الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر البرهان يقف على مراسم "دفن" نجله ويتلقى التعازي من أمام قبره بتركيا    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث الشعبي للرزيقات البقارة في ولاية شرق دارفور...خواطر من وحي قرية الفردوس: الجزء الثاني ... بقلم: محمد علي مسار الحاج
نشر في سودانيل يوم 03 - 08 - 2020

التراث الشعبي للرزيقات البقارة في ولاية شرق دارفور...خواطر من وحي قرية الفردوس ... سلام على الهادية ... بلد ابو نادية، الجزء الثاني ...بقلم: محمد علي مسار الحاج
ونمل السنطة الأسود (ام قُرَاصَة) له لسعاتٍ تحدث ورماً في الجسم و ألماً رهيباً لا يزول إلا بعد مدةٍ طويلة. وعادةً ما توصينا الأمهات بوضع اللعاب علي مكان اللسعة للتقليل من الألم. ومن الحشرات الكبيرة أو الصغيرة الزاحفة تحت أشجار السنطة، (ام شرابة)، والجُعل (ابونجعران)، و(ام مَنَنُو)، والذر الاحمر، والنمل، وأبونجلوك، وأم شِنينة، والحرباء، وأم طَهَّارَة، والدَلَم، الذي يوجد تحت الأشجار التي تستظل بها البهائم في المقيل، خاصةً الابقار، وهو مصاص دماء حقيقي تترك قرصته حكة خفيفة علي الجلد. ومنها حشرة تسمى (ابو دِنْقْا)، بحجم الصرصار الا ان لها درع صلب يغطي بطنها مكون من قحفين تفتحهما كالمظلة عن الطيران، واكثر ما تجده في شجر العَرَد حيث يقتات على اوراقه. وانثي ابودنقا لها بيضٌ صغيرٌ اصفر اللون مثل كبسولة الدواء يستخدمه الأطفال في صيد الذباب، حيث يقربون البيضة من الذبابة ويضغطون عليها بقوة فتنفجر ويصيب رشاش مادتها اللزجة الذبابة ويمنعها من الطيران. ويستخدم ابودنقا حواف القحفين مع الجزء الصلب الآخر الذي يغطي منطقة الصدر للاطباق بقوة على مقدمة اصبع من يحاول امساكه، وفي هذا يضربون مثلا شائعاً يقولون فيه(شوفوا ابودنقا من فلهمتو، يخلي خشمو ويعضي بعنقرتو)، وشوفوا بمعنى تأملوا، والفلهمة هي الغطرسة او البوبار، والخشم هو الفم والعنقرة هي ظهر الرقبة.
ومن الحشرات الجراد، ويقسمونه الى (تاتِلِك) وهو الجندب، وابونجلوك وهو ذكر الجراد و(ساري الليل). واخطرها ساري الليل الذي يأتي في اسراب مع مغيب الشمس، ويطير بالملايين حتى إن لأجنحته صوتٌ كأزيز المرجل، وهو كاللعنة ما حل بمنطقة الا دمر محاصيلها وأتى على الأخضر واليابس فيها. وهو على نفس خطورة اسراب الطيور التي تهاجم المزارع وتقضى على محصول الدخن، وهناك اشخاص معلومون (فُقَرَا) يلجأ اليهم الأهالي لدرأ هجمات اسراب الطيور والجراد، ولهم طقوس يقومون بها يزعمون انها تطرد اسراب الطير والجراد من البلدة. ومنهم اولاد ابوفييسة، ويتوارثون السر والمهنة جيلاً بعد جيل.
