المقاومة الشعبية تدفع ب(4) ألف مقاتل لمسارح العمليات    حقيقة تصنيف مواليد الثمانينيات ضمن كبار السن في منظمة الصحة العالمية    وفاة الفنان السوداني الكبير عبد القادر سالم    هل يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم إلى الوفاة؟    جمعية عمومية تاريخية لاتحاد مدني تُشعِل الحراك الرياضي بحضور تجاوز 180 عضواً    بنك السودان يتأهب لإطلاق المقاصة الإلكترونية    إطلاق نار على سوداني..السعودية تعلن إعدام مواطن وتكشف تفاصيل    أحداث مؤسفة في نهائي دورة شهداء معركة الكرامة بمدينة رفاعة    العشوائية والفوضى التكتيكية تقودان الهلال لأول خسارة    اجتماع بين البرهان ومستشار ترامب..تقارير تكشف التطوّرات    تفاصيل بشأن زيارة البرهان للسعودية    الأردن يفوز على السعودية برأس رشدان ويتأهل لنهائي كأس العرب    سودانيون عالقون بين أنياب الجوع ونيران المدافع في كردفان    المغرب يحسم بطاقة نهائي كأس العرب الأولى على حساب الإمارات    والي الخرطوم يوجه بالالتزام بأسعار الغاز حسب التخفيض الجديد    شاهد بالصورة والفيديو.. شارع "البراحة" بمدينة بحري يلبس حلة زاهية بعد أعمال الصيانة وإعادة سفلتة الطريق    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تُقلد السلطانة هدى عربي أثناء تقديمها وصلة غنائية والأخيرة تنفجر بالضحكات    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    شاهد بالفديو.. تكلفة إيجار الأستوديو وحده بلغت 2 مليون مصري.. صحفية سودانية شهيرة تهاجم برنامج "أغاني وأغاني" وتناشد الرئيس البرهان: (أوقف هذا السفه لأجل الشهداء الذين قدموا أنفسهم فداء لك)    البرهان يصل الرياض    إجلاء جثامين وجرحى عناصر«يونيسفا» إلى أبيي بعد الهجوم المسيّر    تعرف على جوائز كأس العرب 2025    النوم أقل من 7 ساعات ثاني أكبر قاتل بعد التدخين    ريال مدريد ينجو من فخ ألافيس ويلاحق برشلونة    شاهد بالصور.. "جرجس روحي" يهاجم "زول سغيل" بسبب دارمته الجديدة: (كنت بتتريق علي الاحداث الانت حاليا بتحاول تمثلها ومجالك انت معروف شوف البنات الساقطات اخلاقيا والماعندهم اهل)    بعد غياب طويل.. أول ظهور للفنانة المصرية عبلة كامل بعد قرار السيسي    منع نقل البضائع يرفع أسعار السلع في دارفور    فريق عسكري سعودي إماراتي يصل عدن    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    رئيس الوزراء يشهد تدشين الربط الشبكي بين الجمارك والمواصفات والمقاييس    إليك 7 أطعمة تساعدك في تقليل دهون الكرش طبيعياً    الإعلامية سماح الصادق زوجة المذيع الراحل محمد حسكا: (حسبي الله ونعم الوكيل في كل زول بتاجر بي موت زوجي.. دا حبيبي حتة من قلبي وروحي انا الفقدته وفقدت حسه وصوته وحبه)    حَسْكَا.. نجمٌ عَلى طَريقته    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عودة محطة كبيرة للعمل    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح المؤسسي الشامل .. بقلم: د. الشفيع خضر سعيد
نشر في سودانيل يوم 02 - 11 - 2020

نكرر قولنا بأن السودان لن يتحرر من الأزمة الاقتصادية الطاحنة الممسكة بخناقه، بمجرد شطب اسمه من لائحة الدول الراعية للإرهاب، أو استعادته لحصانته السيادية، أو نتيجة لتطبيع علاقاته مع إسرائيل، أو بمجرد إعلان أمريكا والمؤسسات المالية الدولية رضاها عنه واعتباره الصديق الصدوق. فكل ذلك لن يؤتي أُكله ما لم تتبن الدولة سياسات وبرامج متوافق عليها داخليا، بعد تشاور واسع، تبدأ بالإصلاح المؤسسي الشامل، والعمل وفق خطة مدروسة، متوائمة مع واقعنا، لرسم وإدارة السياسة الاقتصادية وتفجير الإمكانات الاقتصادية الكامنة في البلاد. فمفتاح حل أزمات البلاد السياسية والاقتصادية موجود في داخلها، لا خارجها، في السياسات والبرامج التي تتبناها الدولة، وأبدا لن تُحل مشاكل أي بلد من خارجه أو باعتماده على العون والدعم الخارجي. وبالطبع، هذا لا يعني التقليل من الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة والاستثمار الخارجي في انتشال السودان من كبوته الاقتصادية، ولكن هذا الدور ليس هو العامل الرئيسي والحاسم في إنقاذ الاقتصاد السوداني. ومع ذلك، لا بد أن يُعد السودان عدته ويُكمل استعداداته للتعامل المالي والاقتصادي مع المؤسسات العالمية والدول المانحة ولاستقبال أي عون خارجي، وأي استثمارات خارجية تتدفق على البلاد، وذلك بتهيئة بيئة ملائمة وتربة خصبة لاحتضان انفتاح الخارج عليه، حتى تحصد البلاد ثماره رفعا للمعاناة ومساهمة في التنمية. وحتى تنجح حكومتنا الانتقالية في تهيئة هذه البيئة الملائمة والتربة الخصبة، أقترح عليها أن تتبنى وتنفذ مجموعة من الإجراءات والسياسات والتدابير، التي يُجيد خبراؤنا الاقتصاديون رسمها، والتي من بينها، وفي قمة سلم أولوياتها، التدابير التالية:
أولا، في البدء لا بد من الإصلاح المؤسسي للوزارات والمؤسسات الحكومية، وفي مقدمتها وزارة المالية، إذ بدون ذلك فإن الفائدة المرجوة من الدعم الخارجي ستكون بعيدة المنال. وأعتقد أن من المشاكل الكبرى التي يعاني منها السودان، ضعف المؤسسات والإدارة العامة للدولة والتي أفرغها نظام الإنقاذ البائد من محتواها. والإصلاح المؤسسي يتطلب أن تتوفر لدى مجلس الوزراء والمسؤولين في الوزارات والمؤسسات المختلفة، إرادة قوية وقدرة على توظيف الخبرات التي تذخر بها البلد، إذ لا يمكن أن يتم الإصلاح المؤسسي بأيدي وزراء ومسؤولين ضعيفي الشأن.
