عقوبات الولايات المتحدة على السودان تحوّلت إلى "سكترما"    تفكيك بيان أبوظبي المنسوب للرباعية !!    لامين يامال: هكذا سأحتفل إذا فزت بالكرة الذهبية    الحزب الجمهوري: بيان «الرباعية» يتسق مع ما ظللنا ننادي به    "الدعم السريع" تسحق متحرك للجيش غرب أم درمان    القوز ابوحمد يستعرض مسار الصعود للممتاز    رئيس المجلس الرئاسي يبحث مع المبعوث البريطاني الأوضاع في السودان    أرسنال يستعيد نغمة الفوز    المريخ يدشن تجاربه الإعدادية والكاف يؤجل مباراته الأفريقية    احيانًا تُفضل القوى الخارجية فرض الفوضى والتفكك إذا لم تستطع السيطرة على البلد    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    مبابي ينقذ ريال مدريد من فخ سوسيداد رغم اللعب ب10 لاعبين    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عاجل..قرار من" كاف" تجاه نادي المريخ السوداني    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    لامين جمال.. قصة نجاح خارج المستطيل الأخضر    ترامب يلوح بفرض عقوبات كبيرة على روسيا    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    "تمبور": بيان الرباعية لا يؤثّر في خطة حسم الدعم السريع    شاهد بالفيديو.. جنود درع الشمال يحتفلون بتحرير "بارا" بالأغاني الحماسية (منايا ليك ما وقف)    شاهد بالفيديو.. وسط ضحكات وسخرية الجمهور.. جندي بالدعم السريع يهرب من المعركة وينفذ بجلده: (عيال كيكل ما بتداوسوا وأنا ماشي أرعى إبل وأمي قالت لي كان ما رجعت ما عافية ليك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بعد حصوله على قميص نادي الهلال السوداني.. مقدم برامج بقنوات "بي ان سبورت" يوجه رسالة للبرنس: (أعرفك من سنين عمرك ما هديتنى تيشيرت واليوم حصلت عليه بعرق جبيني)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل "بارا" وسط استقبالات حاشدة وغير مسبوقة وساخرون: (الدعامة والقحاتة الليلة ما بنوموا من الزعل)    شاهد بالصورة.. بعد الهجوم الإسفيري الشرس الذي تعرض له.. المذيعة تسابيح خاطر تتغزل في زوجها "الميرغني" وتسانده: (واثِق ُ الخطوةِ يمشي ملكاً)    أرميكا علي حافة الهاوية    الرئيس الرواندي يصل الدوحة    انتقادات عربية وأممية.. مجلس الأمن يدين الضربات في قطر    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث الشعبي للرزيقات البقارة في ولاية شرق دارفور...خواطر من وحي قرية الفردوس: الجزء الثاني ... بقلم: محمد علي مسار الحاج
نشر في سودانيل يوم 03 - 08 - 2020

التراث الشعبي للرزيقات البقارة في ولاية شرق دارفور...خواطر من وحي قرية الفردوس ... سلام على الهادية ... بلد ابو نادية، الجزء الثاني ...بقلم: محمد علي مسار الحاج
ونمل السنطة الأسود (ام قُرَاصَة) له لسعاتٍ تحدث ورماً في الجسم و ألماً رهيباً لا يزول إلا بعد مدةٍ طويلة. وعادةً ما توصينا الأمهات بوضع اللعاب علي مكان اللسعة للتقليل من الألم. ومن الحشرات الكبيرة أو الصغيرة الزاحفة تحت أشجار السنطة، (ام شرابة)، والجُعل (ابونجعران)، و(ام مَنَنُو)، والذر الاحمر، والنمل، وأبونجلوك، وأم شِنينة، والحرباء، وأم طَهَّارَة، والدَلَم، الذي يوجد تحت الأشجار التي تستظل بها البهائم في المقيل، خاصةً الابقار، وهو مصاص دماء حقيقي تترك قرصته حكة خفيفة علي الجلد. ومنها حشرة تسمى (ابو دِنْقْا)، بحجم الصرصار الا ان لها درع صلب يغطي بطنها مكون من قحفين تفتحهما كالمظلة عن الطيران، واكثر ما تجده في شجر العَرَد حيث يقتات على اوراقه. وانثي ابودنقا لها بيضٌ صغيرٌ اصفر اللون مثل كبسولة الدواء يستخدمه الأطفال في صيد الذباب، حيث يقربون البيضة من الذبابة ويضغطون عليها بقوة فتنفجر ويصيب رشاش مادتها اللزجة الذبابة ويمنعها من الطيران. ويستخدم ابودنقا حواف القحفين مع الجزء الصلب الآخر الذي يغطي منطقة الصدر للاطباق بقوة على مقدمة اصبع من يحاول امساكه، وفي هذا يضربون مثلا شائعاً يقولون فيه(شوفوا ابودنقا من فلهمتو، يخلي خشمو ويعضي بعنقرتو)، وشوفوا بمعنى تأملوا، والفلهمة هي الغطرسة او البوبار، والخشم هو الفم والعنقرة هي ظهر الرقبة.
