أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجه السياسي للعالم ومآلاته المحتملة .. بقلم: يوسف نبيل فوزي
نشر في سودانيل يوم 03 - 04 - 2020

أمام الآلاف من المحتشدين يقف شاب ألماني نحيل قصير القامة تملؤه حماسة كاريزما القائد الشعبوي ، يمتلك قدرات هائلة في لغة الجسد ومؤهلات خطابية اذهلت جموع الجماهير -التي كانت متيمة بهذا القائد الجديد مخلص للأمة الألمانية- قائلا "ألمانيا يجب أن تكون قبل أنفسنا، يجب أن تتغلغل فينا، على ألمانيا، كل ألمانيا أن تسير «خلفنا»". وبعض أشهر قليلة وصل إلى منصب الإستشارية في العام 1933 وبعد شهرين فقط من توليه السلطة وعلى إثر حريق الرايخستاغ -مبنى البرلمان الألماني- قام بتمرير "قانون التمكين" الذي منحه صلاحيات واسعة للتحكم في السلطة التشريعية كاملة، وهو ما أستخدمه لتقويض الديمقراطية الليبرالية الناشئة حديثا ، والتأسيس لنظام حكم شمولي.
هل عرفتم ذلك الرجل؟ أنه أدولف هتلر الزعيم النازي صاحب التوجه القومي المتطرف "النازية" التي نادت بسمو العرق الآري. ولأن التاريخ كثيرا ما يكرر نفسه ، ومن المفارقات العجيبة بعد أن قامت أوروبا -ماعدا إيطاليا موسوليني- بمحاربة هذا التوجه القومي الشعبوي المتطرف أثناء الحرب العالمية الثانية ، ها هي الآن 9 دول أوروبية ذات توجه قومي شعبوي متحالف مع اليمين المتطرف منادي كل فصيل باسم دولته اولا حتى يقع الشبيه على الشبيه الأكبر "أمريكا أولا"
إحياء الشعبوية
الأزمة الاقتصادية 2008 أدت إلى إحياء التيار الشعبوي القومي -حسب الطرح الماركسي- وإليكم الأحداث
بعد أزمة العقارات في 2008 التي اجتاحت الولايات المتحدة محدثة أزمة اقتصادية واسعة أدت تباعا إلى إنهيار قطاع واسع في الاقتصاد الأمريكي ، حتى تهاوت كبريات الشركات في أزمة ديون خانقة. الكثير منا لم يلاحظ ويمعن ويعي ، أن الأزمات الاقتصادية هي التي تؤدي إلى تغيير النمط الأيديولوجي السياسي الحاكم في فترة معينة. فبعد أزمة 2008 تم نقل الكثير من المصانع الأمريكية إلى خارج الولايات المتحدة لدول ذات أيدي عاملة رخيصة للتقليل من تكلفة الإنتاج مستفيدة من العولمة الاقتصادية بجانب اتفاقيات التجارة العالمية التي تسمح بذلك دون تكبد رسوم جمركية ، وهذا أدى تباعا الى فقد الكثير من الأمريكيين وظائفهم لصالح أفراد ومؤسسات في دول أخرى. ومن هنا دخل ترامب واستطاع اللعب على وتر المشاعر الوطنية بل وتمكن من إشعال غضب الأمريكيين ضد العولمة والليبرالية. وعلى إثر دخول ترامب -الشعبوي القومي- البيت الأبيض حتى اجتاح المد الشعبوي الدول الغربية منادية بنفس التوجهات الحمائية القومية مما سهل وصول جونسون الى رئاسة وزراء بريطانيا وخروجهم من الاتحاد الأوروبي ووصول العديد من الرؤساء ذوي العقيدة القومية الشعبوية إلى مراكز الحكم في بلدانهم مناديا كل منهم بشعار "البلد اولا" كمثال أمريكا اولا ، "إيطاليا إلى الأمام" (فورتزا إيطاليا)، أو كما روج حزب الحرية النمساوي : النمسا أولاً ، والمجر: حركة "مجر أفضل" وكذلك تصاعدت وتيرة الأحزاب القومية المؤتلفة مع اليمين المتطرف كما في الدنمارك حزب الشعب الدنماركي ، وهولندا: حزب الحرية وكذلك في اليونان وبولندا.