ويقل ماء السنطة رويداً، رويداً حتي يجف تماماً في شهر أبريل. فاذا انحسر الماء تصبح السنطة خطراً ماحقاً علي الحيوانات الضعيفة التي ترد لشرب الماء فتسوخ قوائمها في الطين وربما تموت اذا لم يتداركها أحد. وعادةً ما يقوم أصحابها، او بعض المتطوعين باخراج جثث الحيوانات النافقة ويجرونها بعيدا. ولا تمكث الجثة الا برهةً حتي تجتذب النسور (لا ادري كيف، ومن اين؟). اذ تبدأ الجوارح القَمَّامَة، كالنسر الاصلع (جقينة)، و(ابونخريطة)، و(الحدأة)، بالتوافد، ثم سرعان ما تتكاثر على الجثة (الفطيسة) كأنها علي موعد، وتسمع وتري لها شجاراً عنيفاً وزعيقا، وهي تلتهم قطع اللحم الذي تقطعه بمناقيرها الحادة، ولا يأتي العصر، والا وقد جري التهام جميع لحم جثة الحيوان النافق ولا يبقي منها إلا العظام، وعندئذٍ تبدأ النسور في المغادرة واحداً بعد الآخر في نسقٍ عجيب، وتقوم بالتحليق عالياً في طيرانٍ دائري، تقبض أجنحتها العريضة ثم تبسطها، حتي تختفي عن الانظار. وكان أكثر ما يحيرني كيف عرفت هذه الطيور بوجود جثة الحيوان النافق، حتي كأن عنان السماء قد انشق عنها فجأة. وكان خيالي الطفولي الجامح يصور لي انها ربما تهبط من مكانٍ ما من السماء، ثم تعود اليه، لأنني لم ار لها اعشاشاً او بيوتاً في اي مكان من الفردوس حتي الوادي وهو على مسيرة يوم كامل بالدواب.
ومن معالم الفردوس البارزة (العِد)، او السانية، وهو مورد مائي يقع غرب دونكي الفردوس القديم. وتقع السانية في دَحَل (منخفض ارضي) واسع، به اشجار ضخمة كثيفة، تحفر فيه الآبار بطريقة يدوية، يقوم بها مختصون من اشهرهم في ذاك الوقت كان العم المرحوم آدم الساكن (آدم الكجم)، و المرحوم العم عبد السيد (قَلَّايَة)، او (البُنُونَات) كما يحلو لوالدي ان يمازحه، وكذلك العم المرحوم هويرة (ام قدود). والسانية ايضا هي ايضا عالمٌ آخر من عوالم الفردوس الغنية والنابضة بالحياة، والنشاط، والتواصل البشري. وهي كانت تبدو كخلية النحل من الصباح الي المساء.
وغالباً ما يكون عمق البئر تسعة رجال (ثمانية عشر مترا، او تزيد)، ويثبتون اول البئر برص حطب الشجر بطريقة هندسية مربعة، في قمة البراعة والاتقان، وعندما يصلون الي عين الماء يعرشونها بمطارق من شجر الغبيش الطرية، يلفونها حول قعر البئر بطريقة دائرية من اسفل الي اعلي حتى لا تتهدم من الداخل. ويستخدمون في استخراج الرمال من البئر اثناء الحفر، اناء مربوط بحبل يطلقون عليه (الشاية)، حتي اذا (وردت) البئر استخدموا الدلو لنشل الماء. والدلو اناءٌ مصنوعٌ من جلد الغنم المدبوغ يربط بحبلٍ طويل. ويستخدمون (البَكَّارَة)، وهي آلة مصنوعة من اربع خشبات من شجر الحميض او اللالوب، حيث تشد كل اثنين منها بسير من الجلد الني علي شكل علامة (x)، تثقبان من الوسط، وقريباً من الاطراف، ويضعون علي ثقوب الخشبات اربع عصي في شكل دولاب مربع يدور حول محوره علي عصا طويلة، ينصبونها علي شعبتين فوق البئر، ويسحبون بها الدلاء، وتسمع لها زعيقاً وصريرا. وللبئر حوضٌ او (تبريب) دائري من الطين يصبون عليه الماء لسقيا الدواب.