ومن الحشرات الجراد، ويقسمونه الى (تاتِلِك) وهو الجندب، وابونجلوك وهو ذكر الجراد و(ساري الليل). واخطرها ساري الليل الذي يأتي في اسراب مع مغيب الشمس، ويطير بالملايين حتى إن لأجنحته صوتٌ كأزيز المرجل، وهو كاللعنة ما حل بمنطقة الا دمر محاصيلها وأتى على الأخضر واليابس فيها. وهو على نفس خطورة اسراب الطيور التي تهاجم المزارع وتقضى على محصول الدخن، وهناك اشخاص معلومون (فُقَرَا) يلجأ اليهم الأهالي لدرأ هجمات اسراب الطيور والجراد، ولهم طقوس يقومون بها يزعمون انها تطرد اسراب الطير والجراد من البلدة. ومنهم اولاد ابوفييسة، ويتوارثون السر والمهنة جيلاً بعد جيل.
ويقل ماء السنطة رويداً، رويداً حتي يجف تماماً في شهر أبريل. فاذا انحسر الماء تصبح السنطة خطراً ماحقاً علي الحيوانات الضعيفة التي ترد لشرب الماء فتسوخ قوائمها في الطين وربما تموت اذا لم يتداركها أحد. وعادةً ما يقوم أصحابها، او بعض المتطوعين باخراج جثث الحيوانات النافقة ويجرونها بعيدا. ولا تمكث الجثة الا برهةً حتي تجتذب النسور (لا ادري كيف، ومن اين؟). اذ تبدأ الجوارح القَمَّامَة، كالنسر الاصلع (جقينة)، و(ابونخريطة)، و(الحدأة)، بالتوافد، ثم سرعان ما تتكاثر على الجثة (الفطيسة) كأنها علي موعد، وتسمع وتري لها شجاراً عنيفاً وزعيقا، وهي تلتهم قطع اللحم الذي تقطعه بمناقيرها الحادة، ولا يأتي العصر، والا وقد جري التهام جميع لحم جثة الحيوان النافق ولا يبقي منها إلا العظام، وعندئذٍ تبدأ النسور في المغادرة واحداً بعد الآخر في نسقٍ عجيب، وتقوم بالتحليق عالياً في طيرانٍ دائري، تقبض أجنحتها العريضة ثم تبسطها، حتي تختفي عن الانظار. وكان أكثر ما يحيرني كيف عرفت هذه الطيور بوجود جثة الحيوان النافق، حتي كأن عنان السماء قد انشق عنها فجأة. وكان خيالي الطفولي الجامح يصور لي انها ربما تهبط من مكانٍ ما من السماء، ثم تعود اليه، لأنني لم ار لها اعشاشاً او بيوتاً في اي مكان من الفردوس حتي الوادي وهو على مسيرة يوم كامل بالدواب.
ومن معالم الفردوس البارزة (العِد)، او السانية، وهو مورد مائي يقع غرب دونكي الفردوس القديم. وتقع السانية في دَحَل (منخفض ارضي) واسع، به اشجار ضخمة كثيفة، تحفر فيه الآبار بطريقة يدوية، يقوم بها مختصون من اشهرهم في ذاك الوقت كان العم المرحوم آدم الساكن (آدم الكجم)، و المرحوم العم عبد السيد (قَلَّايَة)، او (البُنُونَات) كما يحلو لوالدي ان يمازحه، وكذلك العم المرحوم هويرة (ام قدود). والسانية ايضا هي ايضا عالمٌ آخر من عوالم الفردوس الغنية والنابضة بالحياة، والنشاط، والتواصل البشري. وهي كانت تبدو كخلية النحل من الصباح الي المساء.
