية (المصدر ويكبيديا). لذلك فإن تدخل الدولة مهم ليكون الاقتصاد حراً متاحاً للجميع بدون احتكار وتمييز في الإعفاءات (حرية) واجتماعي عادل لا يظلم فئة او طبقة من طبقات المجتمع (عدالة) بهدف المحافظة على السلم الاجتماعي (سلام). عليه فالأفضل لحكومة الفترة الانتقالية ان تعتمد وتنفذ عدد من السياسات التي تهدف ل: 1- اعتماد التخطيط الاقتصادي لإدارة الاقتصاد القومي وتنظيم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية على أساس علمي لتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة ومستدامة. 2- إعادة إجراءات الاستيراد والتصدير ومراقبة الأسعار وفق موجهات الميزانية لوزارة التجارة، محاربة الاحتكار ومنع استيراد السلع الكمالية. 3- استقطاب التمويل ووضع برامج فورية عاجلة لعودة مؤسسات القطاع العام مثل سودانير، الخطوط البحرية، السكك الحديدية، مشروع الجزيرة والمشاريع الزراعية الأخرى، شركة الحبوب الزيتية، مؤسسة السكر، شركة الأقطان، مؤسسة تسويق الماشية...ألخ 4- إنشاء مؤسسة تعاونية مركزية تتولى استيراد وتجارة السلع الإستراتيجية التي يعتمد عليها معاش الناس مثل السكر والزيوت والصابون وتوزيعها بأسعار معقولة للمواطنين عبر الجمعيات التعاونية في مواقع العمل والسكن. 5- مراجعة قانون الضرائب بحث يتم زيادة الضرائب على ذوي الدخل المرتفع في إطار حوافز للإنتاج مثل ما حدث في مؤخراً في بعض الدول اللاتينية مثل البرازيل وتخفيضها أو إلغاءها على ذوي الدخل المحدود من عمال وموظفين وفرض الضريبة على كافة الأنشطة التجارية بغرض تشجيع الإنتاج والتقليل من الأنشطة الهامشية. 6- مراجعة قانون الاستثمار لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي بالتركيز على المشاريع التي تشغل عمالة محلية أكثر والمشاريع الصناعية. هذه رؤية قد تصيب او تخيب لأن رأيي كما أظن صحيح يقبل الخطأ لكني على قناعة ان إعادة السلم الاجتماعي تبدأ بهيكلة الاقتصاد ليكون عادلاً ولكيلا يطحن الفقراء والمساكين من العمال والمزارعين والرعاة وأصحاب المهن ولكي يشجع الإنتاج بدلاً عن ممارسة أنشطة هامشية وانا كذلك على قناعة أن ثروات هذا البلد الطيب كثيرة ووفيرة ويجب ان نتشارك جميعاً في التمتع بها دون إقصاء أو تهميش. عبد الملك خلف الله 28 أغسطس 2019 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.