فمن هنا يمكن للوصول إلى استنتاج أولي وهام جدا وهو أن الأزمات الاقتصادية -المادية التاريخية حسب وصف ماركس- يتم استخدامها لتحريك وعي الجمهور للتخلي عن إيديولوجية مهيمنة كالليبرالية والانتقال إلى إيديولوجية أخرى مخالفة تماما كالقومية الأوروبية الصاعدة حديثا التي ستتحول لاحقا نحو الإشتراكية.
نشأة القومية
عندما غزا الجيش الروسي فرنسا عام 1792 اوقفهم جموع الفرنسيين المسلحين ، أي أن المتطوعين المدنيين المتحمسين هزموا الجنود المحترفين وفي نفس العام ظهر السلام الوطني الفرنسي. وتباعا لتلك الأحداث كما توقع بيرك في كتابه بأن الفوضى العارمة ستؤدي حتما إلى حكم عسكري دكتاتوري حتى بزغ نجم نابليون عام 1799 محولا ليبرالية الثورة الفرنسية إلى الراديكالية القومية المتطرفة بغزو البلاد الأوروبية والسيطرة عليها إثر فتوحاته الممتدة. أما البلاد المهزومة في أوروبا نتيجة غزو نابليون ازدادت كراهيتها للقومية الفرنسية المحتلين بلادهم وأصبح حينها الإسبان والالمان والروس "قوميين" أثناء كفاحهم لطرد الفرنسيين. ومن هنا اتخذت القومية أولى مبادئها وكان أهم ما يميز نشأة القومية هو كراهية الهيمنة الأجنبية حتى عمت القومية أوروبا بأكملها في القرن التاسع عشر وما لبثت تنتشر في المستعمرات الأوروبية (دول إفريقيا وآسيا) في جميع أرجاء العالم في القرن العشرين (الإشتراكية القومية العربية الناصرية والجماهيرية القذافية) وهي في أقوى صورها في البلاد النامية ، أي أن القومية أصبحت سمة البلدان المتخلفة. ومن أهم ركائز القومية هو اعتمادها على الجانب العاطفي أكثر من كل الأيديولوجيات السياسية الأخرى ،فالدولة القومية والدولة الدينية وجهان لعملة واحدة. ومما يؤكد هذا الطرح التاريخي هو تطور القومية في كل من إيطاليا وألمانيا إلى الفاشية والنازية -إحدى كوارث القرن العشرين- فالقوميون متيمون بلبس زي واحد مشترك لذلك تجدهم يقعون في عشق النظام العسكري. ففي بداية القرن العشرين وقبل بداية الحرب العالمية الأولى كان الصحفي الإيطالي موسوليني اشتراكيا ثائرا إلا أن الخدمة العسكرية حولته إلى قوميا متشددا حتى قام موسوليني بعد تسلمه السلطة من ملك ايطاليا عام 1922 بتحويل ايطاليا إلى دولة ذات حزب واحد تحت رئاسته. وقام حينها الفاشيون يديرون الإقتصاد عبر زرع رجالهم في كل الوظائف الرئيسية (أوجه الشبه متطابقة تماما بين الفاشية ونظام الإنقاذ السابق).
مع العلم أن مفهوم القومية مفهوم قديم قدم وجود الإنسان ، لقد ارتكزت أولى مبادئ القومية مع نشأة الأديان "قوم بني إسرائيل" وخروجهم من مصر كانت اللبنة الفكرية الأولى لتوجيه القومية سياسيا واستغلالها للتحرر من الهيمنة الأجنبية. فحين اشتدت يدا فرعون على بني إسرائيل وصار القمع والقهر سمة ال فرعون حتى تعالت أصوات بني إسرائيل منادين بالخلاص والتحرر والخروج من مصر لإنشاء وطن قومي لليهود خاص بهم. ومن هنا نستطيع الاستنتاج بأن القومية والدولة الدينية ينتصبان سويا وينهاران سويا ، أي أن المد القومي الذي اجتاح اوروبا سيصاحبه مد يميني متطرف لن يلبث إلى أن يتحول إلى الإشتراكية. أي أن الدولة القومية هي فاشية مقنعة تتستر تحت عباءة الأديان ، وتسمى نفسها "هوية ثقافية" من أجل أهداف سلطوية.