وغالباً ما يكون عمق البئر تسعة رجال (ثمانية عشر مترا، او تزيد)، ويثبتون اول البئر برص حطب الشجر بطريقة هندسية مربعة، في قمة البراعة والاتقان، وعندما يصلون الي عين الماء يعرشونها بمطارق من شجر الغبيش الطرية، يلفونها حول قعر البئر بطريقة دائرية من اسفل الي اعلي حتى لا تتهدم من الداخل. ويستخدمون في استخراج الرمال من البئر اثناء الحفر، اناء مربوط بحبل يطلقون عليه (الشاية)، حتي اذا (وردت) البئر استخدموا الدلو لنشل الماء. والدلو اناءٌ مصنوعٌ من جلد الغنم المدبوغ يربط بحبلٍ طويل. ويستخدمون (البَكَّارَة)، وهي آلة مصنوعة من اربع خشبات من شجر الحميض او اللالوب، حيث تشد كل اثنين منها بسير من الجلد الني علي شكل علامة (x)، تثقبان من الوسط، وقريباً من الاطراف، ويضعون علي ثقوب الخشبات اربع عصي في شكل دولاب مربع يدور حول محوره علي عصا طويلة، ينصبونها علي شعبتين فوق البئر، ويسحبون بها الدلاء، وتسمع لها زعيقاً وصريرا. وللبئر حوضٌ او (تبريب) دائري من الطين يصبون عليه الماء لسقيا الدواب.
ولحفر الآبار طقوسٌ عجيبة تبدأ بذبح احد ذكور الماعز (بلضو بلضو)، ويطلقون علي ذلك (الكرامة)، لابعاد العين، والجن الذي يسمونه (العرمل)، او الأرمل، ويعتقدون انه يقبع في قعر البئر ويقوم بخنق الحفارين، لذلك يذرون حبات الرمل علي البئر لطرده قبل دخول الحفار، الذي يربطونه من وسطه بحبلٍ غليظ يسمى (الأصلة)، لسحب الحفار للخارج في حالات الطوارئ. ويتحزم الحفار بخرقة من القماش الخَلِق، يسمونها (التَفِيرَة)، حتي اذا بلغ قعر البئر يبدأ بالحفر، ثم يهز حبل الشاية اذا امتلأت ليقوم مساعده علي حافة البئر بجذبها للخارج، وتكويم الرمال حول البئر. وعندما ينتهي حفر البئر يوزعون التمر احتفالاً بالمناسبة. وعندما ينضب ماء البئر يقولون البئر (حَجَّرَت)، ويهجرونها فتصبح (هويرة)، وتكون خطرة علي الدواب والنساء والاطفال، لذلك يحيطونها فتحتها بزريبة من الشوك، ومع ذلك تقع بعض الحوادث، التي تدمي القلوب. رحم الله الأعمام المراحيم، الكجم، والبنونات، وام قدود، فقد كانوا أشهر من نار علي علم في ذلك الوقت، خاصةً في فترة الصيف عندما يكون العد أحد اهم مصدرين للمياه في الفردوس.