ولحفر الآبار طقوسٌ عجيبة تبدأ بذبح احد ذكور الماعز (بلضو بلضو)، ويطلقون علي ذلك (الكرامة)، لابعاد العين، والجن الذي يسمونه (العرمل)، او الأرمل، ويعتقدون انه يقبع في قعر البئر ويقوم بخنق الحفارين، لذلك يذرون حبات الرمل علي البئر لطرده قبل دخول الحفار، الذي يربطونه من وسطه بحبلٍ غليظ يسمى (الأصلة)، لسحب الحفار للخارج في حالات الطوارئ. ويتحزم الحفار بخرقة من القماش الخَلِق، يسمونها (التَفِيرَة)، حتي اذا بلغ قعر البئر يبدأ بالحفر، ثم يهز حبل الشاية اذا امتلأت ليقوم مساعده علي حافة البئر بجذبها للخارج، وتكويم الرمال حول البئر. وعندما ينتهي حفر البئر يوزعون التمر احتفالاً بالمناسبة. وعندما ينضب ماء البئر يقولون البئر (حَجَّرَت)، ويهجرونها فتصبح (هويرة)، وتكون خطرة علي الدواب والنساء والاطفال، لذلك يحيطونها فتحتها بزريبة من الشوك، ومع ذلك تقع بعض الحوادث، التي تدمي القلوب. رحم الله الأعمام المراحيم، الكجم، والبنونات، وام قدود، فقد كانوا أشهر من نار علي علم في ذلك الوقت، خاصةً في فترة الصيف عندما يكون العد أحد اهم مصدرين للمياه في الفردوس.
ومن معالم الفردوس أيضاً السوق، وهو يقع وسط القرية، وله يوم سوقٍ مشهود من كل أسبوع هو يوم السبت، يأتيه (الساواقة) من أطراف القري والضواحي، وكذلك يأتي إليه تجار (ام دَوَّرْوَّر)، علي اللواري واشهرها الفورد الأمريكي (السفنجة)، و(التميس قدوم قِصَيِّر)، ثم جاءت النيسان اليابانية، وكان الركاب يتسابقون للركوب عليها، لأنها سريعة، وتسبق السفنجة، والتيميس. ومن أقسام السوق (الدُخُولِيَّة)، وتسمي الزريبة وهي سوق الماشية، واول دخولية كان موقعها بالساحة جنوب مباني المحلية الحالية، ثم انتقلت الي اقصى شمال القرية، شرق (رقبة فرح)، على العم فرح ابو مشابك، احد قادة الرزيقات الافذاذ. وهناك الدكاكين المبنية بالمواد الثابتة مبنية في شكل مربع تتوسطها ساحة. وكان من أشهر أصحاب او مستأجري تلك الدكاكين المرحوم آدم الرشيد، والسادة هاشم بشير، وآدم موسي، ودكان حاجة الشريتاية، التي كان بها مطعم للمرحوم (تَلَّقْلَقِي)، ومن أصحاب تلك الدكاكين المرحوم محمد خير، والمرحوم حسين ابو القاسم، وهما من اهل شبشة بالنيل الابيض (جلابة)، والمرحوم احمد باني، والعم آدموه حسن، ثم الامين مختار، والصائغ المرحوم العم فضيلة جمعة، وبجواره فاكهة المجالس الصائغ (آدم جماع) امد الله في عمره. اما سوق الشَبَّاشَة (تجار الملابس الجاهزة) المستجلبة او المصنعة محلياً (علقونا) او الاحذية البلاستيكية، فيقع جنوب الدكاكين الثابتة، ويتكون من صفوفٍ متوازية من الرواكيب الصغيرة، يفرش التجار تحتها بضاعتهم علي الأرض ويعلقون الملابس على الحبال، تفصل بينها شوارع ضيقة، تكون شديدة الزحام يوم (السوق). ويقع سوق الحدادين غرب سوق الشباشة.
