حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    تطويق مربعات دار السلام بامبدة والقبض على كميات كبيرة من المنهوبات    ابوجا يتوج بجائزة أفضل لاعب في مباراة السودان والجزائر بكأس العرب    المريخ يستعيد ذاكرة الفوز ويكسب رويسترو بهدف فاتوكون    إعادة تأهيل مستشفى بحري بولاية الخرطوم وافتتاحه مطلع 2026    غضب كيليان مبابي من التحكيم يسرق الأضواء    دراسات: انخفاض ضوء الشتاء يغيّر نمط النوم    كم مرة يجب أن تقيس ضغط دمك في المنزل؟    محمد حامد جمعة نوار يكتب: لماذا بابنوسة    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    عثمان ميرغني يكتب: لليوم الثالث.. الحملة مستمرة    الهلال يعود للدوري الرواندي بمواجهة صعبة أمام غاسوجي    إدارة ترامب توقف رسميا إجراءات الهجرة والتجنيس من 19 دولة    المدير العام لجهاز المخابرات يقود وفد السودان في مؤتمر الجريمة المنظمة بصربيا    شاهد بالفيديو.. مواطن باكستاني يتغزل في السودانيين: (الواحد منهم إذا حطيته في الجرح يطيب..نسوني همومي بأرواحهم الراقية وقلوبهم الصافية وعقولهم النظيفة وتعيش بينهم لكن صعب تعيش بدونهم)    شاهد بالفيديو.. الأخوين أصحاب "الترند" يعودان لخطف الأضواء من جديد ويطربان والدتهما بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تحتفل بعيد ميلادها وسط سخرية غير مسبوقة من الجمهور: (افتحي التعليقات كان تقدري وشوفي الاحتفال الصاح)    شاهد بالفيديو.. مواطن باكستاني يتغزل في السودانيين: (الواحد منهم إذا حطيته في الجرح يطيب..نسوني همومي بأرواحهم الراقية وقلوبهم الصافية وعقولهم النظيفة وتعيش بينهم لكن صعب تعيش بدونهم)    شاهد بالفيديو.. "بدران" الدعم السريع يناشد سكان الجزيرة للانضمام لدولتهم وسحب أبنائهم من "كيكل": انتم مهمشين من الكيزان والدليل على ذلك أنكم تقولون "ها زول"    السودان.. تقارير تكشف مقتل قادة عسكريين في كمين    النقطَة ولا صَمّة الخَشُم    هدايا الدوسري تمنح المنتخب السعودي فوزًا صعبًا على عمان    شاهد بالفيديو.. قبل يوم من المباراة.. معلق مباراة السودان والجزائر "العماني" يتوقع فوز صقور الجديان على محاربي الصحراء في كأس العرب    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    الخرطوم تعيد افتتاح أسواق البيع المخفض    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    لاعب ليفربول لصلاح: لن تلعب أساسياً.. حتى لو كنت "ميسي"    شبان بريطانيا يلجأون للمهن الحرفية هربا من الذكاء الاصطناعي    احذر تناول هذه الأدوية مع القهوة    الأمين العام للأمم المتحدة: صراع غزة الأكثر دموية للصحفيين منذ عقود    بشكلٍ كاملٍ..مياه الخرطوم تعلن إيقاف محطة سوبا    فيلم ملكة القطن السوداني يحصد جائزة الجمهور    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    العطش يضرب القسم الشمالي، والمزارعون يتجهون للاعتصام    إخطار جديد للميليشيا ومهلة لأسبوع واحد..ماذا هناك؟    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشرطة في السودان تعلن عن إحباط المحاولة الخطيرة    الميليشيا ترتكب خطوة خطيرة جديدة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    مخاوف من تأثر أسواق دارفور بقرار منع حظر خروج السلع من الشمالية    بالصورة.. مذيعة سودانية كانت تقيم في لبنان: (أعتقد والله اعلم إن أنا اكتر انسان اتسأل حشجع مين باعتبار اني جاسوسة مدسوسة على الاتنين) والجمهور يسخر: (هاردلك يا نانسي عجرم)    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان: جيش واحد… شعب واحد .. بقلم: د. الشفيع خضر سعيد