ومن معالم الفردوس أيضاً السوق، وهو يقع وسط القرية، وله يوم سوقٍ مشهود من كل أسبوع هو يوم السبت، يأتيه (الساواقة) من أطراف القري والضواحي، وكذلك يأتي إليه تجار (ام دَوَّرْوَّر)، علي اللواري واشهرها الفورد الأمريكي (السفنجة)، و(التميس قدوم قِصَيِّر)، ثم جاءت النيسان اليابانية، وكان الركاب يتسابقون للركوب عليها، لأنها سريعة، وتسبق السفنجة، والتيميس. ومن أقسام السوق (الدُخُولِيَّة)، وتسمي الزريبة وهي سوق الماشية، واول دخولية كان موقعها بالساحة جنوب مباني المحلية الحالية، ثم انتقلت الي اقصى شمال القرية، شرق (رقبة فرح)، على العم فرح ابو مشابك، احد قادة الرزيقات الافذاذ. وهناك الدكاكين المبنية بالمواد الثابتة مبنية في شكل مربع تتوسطها ساحة. وكان من أشهر أصحاب او مستأجري تلك الدكاكين المرحوم آدم الرشيد، والسادة هاشم بشير، وآدم موسي، ودكان حاجة الشريتاية، التي كان بها مطعم للمرحوم (تَلَّقْلَقِي)، ومن أصحاب تلك الدكاكين المرحوم محمد خير، والمرحوم حسين ابو القاسم، وهما من اهل شبشة بالنيل الابيض (جلابة)، والمرحوم احمد باني، والعم آدموه حسن، ثم الامين مختار، والصائغ المرحوم العم فضيلة جمعة، وبجواره فاكهة المجالس الصائغ (آدم جماع) امد الله في عمره. اما سوق الشَبَّاشَة (تجار الملابس الجاهزة) المستجلبة او المصنعة محلياً (علقونا) او الاحذية البلاستيكية، فيقع جنوب الدكاكين الثابتة، ويتكون من صفوفٍ متوازية من الرواكيب الصغيرة، يفرش التجار تحتها بضاعتهم علي الأرض ويعلقون الملابس على الحبال، تفصل بينها شوارع ضيقة، تكون شديدة الزحام يوم (السوق). ويقع سوق الحدادين غرب سوق الشباشة.
وشرق سوق الشباشة، كانت هناك صفوف من الحوانيت المصنوعة من الزنك، او الصفيح تمتد في صفوف بينها شوارع عريضة، حتي سوق الحبوب (العيش) الذي تتوسطه لالوبة كبيرة، ومن اشهر تجاره في تلك الايام، المرحوم سليمان (كجارية)، والمرحوم عيسى (بليوه)، والعم حامد شارف امد الله في عمره. ومن اشهر تجار الحوانيت العم المرحوم محمد الأمين جفون، صاحب دكان القماش الوحيد في السوق، ومعه الترزيان البارعان (ود ابراهيم)، والعم آدم موسى. ومن اصحاب الحوانيت كذلك، وهم كثر، اذكر العم المرحوم عبد الرحمن بخاري، والعم آدم درار، والعم محمد أحمد الشعراني، والعم جفون قردود، الاخ احمد خيرات امد الله في عمره، وهو قد استلم الدكان من الوجيه (جبانقي). ومن اصحاب الحوانيت المشهورين كذلك، العمة الحاجة حارنة، امد الله في عمرها، تاجرة ادوات المطبخ، وهي تستحق التكريم كونها اول امرأة نجحت في ممارسة العمل الشريف عبر التجارة، وفتحت الباب علي مصراعيه لتشجيع سيدات الفردوس الكريمات علي العمل والكسب الحلال. وغرب سوق الحبوب يقع سوق الجلود، و الاسكافية، ومن اشهر اصحاب الحوانيت هناك العم المرحوم عبدالقادر (ابو جدو)، وله مدبغة يدوية في منزله شرق الدونكي العتيق. ومن أشهر الاسكافية العم المرحوم الضيف. وشرق سوق الجلود تقع طاحونة الماحي، عاصرت من كتبتها العم محمد صالح، والوجيه الماحي، والتوم محمد عثمان (كيكيك).
اما الجزارة فتقع شمال سوق العيش، ومن اشهر مالكيها العم المرحوم الشريف عبد الرسول، وقد كان من قادة ووجهاء الفردوس، ومعه الاخ عباس. وشمال الجزارة يقع سوق (المناصيص)، وتصنع من لحم الماعز المشوي على الجمر، وتؤدم (بالمُرين) وهو (صوص) محلي مصنوع من عصارة امعاء الذبيحة يلقي في بصل محمر بالزيت وتضاف اليه الصلصة والتوابل. ومن معالم الفردوس محكمة الفردوس التي عاصرت من رؤسائها العمدة خالد محمد نور، والمرحوم الزعيم الخالد العمدة محمود خالد، واذكر من اعضائها الاعمام المراحيم همة الدليديم، الذي كان له تقليد نادر في الكرم وهو دعوة كل المصلين في العيدين لتناول طعام الإفطار في بيته، وما زال هذا التقليد متواصلاً علي يد ابنه الشيخ ومعتمد شعيرية السابق محمود همة الدليديم. ومن اعضاء المحكمة المراحيم، الوالد علي مسار، والعم رحمة الله مأمون، والعم الطاهر كندرة، والعم احمد راس التور، والعم البني، والعم فضل الدليديم، والعم فضيلة احمد، والحاج موسى عتيق امد الله في عمره. ومن اشهر خفرائها المراحيم العم وافي، والعم عبد الرحمن ابو كِم، والعم يحي العِميدة، والعم رحمة الله (جييك).