وشرق سوق الشباشة، كانت هناك صفوف من الحوانيت المصنوعة من الزنك، او الصفيح تمتد في صفوف بينها شوارع عريضة، حتي سوق الحبوب (العيش) الذي تتوسطه لالوبة كبيرة، ومن اشهر تجاره في تلك الايام، المرحوم سليمان (كجارية)، والمرحوم عيسى (بليوه)، والعم حامد شارف امد الله في عمره. ومن اشهر تجار الحوانيت العم المرحوم محمد الأمين جفون، صاحب دكان القماش الوحيد في السوق، ومعه الترزيان البارعان (ود ابراهيم)، والعم آدم موسى. ومن اصحاب الحوانيت كذلك، وهم كثر، اذكر العم المرحوم عبد الرحمن بخاري، والعم آدم درار، والعم محمد أحمد الشعراني، والعم جفون قردود، الاخ احمد خيرات امد الله في عمره، وهو قد استلم الدكان من الوجيه (جبانقي). ومن اصحاب الحوانيت المشهورين كذلك، العمة الحاجة حارنة، امد الله في عمرها، تاجرة ادوات المطبخ، وهي تستحق التكريم كونها اول امرأة نجحت في ممارسة العمل الشريف عبر التجارة، وفتحت الباب علي مصراعيه لتشجيع سيدات الفردوس الكريمات علي العمل والكسب الحلال. وغرب سوق الحبوب يقع سوق الجلود، و الاسكافية، ومن اشهر اصحاب الحوانيت هناك العم المرحوم عبدالقادر (ابو جدو)، وله مدبغة يدوية في منزله شرق الدونكي العتيق. ومن أشهر الاسكافية العم المرحوم الضيف. وشرق سوق الجلود تقع طاحونة الماحي، عاصرت من كتبتها العم محمد صالح، والوجيه الماحي، والتوم محمد عثمان (كيكيك).
اما الجزارة فتقع شمال سوق العيش، ومن اشهر مالكيها العم المرحوم الشريف عبد الرسول، وقد كان من قادة ووجهاء الفردوس، ومعه الاخ عباس. وشمال الجزارة يقع سوق (المناصيص)، وتصنع من لحم الماعز المشوي على الجمر، وتؤدم (بالمُرين) وهو (صوص) محلي مصنوع من عصارة امعاء الذبيحة يلقي في بصل محمر بالزيت وتضاف اليه الصلصة والتوابل. ومن معالم الفردوس محكمة الفردوس التي عاصرت من رؤسائها العمدة خالد محمد نور، والمرحوم الزعيم الخالد العمدة محمود خالد، واذكر من اعضائها الاعمام المراحيم همة الدليديم، الذي كان له تقليد نادر في الكرم وهو دعوة كل المصلين في العيدين لتناول طعام الإفطار في بيته، وما زال هذا التقليد متواصلاً علي يد ابنه الشيخ ومعتمد شعيرية السابق محمود همة الدليديم. ومن اعضاء المحكمة المراحيم، الوالد علي مسار، والعم رحمة الله مأمون، والعم الطاهر كندرة، والعم احمد راس التور، والعم البني، والعم فضل الدليديم، والعم فضيلة احمد، والحاج موسى عتيق امد الله في عمره. ومن اشهر خفرائها المراحيم العم وافي، والعم عبد الرحمن ابو كِم، والعم يحي العِميدة، والعم رحمة الله (جييك).
ومن معالم الفردوس التاريخية ايضا الجامع العتيق وقد اقيم في موقع كانت به قطاطي العم المرحوم حسن خسرانة، أشهر شعراء ومغنيي ولاعبي (قَنْدَلَة)، وكان بني اول الامر من القصب علي هيئة (كُرْنْك)، حوله حوش من شجر الغبيش، وكان مؤذنه فكي عيسى ذو الصوت الشجي الجميل الذي جاء بعده علي ابوستة، وإمامه الفكي حامد دوتم عليه الرحمة، الذي كان مثالاً للتدين الحق، والعلم والأخلاق الكريمة، والتواضع. وكان مستجاب الدعوة، لا يتدخل في السياسة. وكان اذا أم المصلين في صلاة الاستسقاء، هطل المطر.