ثانيا، الإعلاء من شأن التخطيط، عبر وزارة قائمة بذاتها أو مجلس أعلى، بديلا للسياسات العشوائية التي كان يمارسها النظام السابق مما وضع اقتصاد البلاد في قبضة مجموعات طفيلية نمت على حساب المال العام. ونعني بالإعلاء من شأن التخطيط، تمسك الدولة بدورها في التخطيط التأشيري وفي إعادة توزيع الثروة، وتمكنها من وضع إقتصاد السوق تحت شروطها، وسعيها لتأسيس شراكة قوية بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل بناء خطط إستراتيجية هدفها الأساسي تنمية حياة الناس.
وعبر التخطيط، تسيطر الدولة على تدفقات العون الخارجي، وتتابع المشروعات التنموية المرتبطة بهذا العون. كلنا نتذكر كيف أنه في ظل نظام الإنقاذ المباد، كان أي وزير يمكن أن يسافر الي الصين مثلا، ويحصل على قرض بدون حضور أي من المختصين، لذلك ليس غريبا قول الصين أن ديونها علينا تبلغ 11 مليار دولار، بينما الموجود في سجلات الحكومة 8 مليارات! وهناك قرض بنك التنمية الأفريقي الذي حوله وزير مالية سابق في عهد الإنقاذ لمصلحته هو وخُلَصَائِهِ من الرأسمالية الطفيلية. وكذلك القرض الهندي، 35 مليون يورو، والذي تأكد إرساله من الهند ولكنه اختفى ولم يصل السودان أبدا، وفق ما أثير في مداولات برلمان النظام السابق في أبريل/نيسان 2018.
وفي الحقيقة، بدون تخطيط وقطاع عام قوي ومساند ومكمل للقطاع الخاص الوطني، لا يمكن أن نحقق الفائدة المطلوبة من الدعم الخارجي، ولا يمكن أن ننجح في تحقيق اختراق تنموي. أنظر إلى تجارب بلدان النمور الآسيوية، كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ، بالإضافة إلى ماليزيا، والتي تبنت سياسات التخطيط التنموي الموجه من الدولة تحت سيطرة القطاع العام، فحققت طفرة اقتصادية هائلة خلال فترة وجيزة، ما بين ستينات وسبعينات القرن الماضي، حولتها من دول فقيرة ومحطمة إلى بلدان متقدمة ومزدهرة. فكوريا الجنوبية، مثلا نهضت من دولة منهارة، فقدت أربعة ملايين مواطن بسبب الحرب الأهلية، إلى دولة صناعية رائدة تمثل اليوم تاسع أكبر اقتصاد في العالم. أما تايوان والتي لم تكن أكثر من جزيرة صغيرة للصيادين، فحققت قفزات اقتصادية مدهشة رفعت دخل المواطن الى 13 ألف دولار، لتحتل المركز ال 23 ضمن أكبر اقتصاديات العالم. والجدير بالذكر، أن بدايات نهضة تايوان اعتمدت على التخطيط التنموي المركزي، وكان على قمة الهرم التنفيذي والإداري للقطاع الاقتصادي، كفاءات من المهندسين المختصين في تخصصات لا علاقة لها بالاقتصاد، وإنما كان جلّهم تكنوقراط أكفاء في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والتعدين والمياه..الخ. ونحن في السودان نتطلع لأن تتمسك الحكومة الانتقالية بالإصلاحات السياسية الديمقراطية التي عبّرت عنها شعارات ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة، الحرية والسلام والعدالة، وعلى أساس قيم المواطنة وحقوق الإنسان، وتستخدم جهاز الدولة لإرساء دعائم نموذج يزاوج بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية واحتياجات الناس، من خلال طرح مبادرات استثمارية متنوعة، وخلق بيئة استثمارية جاذبة، ودعم المشاريع الصغيرة، والاستثمار في التعليم والبحث العلمي، والعمل على خلق إقتصاد تنافسي مرتبط بحركة الإقتصاد العالمي، ويستفيد من الوسائل التكنولوجية، وممارسة الدبلوماسية التجارية الناجحة لفتح الأسواق العالمية أمام المنتجات المحلية.
ثالثا، رغم تحفظات الحكومة حول التكلفة فإن تغيير العملة هو الطريق الأسهل لمعرفة حجم الكتلة النقدية في البلاد والسيطرة عليها. لكن، طالما السيولة النقدية تكتنزها جهات لا تتحكم فيها وزارة المالية، فإن هذا الإجراء لا جدوى له. وهنا نصل إلى التدبير الرابع الخاص بالولاية الحصرية لوزارة المالية على المال العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.