ومن معالم الفردوس التاريخية ايضا الجامع العتيق وقد اقيم في موقع كانت به قطاطي العم المرحوم حسن خسرانة، أشهر شعراء ومغنيي ولاعبي (قَنْدَلَة)، وكان بني اول الامر من القصب علي هيئة (كُرْنْك)، حوله حوش من شجر الغبيش، وكان مؤذنه فكي عيسى ذو الصوت الشجي الجميل الذي جاء بعده علي ابوستة، وإمامه الفكي حامد دوتم عليه الرحمة، الذي كان مثالاً للتدين الحق، والعلم والأخلاق الكريمة، والتواضع. وكان مستجاب الدعوة، لا يتدخل في السياسة. وكان اذا أم المصلين في صلاة الاستسقاء، هطل المطر.
ومن معالمها التاريخية أيضاً، الشفخانة، والبيطري، ونقطة البوليس، ومكتب البريد، ومكتب الصحة، والبورصة، والكر، والمربط، وزريبة الهوامل. واول من عمل بالشفخانة كان المرحوم العم محمد العوض، الذي كان تمرجياً رائعاً ومحبوباً. اما من المساعدين الطبيين الذين عاصرتهم فمحمد مختار. ومن المساعدين الطبيين البيطريين فقد عاصرت المرحومين صديق، وسيد البشرى، اللذان كانا في قمة الانسجام مع الاهالي، وكان يعمل معهما المرحومان العم محمود حرير، والعم احمد آدم. وكان موقع الكر المخصص لتطعيم البهائم يقع وسط القوز الممتد غرب مباني هيئة توفير المياه الحالية، وذلك قبل عمارة القوز الحالية. وكان للفردوس مكتباً للبريد في غاية الدقة والسرعة، وكان يشرف عليه المرحوم حامد فضل فضل الكريم، الذي بني له دكاناً في منزله الفسيح شرق الدونكي القديم. اما مكتب الصحة فكان تحت ادارة ايقونة الفردوس وفاكهة مجالسها المرحوم حماد حامد غيبش (ابو غزالة).
ويقع مبنى البورصة غرب الدكاكين المبنية بالمواد الثابتة، وهو مكون من سور مستطيل في منتصف حائطه الشمالي يوجد مكتب به غرفتان تفصل بينهما برندة صغيرة وبداخل السور شجرة عرد ضخمة تكوم تحتها جوالات الفول في الموسم. وبين الدكاكين والبورصة هناك شجرة هبيل ضخمة تفرش تحتها بائعات الكسرة، والزيت، والسمن، وسراير القنا، والمصنوعات اليدوية والجلدية، من (شَبَك)، و(ضبايا)، و(قزاز مرشي)، وبروش، وشكاكيب. ومن ابرز رؤساء نقطة البوليس الذين عاصرتهم المرحوم الشاويش الصادق سبيل، والمرحوم العم الرقيب حميدان، وقد كانا مثالا للانضباط، والمهنية، مع التمتع بعلاقات اجتماعية واسعة مع اهل القرية. اما المربط فقد كان المرحوم الوالد دائماً ما يفوز بشرائه في المزاد العلني الذي يعقد لبيعه كل عام، واما زريبة الهوامل فقد كانت دائما ما يشتريها عبر المزاد العلني العام، العم المرحوم همة الدليديم.