نشر في سودانيل يوم 06 - 01 - 2020

يختلف معنى كلمة «مدنية» حسب الفضاء الذي تُطرح فيه. لغويا وفي الفضاء السياسي العام، تُستخدم الكلمة كمقابل لكلمة «عسكرية»، بينما في فضاء العلوم الاجتماعية تأتي كلمة مدنية في مواجهة كلمة «دينية». وأعتقد من الممكن التمييز بين المعنيين إذا ربطنا كلمة «مدنية» بلفظ الحكومة تارة، وبلفظ الدولة تارة أخرى. فالحكومة المدنية تعني أن الهيئة التي تدير البلد هي سلطة غير عسكرية، بينما الدولة المدنية تعني الدولة التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم الإثنية أو الدينية أو الثقافية، وأنها تقف على الحياد أو على مسافة واحدة من كل هذه الانتماءات، وفق مبدأ المواطنة، وهي ترفض الخلط بين الدين والسياسة واستخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية. ولكنا في هذا المقال غير معنيين بالمعنى الأخير المرتبط بالدولة، وإنما بمعناها المقابل لكلمة «عسكرية»، والمرتبط بالحكومة.
ثورة السودان الظافرة تمسكت بمطلب الحكومة المدنية، وتقنن ذلك في الوثيقة الدستورية التي بموجبها انتقل الحكم في مستواه السيادي إلى مجلس سيادة مكون من 6 مدنيين و5 عسكريين، بينما المستوى التنفيذي تديره حكومة/سلطة مدنية. لكن، في الشارع السياسي يسود شعور ملتبس يشحن كلمتي مدنية وعسكرية بشحنات سالبة تنقل معناهما من وضعية التقابل اللغوي إلى وضعية التضاد والعداء، فيعبّر البعض عن تمسكه بالمدنية وابتعاد الجيش عن السياسة، وهو مطلب صحيح، بشعارات ولغة كأنها تضع الجيش والقوات النظامية في موقع العدو، مما يثير الغضب والاستفزاز عند هؤلاء، وهو رد فعل طبيعي ومفهوم. ومن أشد التجليات وضوحا للانتقال بكلمتي مدنية وعسكرية من المقابل اللغوي إلى التضاد الخاطئ والمدمر، ما يحدث في التظاهرات والمناسبات المختلفة عندما يصرخ البعض بكلمة مدنية في وجه أفراد الجيش والشرطة بطريقة استفزازية وكأنهم يستخدمون الكلمة كسلاح في مواجهة عدو، أو يطلقون شعارا مستفزا كشعار «معليش معليش ما عندنا جيش». ومن الناحية الأخرى، وبسؤال بعض أفراد القوات النظامية عن سبب تقاعسهم في حماية أمن وسلامة المواطن إبان حالات الانفلات الأمني، تأتيك إجابتهم: «ألم تقولوا أنكم تريدونها مدنية»!!
بالطبع، لأي من هذين الموقفين الخاطئين جذوره وأسبابه. فوعي الشارع يختزن أن الإنقاذ جاءت إلى الحكم باسم الجيش وظلت تقمع الشعب حد الموت تحت التعذيب أو في الشوارع مستخدمة مؤسساتها العسكرية. وإبان الحراك الثوري في ديسمبر/كانون الأول 2018، أطلقت قيادة الجيش تصريحا نصه «أن الذين يتصدرون المشهد في المظاهرات هي ذات الوجوه التي ظلت تعادي السودان وتشوه صورته أمام العالم وتؤلب عليه المنظمات…، وأن القوات المسلحة لن تسلم البلاد إلى شذاذ الآفاق..!!». أما الذكرى الدامية المترسخة في وعينا جميعا، ووعي شباب الثورة بالأخص، ذكرى مذبحة فض الاعتصام، فلن تُمحى قط حتى وإن ظهرت الحقيقة وتحقق العدل، وستظل جرحا نازفا من دماء العلاقة بين الشعب والمؤسسات العسكرية، ويكفي أنها حدثت أمام مقر قيادة الجيش. كل هذا، وغيره يختزنه وعي الشارع، وخاصة الشباب، ويسارع للتعبير، أو التنفيس، عن نفسه في اللغة المستفزة والمعادية تجاه المؤسسات العسكرية. ومع ذلك، فإن أي كشف عن جذور ومسببات هذا المسلك العدائي، لا يعني تبريره أو صحته أو تركه دون علاج.
