قصة قصيرة مريم أرملة في الخمسين من عمرها ، توفي عنها زوجها بمرض عضال قبل عدة سنوات. ترك لها أطفالا خمسة، أكبرهم في الخامسة عشرة من عمره وأصغرهم ذو سبع سنوات. تقوم برعايتهم وتعمل بالزراعة التقليدية المطرية البسيطة ، كما يعمل معظم أهل القرية والسكان في ذلك الجزء من الوطن .. يساعدها في ذلك أبناؤها في غير أوقات دراستهم.. إضافة إلي عملها هذا تقوم مريم بتربية بعض الأغنام .. تستفيد من ألبانها في تغذية أبنائها كما تحصل منها علي بعض المال ببيع جزء منها لتلبية احتياجات العائلة ومتطلبات تعليم أبنائها. في أحد الأيام فقدت مريم معزتين .. توأم .. لا تفترقان .. تنيتان .. عمر سنتين .. بحثت عنهما بين أغنام الجيران في الحي الذي تسكن فيه بالقرية .. مساء ذلك اليوم .. بعد عودة أغنام القرية من المرعي .. لم تجدهما .. أشار عليها البعض إن تذهب صباح اليوم الثاني الي منزل الشيخ .. حيث زريبة الهوامل .. وهي زريبة من الشوك .. تحفظ فيها البهائم بأنواعها المختلفة .. ضأن ، ماعز ، أبقار وغيرها .. منها الهامل المفقود .. ومنها المتعدي علي المزارع في فصل الخريف أو الدرات (موسم الحصاد) .. أو علي الصمغ المنتج من أشجار الهشاب في فصل الصيف .. يسوقها المتضررون منها .. ويتم إدخالها زريبة الهوامل بمنزل شيخ القرية .. لحفظها لحين حضور أهلها لاستلامها .. أو لمحاسبة ملاكها .. إنذارا وعفوا .. أو غرامة بعد تقدير الضرر الذي أحدثته.. في ضحي اليوم الثاني ذهبت مريم الي دار شيخ القرية .. مرت علي زريبة الهوامل أولا .. نظرت فوق الزريبة .. المصنوعة من أفرع أشجار الكتر .. والذي ارتفع سورها فوق الأرض بما يزيد عن المتر .. كانت بها عدة بهائم .. تفحصتها بدقة .. لمحت أحدي المعزتين .. تأكدت منها .. لم تستبين الثانية .. تأكدت من ذلك أيضا .. قررت أن تسأل الشيخ ..عن سبب حجز أغنامها .. وعن المعزة الثانية .. لأنهما لا تفترقان .. كانت هناك مجموعة من الرجال .. جلوس علي بضع عناقريب في شكل شبه دائري تحت ظل شجرة نيم .. وارفة ظليلة .. يتجادلون ..هذا لا يهمها .. ابتدرتهم التحية .. وسألت عن الشيخ .. رد أحدهم قائلا : البسلخ في الغنماية (المعزة) الشايفاها قدامك (أمامك) .. هو الشيخ ! إقتربت من الرجل ..كان في عمر الأربعين ..ذو لحية بيضاء خفيفة.. كما لون الطاقية علي رأسه .. مربوع القامة .. رافعا الجزء الأسفل من العراقي الذي يلبسه .. محزوما به حول وسطه .. مشمرا عن ساعدين قويين .. يحمل سكينا في يده اليمنى.. وممسكا بجلد الذبيحة الذي تدلي في وسطها باليسري.. غير مصدقة رأت مريم الشيخ أمامها بكامل هيئته وهو يسلخ المعزة الأخري أمامها !! إمتزجت مشاعرها بالحزن والغضب .. دمعت عيناها .. جالت نظراتها .. يمينا ويسارا .. بين الشيخ .. والمعزة المعلقة بحبل متين .. تمنت أن يكون الشيخ معلقا به في تلك اللحظة من رقبته .. لا من رجليه .. كما معزتها المعلقة من أطرافها الخلفية.. علي أحد الأفرع الطرفية لشجرة النيم .. تدلي رأسها مهتزا .. والدم يقطر من رقبتها .. في مشهد أعلن فيه الشيخ جريمته الكبرى.. ذبح العدالة .. وسلخها .. علي مرأي ومسمع مجلسه !! بل وبمشاركته !! كسرة : (أستميح أستاذنا الجليل الفاتح جبرة .. متعه الله بالعافية) .. كم منا مثل هذا الشيخ ذبح العدالة وسلخها ؟ وما زال !! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.