نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    استقبال رسمي وشعبي لبعثة القوز بدنقلا    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالصورة.. "الإستكانة مهمة" ماذا قالت الفنانة إيمان الشريف عن خلافها مع مدير أعمالها وإنفصالها عنه    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللُّغة القومية هوية الأُمَّة ورمز سيادتها .. بقلم: هاشم الإمام محيي الدين
نشر في سودانيل يوم 11 - 10 - 2019

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
ألقى رئيس الوزراء السوداني-الدكتور عبدالله حمدوك- خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة الإنجليزية، وما الإنجليزية-كما هو معلوم-بلغته ولا لغة قومه ولا المقام يقتضي ذلك، ولكنه تشبث المغلوب بلغة الغالب كما قال ابن خلدون في مقدمته.
و لقد دافع نفر ممن لا يحسنون الحجاج عن هذا السلوك الذي ينتقص من سيادة الأمة و يستخف بهويتها، فزعموا أنَّ اللغة أداة اتصال فبأية لغة تحدثت فأفهمت فقد بلَّغت الرسالة، و أديت الغرض، و ليس لأحد أن يدَّعي القدسية للغة ما.
و هذا الرأي لا يخلو في ظاهرة من وجاهة و لكن عند التحقيق يستبين زيفه و يظهر عواره ، فاللغة ليست أداة اتصال فحسب بل هي أخطر من ذلك فهي من أهم السمات التي يتميز بها عصرنا(علينا أن نكتشف عالم اللغة على نحو ما نفعل الآن في اكتشاف عالم الفضاء، فهذان الكشفان: عالم اللغة وعالم الفضاء،أصبحا أهم سمة يتميز بها عصرنا-رولان بارت 1915-1985م).
و الذين يعرفون اللغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم إنما يتحدثون عن وظيفتها الاتصالية التي بها يتميز الإنسان عن سائر المخلوقات، أما وظائفها الاجتماعية والنفسية بل الاقتصادية التنموية فأكبر من أن يحصيها مقال في بضع صفحات.
اللّغة ، أيّة لغة ، دعامة رئيسة في تكوين الأمّة وقوّتها، وعنصر مهم من عناصرتوحيدها ، وتوطيد الصّلات بين متكلميها ، وهي على صلة وثيقة بالحياة الفكريّة ، والعاطفيّة ، والاجتماعيّة للأمة ، تصنع وحدة الشعور والوجدان ، كما تصنع وحدة الفكر .
لقد:"بيّنت الدراسات اللغوية الحديثة ، الصلة الحيوية بين اللغة وبين أفكار الناس ، وأحاسيسهم ، وأعمالهم ، فهي ليست أداة تعبير فحسب ، ولكنها على صلة وطيدة بالحياة الفكرية والعاطفية والاجتماعية لهذه الشعوب، وبالتالي فإنَّ لها آثاراً عميقة في السلوك الإنساني بمختلف أشكاله وألوانه . د.عبدالكريم خليفة،مجمع اللغة الأردني"
وللغة آثار عميقة في سلوك أصحابها ، فهم يكتسبون منها طرائق التفكير الشائعة في مجتمعاتهم ، كما تشكل ثقافتها أنماط سلوكهم . والتفكير والتعبير باللّغة القوميّة من أهم دعامات الاستقلال الفكري ، ومن هنا كانت مسؤوليّة كل أُمّة تجاه لغتها جدّ عظيمة ، لا يسقطها زمن ، ولايتوقّف دونها سعي، فهي مناط هويتها ، وقوام ذاتيتها .
إنّ أول ما يصيب الوهن الأمة يصيبها في لغتها، وإنّ أوّل قوّة تصيبها فيها ، فمن استبدل لغة قوم بلغته فقد خسر قوميّته ، وفقد كيانه، وتنازل طوعاً عن استقلاله ، وحريّة تفكيره ، وما ذلّت لغة إلا ذلّ أهلها ،وما عزّت إلا عزّوا.