ومن معالمها التاريخية أيضاً، الشفخانة، والبيطري، ونقطة البوليس، ومكتب البريد، ومكتب الصحة، والبورصة، والكر، والمربط، وزريبة الهوامل. واول من عمل بالشفخانة كان المرحوم العم محمد العوض، الذي كان تمرجياً رائعاً ومحبوباً. اما من المساعدين الطبيين الذين عاصرتهم فمحمد مختار. ومن المساعدين الطبيين البيطريين فقد عاصرت المرحومين صديق، وسيد البشرى، اللذان كانا في قمة الانسجام مع الاهالي، وكان يعمل معهما المرحومان العم محمود حرير، والعم احمد آدم. وكان موقع الكر المخصص لتطعيم البهائم يقع وسط القوز الممتد غرب مباني هيئة توفير المياه الحالية، وذلك قبل عمارة القوز الحالية. وكان للفردوس مكتباً للبريد في غاية الدقة والسرعة، وكان يشرف عليه المرحوم حامد فضل فضل الكريم، الذي بني له دكاناً في منزله الفسيح شرق الدونكي القديم. اما مكتب الصحة فكان تحت ادارة ايقونة الفردوس وفاكهة مجالسها المرحوم حماد حامد غيبش (ابو غزالة).
ويقع مبنى البورصة غرب الدكاكين المبنية بالمواد الثابتة، وهو مكون من سور مستطيل في منتصف حائطه الشمالي يوجد مكتب به غرفتان تفصل بينهما برندة صغيرة وبداخل السور شجرة عرد ضخمة تكوم تحتها جوالات الفول في الموسم. وبين الدكاكين والبورصة هناك شجرة هبيل ضخمة تفرش تحتها بائعات الكسرة، والزيت، والسمن، وسراير القنا، والمصنوعات اليدوية والجلدية، من (شَبَك)، و(ضبايا)، و(قزاز مرشي)، وبروش، وشكاكيب. ومن ابرز رؤساء نقطة البوليس الذين عاصرتهم المرحوم الشاويش الصادق سبيل، والمرحوم العم الرقيب حميدان، وقد كانا مثالا للانضباط، والمهنية، مع التمتع بعلاقات اجتماعية واسعة مع اهل القرية. اما المربط فقد كان المرحوم الوالد دائماً ما يفوز بشرائه في المزاد العلني الذي يعقد لبيعه كل عام، واما زريبة الهوامل فقد كانت دائما ما يشتريها عبر المزاد العلني العام، العم المرحوم همة الدليديم.
اما دونكي الفردوس العتيق فهو أيضاً كان من المعالم البارزة في الفردوس، وكان يتكون من قسمين: حوش كبير محاط بالأسلاك الشائكة وبه بئران، وصهريج ضخم من المعدن اسود اللون، محدودب الظهر يقوم علي قوائم حديدية مرتفعة، اضيف إليه فيما بعد صهريج آخر مربع احمر اللون. وكانت فيه غرفتان من البلوك المصنوع من الطين المستخرج اثناء حفر الآبار، احدهما كانت تستخدم كمنزل للزيات، والاخري لكاتب الدونكي. وهناك زريبة المباع المصنوعة من الغبيش، تقع علي مسافة غرب حوش الدونكي، جوار شجرة لالوب صخمة، وبها غرفة للكاتب، ومجموعة من الحنفيات والاحواض لغرف الماء منها. وكثيراً ما تكون هذه الأحواض محاطةً في فصل الصيف (بالبرجوب)، وهو طين لزج ذو رائحة نفاذة يتكون من تدفق ماء الاحواض علي الارض اثناء تزاحم الناس والبهائم علي الماء. ومن أشهر خفراء الدونكي الذين عاصرتهم العم المرحوم ابراهيم قرض، والعم المرحوم فضيلة، الذي كانت له صيحة جهورية عندما يحتدم صراع الاهالي علي الأحواض يحبها اهل الفردوس. ومن كتبة الدونكي عاصرت العم المرحوم البشاري تقي، والاخ ادم يوسف امد الله في عمره.