النيوليبرالية "الليبرالية الحديثة/الجديدة"
انتقال الليبرالية من الاقتصاد إلي السياسة
المعارضة الليبرالية
لقد عارض إدموند بيرك بشدة الطريقة التي كانت تطبق بها الأفكار الليبرالية في فرنسا من قبل الثوريين ، حيث تحولت الليبرالية فجأة إلى الراديكالية وهذا ما تنبأ به بيرك في كتابه"تأملات في الثورة في فرنسا عام 1790" بأن فرنسا سوف تقع تحت الديكتاتورية العسكرية، وهذا ما قد حدث فعلا حين استولى نابليون على السلطة عام 1799 (حيث مازال يظن العامة بأن الثورة الفرنسية التي قامت عام 1789 أفضت مباشرة إلى الجمهورية الدستورية الفرنسية). وهذا التحليل وافقت عليه بشدة عالم السياسة جين كيركباتريك -سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة- حين قالت بأن "اليساريين دائما ما «يفترضون» أن الأشياء يمكن ان تكون أفضل في حين أن الثورات العتيقة دائما ما تجعل الأمور أسوأ" أي تحول فرنسا من الملكية إلى العسكرية. (أليس نفس هذه الحالة حصلت بعد الربيع العربي في مصر وحدثت في السودان إثر ثورة أكتوبر بانقلاب مايو 1969 وحدثت مرة مرة أخرى بانقلاب الإنقاذ 1989) أي أن الثورات خدمت الراديكالية العسكرية أكثر من خدمة الديمقراطية التي قامت من أجلها. هذه الدائرة الشيطانية تبدأ بالثورة لتعم الديمقراطية لكن الفوضوية التي تنتشر على أثر الديمقراطية الشكلية تدفع جموع الجماهير بأن تقبل بفكرة الحكم العسكري (عصر المدنية أثر ثورة ديسمبر 2018 في السودان ، عبرت عن الفوضوية في أبهى صورها ، لقد كانت وعود قوى الحرية والتغيير لقيادة البلاد نحو غد مشرق دون وعود كاذبة ، وها نحن الآن نستمع لخطاب حمدوك مناشدا جموع الشعب بالتبرع للسودان عبر مبادرة "القومه للسودان!! وأين ذهبت تلك الوعود التي قالها حمدوك بلسانه عن أن أصدقاء السودان سيدعمون الإقتصاد الوطني في أبريل!؟؟) .
**لماذا خرجت بريطانيا من الأتحاد الأوروبي؟!!
سؤال يحتاج التعريج على الكثير من القضايا الدولية ، لكن الثابت والمعلوم هو سعي بريطانيا لاستعادة أمجاد الماضي ، أي إحياء مجد الإمبراطورية البريطانية من جديد ، أي أن تكون بلدا يتجاوز الحدود الأوروبية بأن تصبح بريطانيا عالمية ، كوكب يدور في فلكه جميع دول العالم.
لكن السبب الأساسي لخروج بريطانيا من الأتحاد كان سببا سياسيا من أجل السماح بصعود المد اليمني المتطرف ، وهذا المد سيقود أوروبا لعمل إصلاحات سياسية من أجل تلافي الوقوع في النزعة الفاشية والتحول نحو تضامن أوروبي "اشتراكي" من أجل الغالبية العظمى وليس الأقلية اليمينية الميسورة في المجتمع. وبريطانيا بطابعها الليبرالي (منذ أيام مارجريت تاتشر) يعيق الأتحاد الأوروبي كله من التحول نحو الإشتراكية.