قال الرافعي ، رحمه الله ، في المجلد الثاني من كتابه ( وحي القلم ) :"ما ذلّت لغة شعب إلا ذلّ، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار ، ومن هنا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضاًعلى الأمة التي يستعمرها ، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها"
وقال الدكتور مازن المبارك :"اللغة صفة الأمة في الفرد، وآية الانتساب إلى القوم ، وحكاية التاريخ على اللّسان ، فمن أضاع لغته فقد تاه عن أمّته ، وفقد نسبه ، وأضاع تاريخه .
وقال الفيلسوف الألماني فيختة :"اللّغة تجعل من الأمّة الناطقة بها كُلّاً متراصاً خاضعاً لقوانين، إنّها الرابطة الوحيدة الحقيقيّة بين عالم الأجسام وعالم الأذهان "
ومنزلة أيّة لغة بين اللغات تعكس منزلة أهلها بين الأمم ، قال ابن خلدون :"إن قوّة اللغة في أمّة ما تعني استمراريّة هذه الأمة بأخذ دورها بين بقيّة الأمم؛ لأنّ غلبة اللغة بغلبة أهلها ، ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم".
وفي فرنسا ، عهد الرئيس الفرنسي (ميتران ) ، نما شعور لدى الفرنسيين بأنّ الفرنسيّة أصبحت مهددة ، وتعاني من التراجع عالمياً بعد زوال مستعمراتها في العالم ؛ مما أدّى إلى تراجع فرنسا ، فأصبحت في المرتبة الثانية بين دول العالم ، فقامت الحركة الفرانكفونية بإقامة مشروعات طويلة الأجل لتقوية الفرنسية ونشرها في العالم ، فالفرنسيّون يعدّون لغتهم من شرفهم وشرف بلادهم .
ولقد أدرك الأُوربيون خطورة اللّغة ودورها في إخضاع الشعوب ، فحين غزوا العالم الإسلامي لم يكتفوا بغزوه عسكرياً وإخضاعه لسلطانهم ، بل عملوا جاهدين على سلب شعوبه ثقافاتهم ،فنشروا لغاتهم ، وأنشأوا أجيالاً من هذه الأمم لا تأبه بأخطائها في لغاتها القوميّة، ولا تعدّ ذلك تقصيراً، ولكنها تهتم غاية الاهتمام بتجويد لغة الغزاة أهل الحضارة الوافدة ، وتزدري من أبناء جنسها من لا يحسنها ، وترميه بالتخلف والجهل ، قال االدكتور طه حسين "إنّ المثقفين العرب الذين لم يتقنوا معرفة لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب ،بل في رجولتهم نقص كبير ومهين".
وفي المغرب العربي عملت فرنسا على فرنسة أهله لغة وسلوكاً وعقيدة، وفي المشرق أشاعت بريطانيا اللغة الإنجليزيّة وربطت وظائف الدولة بإجادتها حديثاً وكتابة .
ثمّ عمدت بريطانيا إلى لغات الشعوب الإسلاميّة التي كانت تكتب بالحرف العربي ، كالسواحيليّة والهوسا .. وغيرها فاستبدلت بالحرف العربي الحرف اللاتيني ، ودعت إلى استخدام العاميات العربية وهجر الفصحى ؛ لأنّ الفصحى تحمل تاريخ هذه الأمة وحضارتها ، ولا سبيل إلى صياغة الأجيال الناشئة على النمط الأوروبي إلا بامتلاخهم عن تراثهم ، وصرفهم عن الفصحى لغة هذا التراث ووعائه ، ولقد أصابت جهود الأوروبيين شيئاً من النجاح إذ خلفهم جيل من المتعلمين حمل عنهم بعد رحيلهم لواء التغريب ، والدعوة إلى العاميّة ، والكتابة بالحرف اللاتيني ، والتمكين للغات الأجنبيّة في المدارس العامة والجامعات ، والتقليل من شأن العربيّة وحملتها ، ولكن الحمد الله لا تخلو هذه الأمة في كل عصر ممن يصد عنها كيد الكائدين وزيغ المنحرفين ، فقد عادت الأمة بعد خروج الغزاة إلى الاهتمام بلغتها دون التفريط في تعلّم اللغات الأجنبية الحيّة التي صار الأخذ بها ضرورة تقتضيها نقل التقنية ومعطيات العلم الحديث فتجاهلها أو التفريط فيها جهل وغفلة .