النسيج الاجتماعي في الفردوس شديد الترابط والتداخل، ورغم انها تعتبر العاصمة الادارية (للنوايبة)، احد افرع قبيلة الرزيقات الرئيسية، الا انها ايضاً تذخر بالعديد من الاثنيات من قبائل دارفور، واهل السودان الآخرين، يعيشون في تناغمٍ، ومحبة، وسلام، بفضل السياسة الحكيمة التي اختطها مؤسس الفردوس، الراحل المقيم العمدة خالد محمد نور، وسار على هديها ورسخها من بعده ابنه المرحوم العمدة محمود خالد، ويسير على نهجمها العمدة الحالي السياسي الحاذة والمربي الفاضل عمر خالد فاجتذبت الفردوس بتسامح اهلها وطيبتهم، وحلو معشرهم اليها فئامٌ من الناس من شتى القبائل، عمروها، وتعايشوا فيها، واصبحوا جزءً اساسياً من نسيجها الاجتماعي الباهر. وقد شجعت هذه الميزة ان يدخل الكثيرون ويندمجوا في بطون النوايبة، ويصبحون منهم (دية وولية) أي لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
وهناك عدة حيشان الكبيرة الفردوس، تعد من المعالم البارزة للحياة الاجتماعية فيها. هذه الحيشان هي بمثابة النوادي لأهل الفردوس والفنادق لضيوفها، يغشونها عند الحاجة، او لحل مشكلة، او للتحية والسلام، ويغشاها كذلك الزوار والغرباء للمبيت. ومن أشهر هذه الحيشان حوش العمدة، وحوش آل مسار، وحوش آل الدليديم، وحوش آل حراز، وآل غيبش، وحوش موسى عتيق، وحوش حارن احمد، وحوش هاشم بشير، يغشونها صباح مساء ويجدون فيها الطعام والشاى، ويتزودون منها بالاخبار والمستجدات والتطورات المحلي منها وغير المحلي، وغالبا ًما يجتمعون فيها لمناقشة السياسة واحوال المعاش والخدمات وكل ما يهم الناس.
ولا تذكر السياسة والشخصيات العامة في الفردوس الا ويقفز للخيال ابن الفردوس والسياسي النحرير الباشمهندس عبد الله مسار، والذي لاشك انه احد الشخصيات المؤثرة في عالم السياسة الذين انجبتهم الفردوس وتركوا بصمات بارزة لا تخطؤها العين. وقد رفدت الفردوس الساحة ايضا بمجموعة من الاكادميين والعلماء، على رأسهم البروفسير ابراهيم احمد باني، ودكتور احمد علي الفائق ودكتور موسى دودين الحر، ومن الشخصيات العامة المشهورة في الفردوس فاكهة المجالس محمد احمد فرح الدور ( الازرق)، ورفيقه محمد احمد قجيجة (الاحمر). ومن البرلمانيين محمد عثمان حراز والعمدة ابراهيم على مسار، والعمدة محمد عمر الفاروق، ومن الشخصيات العامة ايضا رجل البر والاحسان شارف علي مسار الملقب (بالخضر)، والعمدة نجم الدين تيتة، وعبد الله الجنكاب وخالد ابو السيس وحارن أداو وعبد السيد الطاهر وبشرى علي مسار وبرام حماد والريح برة ومن المعلمين الاستاذ الحاج بخيت واخيه الصادق، والاستاذ جمعة حسن تيراب والاستاذ عبد القادر عثمان، والمعتمدين السابقين على الطاهر ومحمود همة الدليديم، ومن الاعلاميين الصحفي المبدع محمد صالح البشر (تريكو) وكذلك شاعر الرزيقات الفذ احمد تاج الدين شايب (ام شحاح ضل المنقة). ومن الشخصيات النسائية البارزة انتصار حامد خالد والساكنة مامن وصفية وزهراء علي مسار وآخريات وآخرين كثر لا يسع المجال لذكرهم.