البيّنات
لقد دعى زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني مارتن شولتز في عام 2017 إلى تعميق التكامل في الأتحاد الأوروبي عبر إقامة الولايات المتحدة الأوروبية بحلول عام 2025 بوصفه بأن هذا الأتحاد هو الكفيل بالوقوف ضد حركة القوميين "الجدد" واليمينيين التي تتعزز في المانيا والنمسا وفنلندا وفرنسا وهولندا. هذه البيّنات تفيد بأن اجتياح المد اليميني والقومي للعالم لم يكن صدفة ، بل لإحداث ردة فعل لانتصاب الإشتراكية.
الكوزموبوليتانيّة "الشيوعية الليبرالية"
الكثير منا لم يلحظ أن سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 لم يصاحبه انهيار نظام جمهورية الصين الشعبية هو نظام اشتراكي ، لماذا؟
ما دفعني إلى هذا التساؤل جعلني أربط خيوط كثيرة ببعضها عبر إجابة مجموعة من الأسئلة بطريقة منهجية. السؤال الأول: نظرية الحكومة العالمية كيف سيتم تطبيقها؟ كيف سيتم إنشاء حكومة عالمية موحدة؟ كيف سيتم تحول النظام الاقتصادي المالي الحالي إلى نظام موحد ، تُلغى فيه العملة الورقية؟ جميع الأجوبة على تلك الأسئلة كان بسيطا ، يندرج تحت تعريف الشيوعية!! لقد وجدت تطابقا فلسفيا بين نظرية الحكومة العالمية "الخفية" وبين المنهج الشيوعي الذي خطه الألماني من أصل يهودي كارل ماركس. الشيوعية مصطلح يشير إلى مجموعة أفكار في التنظيم السياسي والمجتمعي مبنية على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج في الاقتصاد؛ تؤدي بحسب منظريها لإنهاء الطبقية الاجتماعية ولتغيّر مجتمعي يؤدي "لانتفاء الحاجة «للمال» و«منظومة الدولة»".
هذا هو التعريف الأيديولوجي للشيوعية التي خطها كارل ماركس ، والمغزى واضح تماما ، فانتهاء الحاجة إلى المال يدل بشكل جوهري على تغيير النظام المالي "النقدي الورقي" إلى شكل آخر رقمي غير محسوس بالصورة المادية. وانتفاء الحاجة إلى الدولة يدل أيضا بشكل جوهري على إنهاء حكومات الدول القومية. والتمهيد للشيوعية يتم اولا عبر إرساء الخطوة الخامسة وهي الإشتراكية -حسب
النظرية "المادية التاريخية الماركسية" .
ارتبطت الأيديولوجيات السياسية بطبقات اجتماعية معينة؛ فالليبرالية ارتبطت بالطبقة الوسطى، والأيديولوجيا المحافظة ارتبطت بالأرستقراطية المالكة للأرض، والاشتراكية بالطبقة العاملة ، أي أن الأيديولوجيا السياسية تحركها النزعة المادية ، وهذا ما لفت انتباهي إلى الطرح الماركسي القديم عبّر عن هذه الرؤى بصورة منهجية ، وهذا الطرح هو نظرية قائمة على أن حركة الطبقات الاجتماعية والصراع فيما بينها هي من تحدد مسار التاريخ ، أي أن الاقتصاد هو من يرسم ثقافة الشعوب فالإنسان لا يتأثر إلا إذا عانى وكابد المشقات ، وكذلك لا يستطيع تغيير طريقة تفكيره إلا إذا تعرض لصدمة. وصدمة فيروس كورونا ستجعل من الملايين عاطلين والآلاف من المشردين مما سيدفعهم دفعا نحو الشعبوية الإشتراكية تمهيدا للشيوعية ،واليكم ست مراحل خطها كارل ماركس في المادية التاريخية تصور لنا شكل الوصول إلى الكوزموبوليتانية "الشيوعية الليبرالية":
1/الشيوعية المشتركة "الشيوعية الأولية" التي تتبنى نظام الملكية المشتركة التي تسودها المجتمعات القبلية الزراعية ، التي لم يتطور بعد فيها مفهوم القائد الأوحد لذلك يقود القبيلة أفضل محارب في حالة الحرب او أفضل دبلوماسي في حالة السلم.