واللّغة ، أيّة لغة ، صورة وجود الأمة ,، ومرآة تعكس وجهها ، وآلة تعبّر عن حضارتها ، فمفردات اللغة تدل على مدى سعة خبرات مجتمعها وعمقها أو ضيقها وضحالتها ، فكلما كانت مفردات اللغة محدودة ضيّقة الدلالة ، فقيرة في التعبير عن شؤون الفكر والروح ، دلّ ذلك على تخلّف الأمة وانحسار دورها الحضاري .
ولعل نظرة في تاريخ العربيّة وحالها قبل الإسلام وحالها بعده تبين هذا الأمر وتجلّيه ، فقد كانت مفردات اللغة العربية قبل الإسلام رغم سعتها تعكس نوع الحياة التي كان يعيشها العرب ، فلما أظلتهم النبوّة الخاتمة ، وخرجوا من جزيرتهم يبشرون الناس بالدين الجديد ، كان لا بُدّ لهذه اللغة أن تتسع لحمل هذه المهمة الحضاريّة المناطة بها أو تبقى لغة الكتاب المقدس تتلى في المساجد ولا تغادرها وتفسح لغيرها أن تعبّر عن هموم الناس وحاجاتهم ، ولكن العربيّة كانت جديرة بهذا الدور الحضاري إذ تحمل في ذاتها وثيقة انتشارها ، وحجة بقائها ،فخصائها الذاتية في الاشتقاق والنحت والإبدال والنقل والمجاز والاقتراض والتعريب فتحت لها باباً واسعاً من المعاني ، فأصبحت لغة دولة ، ودخلت ميادين الحياة كلها ، وتصدّرت لغات العالم إذ ذاك في الآداب والعلوم والفنون ، وبقت وعاء لنهضة علميّة قروناّ متطاولة ، وظلت محتفظة بهويتها في أصول بنيتها الأساسيّة أصواتاً ونحواً وصرفاً، طيّعة في أساليبها ومفرداتها، تستوعب كل ما يجدّ من معارف إنسانيّة ، وتعبّر عن فكر جديد لم تكن العرب تألفه ، فهي كما قال الرافعي :"غنيت بأوضاعها حتى كأنها خُلقت لتُمادّ الزمن، وفيها من أسباب النمو ما يحفظ عليها شباب الدهر غير أنه قد أصابها ما أصاب من تبدد الكلمة ، واضطراب الأمر ، ووهن الاستقلال وتمزّق المجتمع".
إنّ أغلب دول العالم تحرص على لغاتها بوصفها هويّة تجمع الشمل وتوحّد الصف ، كما تجدد الوسائل للمحافظة عليها من أيّ تأثيرات ضارة ، وتدافع عنها في مواحهة تأثيرات اللغات الأخرى ، فهناك خمس وعشرون لغة تموت سنوياً ، كما تشير الأبحاث العلميّة ، من مجموع اللغات التي يقدرهاالباحثون بحوالي ستة ألاف لغة .
ولعل في تجارب دولة إسرائيل، واليابان ، وغيرهما ، عبرة لمن يزري بلغته ويتهمها بعجزها عن نقل العلوم العصرية ، فهذا اليعازر بن يهودا الذي يؤمن أنّه لاحياة لأمة دون لغة ، يعدّ مشروعاً لإحياء اللغة العبرانية ، استغرق خمسين عاماً تحوّلت العبرانية بعدها من لغة دينية ميّتة إلى لغة حيّة تدرّس بها كل فروع المعرفة ، من الروضة إلى الدراسات العليا .
