لا ينكر إلا مكابر أن ثورتنا تعيش مرحلة بالغة التعقيد. . وتظل مهمة العبور صعبة، لكنها ليست مستحيلة بالطبع. . فالملاحظ أن اليأس قد وجد طريقه لنفوس البعض. . وهؤلاء عليهم أن يستعيدوا شريط ذاكرة تلك الأيام والسنوات التي كثيراً ما ردد بعضنا خلالها عبارات من شاكلة " مستحيل الكيزان ديل يتقلعوا". . وها هي حكومتهم قد أُقتلعت بواسطة يفع إمتلأوا وطنية ورغبة في الحرية والعيش الكريم، فتحقق هدفهم (جزئياً). . ولأنه وضع مقعد ويسهل معه خلط الأوراق، تجد من يعتقد أن انتقاد حكومة دكتور حمدوك يعني تمهيد الأجواء لعودة أولئك السفلة. . ويفوت على هذه الفئة حقيقة أن أراذل نظام (الساقط) البشير صاروا من الماضي الذي تستحيل عودته مهما فعلوا. . لكن يظل الخطر قائماً على البلاد والعباد. . وهناك أيضاً فئة تظن أن الشعب الثائر لم يعد حريصاً على الاجتهاد والبذل، وأنه ينتظر من حكومته الإنتقالية أن تغير كل شيء بين عشية وضحاها. . وهذا إفتراض غير صحيح. . فمن وقفوا أمام الرصاص بصدور عارية ورأوا رفاقهم وأحباءهم يتساقطون أمام أعينهم، لن يعجزوا عن تحمل المسئولية ولعب أدوار ملموسة في رحلة البناء والتعمير. . لكن ما الذي يمنعهم عن ذلك؟ . المؤسف أن مانعهم الرئيس هو حكومة الثورة نفسها. . فجل مسئولي هذه الحكومة تقاعسوا عن أداء الدور المتوقع من وزراء ثوريين. . وزير الإعلام مثلاً ما زال يتفرج علي عبث وأكاذيب إعلام الكيزان وسعيهم للفتن دون أن يكون حاسماً. . كل الذي قدر عليه هو إيقاف قناة وصحيفة من بين عشرات المؤسسات الإعلامية الفاسدة. . وحتى الصحيفة الموقوفة لم يتم التعامل معها بجدية تكشف عن فساد مالكها قبل اتخاذ القرار الذي قلنا حينه أنه (سيشمتهم) فينا، لأنها ستعاود الصدور. . وها هم قد اتخذوا قرار تعيين حارس قضائي حتى تعاود الصدور. . كنت أعلم أن مالكها ورئيس تحريرها سيمُدان لسانيهما لحكومتنا، وسيقولان لنفسيهما " يعني بقت علينا نحن فقط، ما هو كل الصحف والقنوات الكيزانية الأخرى مستمرة في عملها وكأن شيئاً لم يكن." . ووزير المالية تفرج طويلاً على الضائقة المعيشية، وأصر هو ورئيس الوزراء على فكرة (دعم الأصدقاء)، وكأن عالمنا يفيض بالمحسنين الذين يفرحون لنيل الشعوب حريتها. . ماذا لو بدأت الحكومة بحسم سريع من أجل استعادة الأموال المنهوبة (الموجودة في الداخل على الأقل)! . وماذا لو إستمروا في طرح (معاً نستطيع أن نعبر)، وطلبوا من المغتربين إيداع مبالغ محددة قابلة للإسترداد بعد فترة زمنية محددة! . وماذا لو أنشأوا مسلخين أو ثلاثة فقط للتسريع بتصدير كميات أكبر من اللحوم السودانية! . وماذا لو حثوا الثوار وهيأوا لهم السبل لحراثة الأرض، فحتى لو زرعوها برسيماً لتوفر لهم الكثير من المال! . فهل تحتاج مثل هذه المشاريع البسيطة لتنظير وجولات مكوكية بين عواصم العالم! . أم أنهم يستهينون بالعائد المتوقع من مثل هذه المشاريع كحل عاجل يمكنهم من التقاط الأنفاس للبدء في المشاريع الكبيرة! . نعاني هذه الأيام من ارتفاع جنوني ومتعمد للدولار والسبب هو حكومة الثورة نفسها. . فلو أنهم حسموا اللصوص وانتزعوا منهم أموالنا لما وجد المفسدون ما يشترون به الدولار لرفع سعره بهذا الشكل بغرض هز ثقة الشعب في حكومة الثورة. . نخلص مما تقدم إلى أن حكومة الثورة تعادي نفسها. . فلا تحدثوننا عن الدولة العميقة، لأن هؤلاء الأراذل بدأوا (يتضايروا) ، لكن عندما شعروا بتساهلكم وتقاعس بعض وزرائكم شمروا عن سواعد التخريب. . وهذه ليست مفاجأة. . فمن سعوا لتخريب الاقتصاد وهم خارج الحكومة، كان متوقعاً أن يمتلكوا المزيد من معاول الهدم بعد حكم دام لثلاثين عاماً. . فإلى متى ستربع حكومة الثورة أياديها في إنتظار (دعم الأصدقاء)!! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.