2/المرحلة الثانية: هي مجتمع الرق والتي تعبر عن بداية المجتمع الطبقي حيث تتطور فيها الملكية الخاصة.
3/المرحلة الثالثة: هي مرحلة الإقطاع ، التي تظهر فيها "بداية" إنهيار مجتمع الرق خلال العصور الوسطى حتى بدأت السياسة تتخذ شكلا نظاميا من الارستقراطية والثيوقراطية الحاكمة أوجهً لهذا النظام ، حتى بدأت ينجلي شكل الدولة القومية فيما بعد ، التي تشكلت فيها الأمم من بقايا الإمبراطوريات التي سقطت.
4/المرحلة الرابعة: الرأسمالية التي بدأت في الظهور إثر الحرب العالمية الثانية.
5/ المرحلة الخامسة هي الإشتراكية ، فبعد أن كسبت الطبقة العاملة الوعي الطبقي المتجذر عميقا في كل مجتمعات العالم حتى تقوم هذه المرحلة بثورة ضد الرأسماليين حينها سوف تتحقق الإشتراكية إذا نجح العمال في ذلك .. وهذه المرحلة هي المرحلة الحالية التي سيمر بها العالم بعد انقضاء أزمة فيروس كورونا سيجد الكثير من العمال أنفسهم بلا عمل ولا مأوى. الآن القوى المنتجة تكون حرة حقا في تطوير، ولكن بتخطيط ديمقراطي، دون الهدر الواسع للمجتمع الرأسمالي الفوضوي، حروبه وتدميره للكوكب. ومن المهام الرئيسية للعمال في المجتمع الاشتراكي، بعد وضع وسائل الإنتاج تحت ملكية جماعية، هو تدمير "آلية الدولة القديمة". وبالتالي، فإن الديمقراطية البرجوازية البرلمانية لن تبقى قائمة، وستلغى الأموال المالية والقروض -حسب وصف ماركس.
فإن المجتمع الاشتراكي الجديد يبدأ في كسر العادات المالية القديمة، لأن جهاز الدولة سوف يضمحل، وسوف يبدأ التنظيم الشيوعي للمجتمع في الظهور. الاشتراكية، في نظر الماركسيين، ستنجح في رفع نوعية الحياة للجميع من خلال إنهاء التناقضات المدمرة التي تنشأ في الرأسمالية من خلال الصراعات بين الرأسماليين المتنافسين والدول الرأسمالية المتنافسة، وتنتهي الحاجة إلى الغزو الإمبريالي لحيازة السلع الأسواق.
6/ الشيوعية أخيرا .. المرحلة السادسة
بعد تأسيس الاشتراكية سيقفز المجتمع إلى الأمام, ويكون للجميع الكثير من الممتلكات الشخصية، ولكن لا يستطيع أحد استغلال شخص آخر لتحقيق مكاسبا خاصة من خلال امتلاك احتكارات ضخمة، وهكذا دواليك. ستلغى الطبقات إذن وينتهي المجتمع الطبقي. الشيوعية سوف تنتشر الشيوعية في جميع أنحاء العالم وتكون عالمية. في نهاية المطاف ستضمحل الدولة بعد أن يعفو عليها الزمن، لأن الناس سيديرون حياتهم الخاصة دون الحاجة إلى الحكومات أو القوانين. وهكذا تتأسس الشيوعية عديمة الدولة أو الشيوعية الصرفة.
المرحلة السادسة او الكوزموبوليتية أو كما سميتها أنا ب "الشيوعية الليبرالية" تتسم بالميزات التالية حسب وصف الماركسية:
1-انعدام الدولة: لا توجد حكومات وقوانين ، ولا أمم بعد الآن.
2-انعدام الطبقات: تختفي كل الطبقات الاجتماعية؛ الجميع يعمل من أجل الآخرين.
3-انعدام الملكية: لا وجود المال أو الممتلكات الخاصة؛ يمكن استهلاك جميع السلع بحرية من قبل أي شخص يحتاج إليها.