وتجربة اليابان من أقوى التجارب على إمكان المشاركة في صناعة النهضة الحضاريّة العالميّة ، مع الإبقاء على الخصوصيّة في الثقافة واللغة ، ففي أواخر القرن التاسع عشر حين قررت مصر في عهد محمد علي استخدام الإنجليزيّة في مدارسها وجامعاتها ، أصرت اليابان على استخدام لغتها القوميّة ،وترجمت العلوم والمعارف الأجنبيّة إليها ، فما إن حلّ عام 1907 م حتى كان 97% من الشعب الياباني متعلّماً ، ثم تتابعت إنجازاتهم ومشاريعهم العلميّة حتى بلغوا هذا الشأو العظيم ، ولم تكن اللغة الأجنبيّة في كل ذلك عاملاً في نهضة اليابان ، فهل يعي العرب الدرس فيكفوا عن حجاجهم السخيف حول مدى صلاحيّة العربيّة لنقل علوم العصر !
ولا يخفى على ذي نُهية ، ما للعربيّة ، دون سائر اللغات ، من أهمية عظمى ، فقد استودعها الّله كتابه ، وجعلها لغة نبيّه ، صلى الله عليه وسلّم ، إذ البيان الكامل لا يتمّ إلا بها ، قال تعالى : "إنّا أنزلناه قرأناً عربياً لعلكم تعقلون " يوسف : 2 ، وقال جل شأنه : " بلسان عربي مبين " الشعراء: 195 ، وقال : "قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتّقون " الزُّمر :28
وأوضح هذا المعنى أبو الحسين أحمد بن فارس فقال : " فلما خصّ جلّ شأنه اللسان العربي بالبيان عُلم أنّ سائر اللغات قاصرة عنه، وواقعه دونه "
و قال ابن كثير:"لغة العرب أفصح اللغات وأبينها ، وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أُنزل أشرف الكتاب بأشرف اللغات "
وقال الفارابي :" هذا الّلسان كلام أهل الجنّة ، وهو المنزّه بين الألسنة من كلّ نقيصة ، والمعلّى من كلّ خسيسة ، والمهذّب مما يستهجن أو يستقبح "
وشاركت المستشرقة العظيمة البروفسيور آنا ماري شيمل ، الفارابي في وصف العربيّة بأنها لسان أهل الجنة فقالت:"اللغة العربيّة لغة موسيقيّة جداً ، ولا أستطيع أن أقول فيها إلا أنها لابدّ أن تكون لغة أهل الجنّة "
وقال عبد الوهاب عزّام :"العربيّة لغة كاملة محببة عجيبة ، تكاد تصوّر ألفاظها مشاهد الطبيعة ، وتمثّل كلماتها خطرات النفوس ، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ ، كأنما كلماتها خطرات الضمير ، ونبضات القلوب ، ونبرات الحياة "
وذكر أبو إسحاق الزّجّاج أنّه سمع أبا العباس المبرد يقول :"كان بعض السلف يقول :عليكم بالعربيّة فإنها المروءة الظاهرة وهي كلام الله عزّ وجلّ وأنبيائه وملائكته "
والعربيّة باقية ببقاء كتاب الله ، محفوظة بحفظ الله له ، وهي لم تعد لغة قوم ولا لسان جماعة محدودة، بل لغة عقيدة ، لغة المسلمين أينما كانوا .
قال المستشرق الإنجليزي داود كاون :"هذه اللّغة الساميّة التي تفوق جميع لغات أهل الأرض جمالاً وقوّة ورقّة ليست للعرب فقط بل هي ملك للمسلمين أجمعين . "
وقال يوهان فك الألماني :" إنّ العربيّة الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساساً لهذه الحقيقة الثابتة ، وهي أنّها قد قامت في جميع البلدان العربيّة والإسلاميّة رمزاً لغويّاً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنيّة . لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربيّة الفصحى عن مقامها المسيطر ، وإذا صدقت البوادر ولم تخطيء الدلائل فستحتفظ العربيّة بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنيّة الإسلاميّة ".