اما دونكي الفردوس العتيق فهو أيضاً كان من المعالم البارزة في الفردوس، وكان يتكون من قسمين: حوش كبير محاط بالأسلاك الشائكة وبه بئران، وصهريج ضخم من المعدن اسود اللون، محدودب الظهر يقوم علي قوائم حديدية مرتفعة، اضيف إليه فيما بعد صهريج آخر مربع احمر اللون. وكانت فيه غرفتان من البلوك المصنوع من الطين المستخرج اثناء حفر الآبار، احدهما كانت تستخدم كمنزل للزيات، والاخري لكاتب الدونكي. وهناك زريبة المباع المصنوعة من الغبيش، تقع علي مسافة غرب حوش الدونكي، جوار شجرة لالوب صخمة، وبها غرفة للكاتب، ومجموعة من الحنفيات والاحواض لغرف الماء منها. وكثيراً ما تكون هذه الأحواض محاطةً في فصل الصيف (بالبرجوب)، وهو طين لزج ذو رائحة نفاذة يتكون من تدفق ماء الاحواض علي الارض اثناء تزاحم الناس والبهائم علي الماء. ومن أشهر خفراء الدونكي الذين عاصرتهم العم المرحوم ابراهيم قرض، والعم المرحوم فضيلة، الذي كانت له صيحة جهورية عندما يحتدم صراع الاهالي علي الأحواض يحبها اهل الفردوس. ومن كتبة الدونكي عاصرت العم المرحوم البشاري تقي، والاخ ادم يوسف امد الله في عمره.
النسيج الاجتماعي في الفردوس شديد الترابط والتداخل، ورغم انها تعتبر العاصمة الادارية (للنوايبة)، احد افرع قبيلة الرزيقات الرئيسية، الا انها ايضاً تذخر بالعديد من الاثنيات من قبائل دارفور، واهل السودان الآخرين، يعيشون في تناغمٍ، ومحبة، وسلام، بفضل السياسة الحكيمة التي اختطها مؤسس الفردوس، الراحل المقيم العمدة خالد محمد نور، وسار على هديها ورسخها من بعده ابنه المرحوم العمدة محمود خالد، ويسير على نهجمها العمدة الحالي السياسي الحاذة والمربي الفاضل عمر خالد فاجتذبت الفردوس بتسامح اهلها وطيبتهم، وحلو معشرهم اليها فئامٌ من الناس من شتى القبائل، عمروها، وتعايشوا فيها، واصبحوا جزءً اساسياً من نسيجها الاجتماعي الباهر. وقد شجعت هذه الميزة ان يدخل الكثيرون ويندمجوا في بطون النوايبة، ويصبحون منهم (دية وولية) أي لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
وهناك عدة حيشان الكبيرة الفردوس، تعد من المعالم البارزة للحياة الاجتماعية فيها. هذه الحيشان هي بمثابة النوادي لأهل الفردوس والفنادق لضيوفها، يغشونها عند الحاجة، او لحل مشكلة، او للتحية والسلام، ويغشاها كذلك الزوار والغرباء للمبيت. ومن أشهر هذه الحيشان حوش العمدة، وحوش آل مسار، وحوش آل الدليديم، وحوش آل حراز، وآل غيبش، وحوش موسى عتيق، وحوش حارن احمد، وحوش هاشم بشير، يغشونها صباح مساء ويجدون فيها الطعام والشاى، ويتزودون منها بالاخبار والمستجدات والتطورات المحلي منها وغير المحلي، وغالبا ًما يجتمعون فيها لمناقشة السياسة واحوال المعاش والخدمات وكل ما يهم الناس.
ولا تذكر السياسة والشخصيات العامة في الفردوس الا ويقفز للخيال ابن الفردوس والسياسي النحرير الباشمهندس عبد الله مسار، والذي لاشك انه احد الشخصيات المؤثرة في عالم السياسة الذين انجبتهم الفردوس وتركوا بصمات بارزة لا تخطؤها العين. وقد رفدت الفردوس الساحة ايضا بمجموعة من الاكادميين والعلماء، على رأسهم البروفسير ابراهيم احمد باني، ودكتور احمد علي الفائق ودكتور موسى دودين الحر، ومن الشخصيات العامة المشهورة في الفردوس فاكهة المجالس محمد احمد فرح الدور ( الازرق)، ورفيقه محمد احمد قجيجة (الاحمر). ومن البرلمانيين محمد عثمان حراز والعمدة ابراهيم على مسار، والعمدة محمد عمر الفاروق، ومن الشخصيات العامة ايضا رجل البر والاحسان شارف علي مسار الملقب (بالخضر)، والعمدة نجم الدين تيتة، وعبد الله الجنكاب وخالد ابو السيس وحارن أداو وعبد السيد الطاهر وبشرى علي مسار وبرام حماد والريح برة ومن المعلمين الاستاذ الحاج بخيت واخيه الصادق، والاستاذ جمعة حسن تيراب والاستاذ عبد القادر عثمان، والمعتمدين السابقين على الطاهر ومحمود همة الدليديم، ومن الاعلاميين الصحفي المبدع محمد صالح البشر (تريكو) وكذلك شاعر الرزيقات الفذ احمد تاج الدين شايب (ام شحاح ضل المنقة). ومن الشخصيات النسائية البارزة انتصار حامد خالد والساكنة مامن وصفية وزهراء علي مسار وآخريات وآخرين كثر لا يسع المجال لذكرهم.