ويقوم اقتصاد الفردوس على الزراعة والرعي والتجارة، وهي غنية بالثروة الحيوانية من ابقار واغنام وماعز، وابل، وخيل، ويمر بها المرحال الغربي (طُوطَاح)، والمرحال هو خط سير الرعاة البقارة اثنأء رحلتي (النشوق) شمالاً في موسم الخريف إلى تخوم نيالا، و(المؤوطاة) جنوباً في موسم الصيف، إلى (البطوح) في اعماق دولة جنوب السودان. والبطحة بلهجة الرزيقات هي مناطق السدود حيث تغمر المياه (الدحول) والغابات طوال العام. وللرزيقات النوايبة في الجهة المقابلة لهم من دار رزيقات، علاقات ضاربة الجذور مع اهلنا دينكا ملوال، والفراتيت.
وتنتج الفردوس بكثرة محاصيل الفول السوداني، والدخن، والذرة، و الصمغ العربي بنوعيه (الهشاب، أم سابو)، والسمسم، والعرديب والقضيم، و الأرز والكريب اللذان ينبتان في الرهود كفاحاً. وبالفردوس العديد من الاسواق الاسبوعية، من اشهرها ابو سنيدرة، وفنقا، وفرع الهبيل، والمبروك، والرياض، وسنون محمد نور، والسكَّارة، وابو عود، والأصل، والفريدة، وحرازة، والسرج، وازمري، وغيرها من اسواق (أم دورور).. وهنا لابد من ازجاء الشكر لابن الفردوس المعتق (حماد الطاهر) المغترب حالياً، والمولود في قرية (ام فروت)، سليل الرجل الصالح شاب ولد العالم (الراقد الدبيب)، وقريب العم محمد خميس وولده مربي الاجيال الاستاذ ابراهيم محمد خميس، والاثنان من ايقونات قرية ابو سنيدرة، وعنوان المحبة والتعايش مع اهلنا الهبانية. حماد هو الذي ذكرني بأهمية تناول بعض الجوانب الاجتماعية، والاقتصادية للفردوس لاستكمال الصورة. وقد ذكر حماد - وما بين القوسين من كلماته - ان (إبراز البعدين الانثربولوجي والاقتصاد سيكون مدخلا للاستثمار في المنطقة والدعوة للاستقرار شيئا ما، وتحسين نسل البار (البقر) والخيول عموماً، وإيجاد تنمية بشرية يستحقها أهل هذه المنطقة الصابرين، حتى لا يستمروا في مكابدة الترحال، ينشقوا مع طيور (ابومنقور)، ويؤوطوا مع طيور (الحبارة)، طوال حياتهم الضائعة بين اكل (الفايو والكردالة)، و(الفايو نبات ذو جذور مثل البطاطس والكردالة نبتة تنمو في غابات الجنوب لها حبوب يطحنونها ويقومون باكلها ايام المجاعات)، أو طلقة طائشة من شخصٍ تافه، من أجل نزاع حول سرقة بهائم أو ارض كلهم على وشك مغادرتها، إن لم يكن بسبب الترحال فبسبب هادم اللذات ومفرق الجماعات).
هذا غيضٌ من فيض، وبعض من صحائف تاريخ مدينة الفردوس الساحرة، ومحاولة لتذكر بعض الشخصيات الجميلة التي تركت بصماتٍ واضحةٍ علي مسيرة هذه القرية الباذخة، وعلى حياة الناس الرائعين هناك، ساستعرضها في الكتابات القادمة، اذا امد الله في الاعمار. وسلامٌ على الهادية... بلد (أبو نادية). ولأهل الفردوس مني التحية والسلام.
محمد علي مسار الحاج
الخرطوم
2 أغسطس 2020
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.