ومن الجانب الآخر، يختزن وعي أفراد الجيش خطاب التشكيك والتخوين والعداء والذي تجلى منذ اليوم الأول لانتصار الثورة عند بعض القوى السياسية ثم تفاقم بفعل التيارات والممارسات الشعبوية التي ظلت ترسل الإشارات المستفزة فتتلقاها مستقبلات وعي أفراد المؤسسات العسكرية ليختمر في هذا الوعي رد الفعل المضاد. بالطبع هناك الثورة المضادة التي من أهم تكتيكاتها برز الشقاق وتوسيع الهوة بين الشعب والمؤسسات العسكرية، ولكن هذا ليس موضوع مقالنا.
أعتقد أن المدخل للتعامل مع الفهم الصحيح للمدنية مقابل العسكرية، وللعلاقة السوية المفترض بين الشعب والمؤسسة العسكرية، هو الإقرار بأن الانتصار العظيم لثورتنا المجيدة ما كان ليتحقق لولا العوامل التي تراكمت خلال حكم الانقاذ، والتي فصلناها من قبل، ومن ضمنها الدور الذي لعبه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عندما حسما معركة اللحظات الأخيرة لصالح الشارع. هذه الحقيقة لا بد من وضعها في الحسبان، غض النظر عن نوايا هؤلاء القادة عندما قرروا الاستجابة لصوت الشارع. ومع ذلك، لا يمكن، ولا يجب، أن تغيب عنا لحظة واحدة حقيقة أن العنصر الحاسم في كل ذلك، والمحرك الأساسي وراء دور الجيش وقوات الدعم السريع، هو ثورة الشعب السوداني واعتصامه المهيب أمام مقر قيادة الجيش السوداني، ثم مليونياته التي امتلأت بها شوارع السودان في الثلاثين من أبريل/نيسان 2019.
صحيح أن المؤسسات العسكرية أصابها التشويه على أيدي الإنقاذ التي سعت جاهدة لأن تكون هذه المؤسسات القومية تابعة للحزب الحاكم، ومع ذلك، وعند اللحظة الحرجة في مسيرة ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة، كرر الجيش فعل الانحياز للثورة. وبسبب هذا الانحياز، ولاعتبارات تتعلق بأمن البلاد وبعدد من القضايا العسكرية والأمنية الحساسة، والتي ظلت محجوبة عن القيادات المدنية طيلة حكم الإنقاذ، ولاعتبارات سياسية وعملية تتعلق بوضع القوى السياسية وبموازين القوى في تلك اللحظات الحرجة من عمر الثورة السودانية، واللحظات الراهنة أيضا، كان لا بد من الشراكة المدنية العسكرية في إدارة الفترة الانتقالية.
أعتقد من الخطأ الفادح ألا تعمل القيادات السياسية على كبح جماح الخطاب الشعبوي الاستفزازي والعدائي تجاه المؤسسات العسكرية، والذي يصوّر هذه المؤسسات وكأنها عدو للشعب وللثورة. وبالمقابل، لا بد أن تطهر هذه المؤسسات صفوفها من المجموعات الفاسدة وقوى الثورة المضادة التي تعمل على إجهاض الثورة. وفي ذات السياق، وفي الجانب العملي، نحتاج إلى مبادرات مشتركة، بين المؤسسة العسكرية وجماهير الثورة، تحقق التواصل والتفاهم بين الطرفين حتى يعلو مرة أخرى هتاف الجميع، مدنيين وعسكريين: جيش واحد، شعب واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.