ويقوم اقتصاد الفردوس على الزراعة والرعي والتجارة، وهي غنية بالثروة الحيوانية من ابقار واغنام وماعز، وابل، وخيل، ويمر بها المرحال الغربي (طُوطَاح)، والمرحال هو خط سير الرعاة البقارة اثنأء رحلتي (النشوق) شمالاً في موسم الخريف إلى تخوم نيالا، و(المؤوطاة) جنوباً في موسم الصيف، إلى (البطوح) في اعماق دولة جنوب السودان. والبطحة بلهجة الرزيقات هي مناطق السدود حيث تغمر المياه (الدحول) والغابات طوال العام. وللرزيقات النوايبة في الجهة المقابلة لهم من دار رزيقات، علاقات ضاربة الجذور مع اهلنا دينكا ملوال، والفراتيت.
وتنتج الفردوس بكثرة محاصيل الفول السوداني، والدخن، والذرة، و الصمغ العربي بنوعيه (الهشاب، أم سابو)، والسمسم، والعرديب والقضيم، و الأرز والكريب اللذان ينبتان في الرهود كفاحاً. وبالفردوس العديد من الاسواق الاسبوعية، من اشهرها ابو سنيدرة، وفنقا، وفرع الهبيل، والمبروك، والرياض، وسنون محمد نور، والسكَّارة، وابو عود، والأصل، والفريدة، وحرازة، والسرج، وازمري، وغيرها من اسواق (أم دورور).. وهنا لابد من ازجاء الشكر لابن الفردوس المعتق (حماد الطاهر) المغترب حالياً، والمولود في قرية (ام فروت)، سليل الرجل الصالح شاب ولد العالم (الراقد الدبيب)، وقريب العم محمد خميس وولده مربي الاجيال الاستاذ ابراهيم محمد خميس، والاثنان من ايقونات قرية ابو سنيدرة، وعنوان المحبة والتعايش مع اهلنا الهبانية. حماد هو الذي ذكرني بأهمية تناول بعض الجوانب الاجتماعية، والاقتصادية للفردوس لاستكمال الصورة. وقد ذكر حماد - وما بين القوسين من كلماته - ان (إبراز البعدين الانثربولوجي والاقتصاد سيكون مدخلا للاستثمار في المنطقة والدعوة للاستقرار شيئا ما، وتحسين نسل البار (البقر) والخيول عموماً، وإيجاد تنمية بشرية يستحقها أهل هذه المنطقة الصابرين، حتى لا يستمروا في مكابدة الترحال، ينشقوا مع طيور (ابومنقور)، ويؤوطوا مع طيور (الحبارة)، طوال حياتهم الضائعة بين اكل (الفايو والكردالة)، و(الفايو نبات ذو جذور مثل البطاطس والكردالة نبتة تنمو في غابات الجنوب لها حبوب يطحنونها ويقومون باكلها ايام المجاعات)، أو طلقة طائشة من شخصٍ تافه، من أجل نزاع حول سرقة بهائم أو ارض كلهم على وشك مغادرتها، إن لم يكن بسبب الترحال فبسبب هادم اللذات ومفرق الجماعات).
هذا غيضٌ من فيض، وبعض من صحائف تاريخ مدينة الفردوس الساحرة، ومحاولة لتذكر بعض الشخصيات الجميلة التي تركت بصماتٍ واضحةٍ علي مسيرة هذه القرية الباذخة، وعلى حياة الناس الرائعين هناك، ساستعرضها في الكتابات القادمة، اذا امد الله في الاعمار. وسلامٌ على الهادية... بلد (أبو نادية). ولأهل الفردوس مني التحية والسلام.
محمد علي مسار الحاج
الخرطوم
2 أغسطس 2020
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.