إنّ الشعوب التي اعتنقت الإسلام واتخذته ديناً لها اتّخذت العربية لساناً لها بل سابقت أهلها الأدنين في تجويدها والتأدب بآدابها ، ولما ركدت الحضارة الإسلامية وصار أهلها عالة على غيرهم يجترون أمجاد الماضي راضين بالصفوف الخلفية في مدرّج الشعوب ، ركدت هذه اللغة ، وأصابها ما أصاب أصحابها ، وكذلك أمر اللغات جميعاً تحيا بحياة أهلها وتموت بموتهم، فاليصمد أهل العربيّة " فالعالم كما قال المستشرق الفرنسي ماسينيون بأمس الحاجة إليهم، وليحترموا عربيّتهم هذه الآلة اللغويّة الصافية التي تصلح لنقل اكتشافات الفكر في كافة الأقطار والأمصار ، وليحافظوا على أصالتها فلا تنقلب مسخاً مقلّداً للغات الآريّة، أو أن تتخثر في حدود ضيّقة شأن العبرانيّة الجديدة التي تخثّرت في الصهيونية المتطرفة"
قال المستشرق آربري :"إنّ العربية لغة حيّة ، وحضارة العرب هي حضارة مستمرة ، فهي حضارة الأمس، واليوم والغد، وعن طريق العرب عرفت أوروبا الحضارة ، فقد كانت تغط في سباتها العميق حين كان العرب يصنعون الحضارات ، وكانت جامعاتهم تخرّج كثيراً من العلماء في حقل الآداب والعلوم والفنون والطب والهندسة "
واللغة العربية رغم تجاهلها في الوثيقة الدستورية لحكومة الثورة-هي اللغة الرسمية لهذه البلاد، وهي لغة مبنية معبرة عن كل الأغراض، وتتوافر على كل المواصفات المطلوبة للغة الرسمية التي تتبناها الدولة و تستعملها في كل أجهزتها ودراليبها و أغراضها المختلفة كالإدارة و التعليم و التشريع والقضاء و الخطاب الرسمي فهي لغة كتابة منذ عشرات القرون، ولغة عالمية تجر وراءها تراثاً علمياً ضخماً يفوق تراث كل لغة من اللغات الأوربية الحية، وتتوفر على تجربة طويلة في المجالات المذكورة بحكم أن كل الدول العربية و الإسلامية السابقة كانت-طوال قرون عديدة تستعملها لغة رسمية دون سائر اللغات الأخرى.
واللغة العربية ذات رمزية وحمولة حضارية خاصة لارتباطها التاريخي بالدين الإسلامي الذي هو الدين الرسمي لكل البلاد العربية والإسلامية وما يتعلق بهذا الدين من ثقافة وعلوم و تراث فكري وحضاري.
واللغة العربية وعاء أُفرغ فيه تاريخ كل هذه الشعوب الإسلامية و ثقافاتها المتنوعة، والرابط الأساسي-بعد الدين الإسلامي- الذي يجمع بين تلك الشعوب، ويقوم بدور التواصل والتلاحم بينها.
اللغة العربية لغة محايدة غير ذات انتماء عرقي أو قومي أو طائفي فهي كما قلنا لغة الأمة الإسلامية على اختلاف أقطارها و تباين أعرافها.
اللغة العربية هي اللغة القادرة برصيدها الكبير و تجربتها الطويلة و مؤهلاتها العالية على مواجهة لغات الاحتلال و مقاومتها و التصدي لها، فلا يحسن أن يتنكر لها أهلها فيستبدلون بها لغة من لغات الفرنجة مهما كان خطها من الذيوع و الانتشار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.