وفي الرؤية الماركسية، فإن الشيوعية هي مرحلة حتمية في تاريخ البشرية، تأتي بعد مرحلة الاشتراكية التي تقوم على أنقاض المرحلة اللا قومية، ويرى ماركس أن الصراع التنافسي للبرجوازية يولد العهد الكوسموبوليتي الذي يغلب عليه الطابع الاحتكاري، وتحول الربح التنافسي للربح الاحتكاري سيؤدي إلى ثورات تفرض النظم الاشتراكية.
الخلاصة
يمكن الوصول إلى استنتاج أولي وهو أن "ما بعد الليبرالية" هو الإشتراكية ، أي بأن أوروبا والعالم مسير نحو حركة اشتراكية شعبوية وليست مجرد حركة قومية ، لأن الشعوب تتطور ولا تتخلف. وهذا يدل بأن ثورات عارمة -ليست بالضرورة ثورة مادية دموية- ستدور في الغرب فيما بعد انقضاء أزمة كورونا. وستدور رحى تلك الثورات في الوعي الفكري الغربي للتحول من الليبرالية إلى الشعبوية "الإشتراكية"
فإن مصطلح "ما بعد الليبرالية" ارهق أعتى المفكرين لتخيل وجه العالم السياسي ما بعد زول الليبرالية. هذا هو موضوع الطرح الأيديولوجي الذي يشغل جميع المفكرين الآن وكتبت فيه الآلاف المقالات وعشرات الكتب لكن أحدا منهم لم يتوقع بأن ما بعد الليبرالية هي الإشتراكية الشعبوبية التي ستعصف بمعظم دول العالم أن لم تكن كلها.
وثاني تلك الاستنتاجات وهو بأن التاريخ موجهة ، ليس كما نظن نحن وليس كما أدعى ماركس -رغم صدق نظريته- ليس موجه ماديا حسب طرح الماركسي للمادية التاريخية رغم صحتها ، لكن التاريخ موجه فكريا ، لكن تستخدم المادة فقط لتطويع الفكر وترغيبه وترهيبه .. وهذا طرح فلسفي لا يمكننا الخوض فيه الآن.
السؤال الأهم: هل ستنهار الرأسمالية من تلقاء نفسها عبر إعلان البنوك إفلاسها؟ وتعلن تحولها إلي الإشتراكية ، أم بعد انقشاع أزمة كورونا سيصيب الذعر للحركة النقدية العالمية (وهي أزمة الرأسمالية الحالية) حتى يتهافت المودعين بسحب أموالهم؟ النتيجة واحدة.
في استطلاع للرأي أجراه معهد غالوب الأمريكي الشهير "Gallup poll" تم طرح سؤال على شباب أمريكي دون الثلاثين من العمر "هل تصوتون لرئيس اشتراكي؟" أجاب 69% "أجل" .. وهذا يفيد بأن العالم الآن يعيش أزمة نظام كامل وليس أزمة سياسية عادية. فإن التوجه العالمي عامة والأوروبي والأمريكي خاصة -وفقا للتحليلات السابقة- نحو الإشتراكية الليبرالية كمرحلة أولية ، أمر لا مفر منه. الإشتراكية الليبرالية لا تهدف إلى إلغاء الرأسمالية بالكامل ، لكنها تدعم الإقتصاد المختلط الذي يشمل الملكية الخاصة والجماعية وهذا ما تهدف إليه سياسة الأتحاد الأوروبي الجديدة ما بعد الليبرالية أي سياسة التأميم التي ستبدأ أولى مراحلها من السكك الحديد ووسائل النقل العامة داخل الاتحاد الأوروبي. وما يجعل تلك الأحداث قابلة للحدوث هو المشروع الصيني "الإشتراكي الأصل" مبادرة "الحزام والطريق" الحزام البري والطريق البحري الذي يربط معظم دول العالم ببعضها البعض. والتي على إثرها أطلق الأتحاد الأوروبي مشروع مشابه لربط دول آسيا بالاتحاد الأوروبي ، أطلق عليه "استراتيجية آسيا للتواصل"
يوسف نبيل فوزي
3 أبريل 2020
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.