ما الأهمية الإستراتيجية لمدينة بابنوسة بكردفان؟    الخارجية تستنكر مساعي نظام أبوظبي راعي المليشيا الإرهابية ضد السودان    ضوابط صارمة لإعادة التأهيل في الخرطوم    باريس يكسر عقدة بايرن ويعبر لنصف نهائي المونديال    سان جيرمان يرد اعتباره بإقصاء بايرن من مونديال الأندية    مصر .. فتاة مجهولة ببلوزة حمراء وشاب من الجالية السودانية: تفاصيل جديدة عن ضحايا حادث الجيزة المروع    اداره المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تضبط شبكة إجرامية تنشط في جرائم النهب والسرقة بامبدة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تستعرض جمالها بوصلة رقص فاضحة داخل شقتها بالقاهرة    حاج ماجد سوار يكتب: العودة إلى الخرطوم بين الواقع و المأمول (3)    محلية بحري تبحث عن حلول لقضية الرفاة المدفونة خارج المقابر    مأساة في أمدرمان.. تفاصيل فاجعة مؤلمة    شاهد بالصور.. السلطانة هدى عربي تعود للظهور على مواقع التواصل وتخطف الأضواء بإطلالة ملفتة    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء الإعلام السوداني شهد المهندس تعود لإثارة الجدل على مواقع التواصل وتستعرض جمالها بإطلالة جريئة    الحَيَاةُ رَجَعَت إلى طَبِيعَتِهَا بِمَا في ذلِك مُسَاعَدة الحُكّام للمريخ!!    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب هندي يفاجئ المتابعين ويثير ضحكاتهم بتحدثه الدارجية السودانية بطلاقة (عندنا في السودان مافي رطوبة وأنا من العيلفون والمسيد)    السيسي يؤكد على موقف مصر الثابت الداعم لليبيا والمؤسسات الوطنية الليبية    الذكاء الاصطناعي يزحف على المكاتب.. نصف الوظائف في خطر!    غرامة ب 110 ملايين دولار.. ماذا سرقت آبل؟    نهر النيل تضبط أدوات منزلية ومتعلقات شخصية مسروقة قادمة من ولاية الخرطوم    فورمان طويل كتبه الحلو بعد تعيينه نائبا لحميدتي ( كقائد ثاني الجنجويد)    طقطقة.. 15 دقيقة مونديالية تثير السخرية من حمدالله    نيران بالميراس الصديقة تقود تشيلسي لنصف نهائي المونديال    نخبة(الغربال)    إتحاد حلفا الجديدة يهنئ الإتحاد السودانى لكرة القدم    الطاهر ساتي يكتب: لحين النتائج ..!!    خطاب من"فيفا" لاتحاد الكرة السوداني بشأن الانتخابات    السودان..مجلس الأدوية والسُّموم يوقّع إتفاقية تعاون مشترك مع إندونيسيا    السودان.. الشرطة تلقي القبض على"عريس"    هل يسمع رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء لصرخة واستغاثة المزارعين والمواطنين؟    البنك المركزي .. إقالة بُرعي .. أو ( شنق) عبدالقادر محمد أحمد !!    صفقوا للدكتور المعز عمر بالأمس وينصبون له اليوم مشانق الشتم لقبوله منصب وزاري    والي الخرطوم يصدر توجيهًا بشأن محطة" الصهريج"    المذيعة الحسناء سالي عثمان تكتب: (شريف الفحيل إلى أين؟!!!)    إعلان خطوة بشأن النشاط التجاري بالسوق المحلي الخرطوم    محكمة بحري: الحكم بالإعدام مع مصادرة المعروضات على متعاون مع القوات المتمردة    ابوقرون ينقذ الموسم الرياضي ويقود التنمية المستدامة في ولاية نهر النيل.    ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة    بعد زيارة رسمية لحفتر..3 وفود عسكرية من ليبيا في تركيا    إدارة المباحث الجنائية بشرطة ولاية الخرطوم تسدد جملة من البلاغات خاصة بسرقة السيارات وتوقف متهمين وتضبط سيارات مسروقة    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمير عُثمان دِقْنة: عاشِق سواكن: حُلم لم يتحقّق؛ أسئلة وقليل من الإجابات (2-2) .. بقلم: ياسر عرمان
نشر في سودانيل يوم 22 - 02 - 2021

المياة على وشك أن تغمر وادي حلفا بكامل تاريخه ومساجده وكنائسه، وآلاف السنين من التاريخ فوق الأرض والمطمور ، والأراضي التي شقها الكبار بعانخي وتهراقا وزكريا بن جرجة وعبدالرحمن النجومي والملوك والكنداكات والمعارك التي دارت على ظهر تلك الأرض والتّصدي للغُزاة والحضارات التي قامت على ضفاف سليسل الفراديس وأقدم أنهار العالم وكل شئ يبدأ وينتهي عند النيل في حاكميته الفريدة .
الأمير عثمان دقنة وسواكن ، قصة عشق ومحبة وحظ مراوغ ومسيرة جميلة ومحزنة لاسيما في ثلاث مناسبات سأتطرق لها في هذة المقالة00
المناسبة الأولى: عندما تم القبض عليه وأسره بعد نهاية الثورة المهدية، وجاء به خصومه إلى سواكن كان ذلك على الأرجح في عام 1900 بعد نهايات معارك حافلة خاضها ضد الاستعمار وقد هاجم سواكن مراراً وتكراراً حتى أضحى لسواكن وجهان: وجه للبحر ووجه للأمن يخاف من هجوم الأميرعثمان دقنة الذي هيهات أن ينسى موعده مع سواكن ،مسقط رأسه ومحور استراتيجيته العسكرية في شرق السودان عند ذاك الزمان وقد استولى على كسلا وطوكر وسنكات، وعثمان دقنة في الأسر كان مهيبا ذا سلطان مثل حاله في أيامه الأولى وهو في أكثر لحظات حياته ضعفا ومع ذلك كان قويا وسوف نأتي لذلك لاحقا!.
المناسبة الثانية: كانت حينما حطّ رحاله في سواكن في حوالي العام 1924 وهو في طريقه إلى الحج ،وبعد مضي عدة عقود على معاركه وعلى أسره وسجنه ومع ذلك كان مايزال في ذاكرة المدينة ،كان عبوره إلى الحج مؤثراً وهو يكاد يسدل الستار على حياته ،الثرة والعظيمة ،وفي المدينة كان له أتباع ومريدون ومحبون.
والمناسبة الثالثة والأخيرة: حينما انقسم الناس إلى فريقين وهم يأخذون رفاته من وادي حلفا على أمل دفنه في سواكن ولم يتم الاتفاق بينهم ودفن في أركويت بالقرب من مكان شيخه طاهر المجذوب أقرب خلق الله إليه ممن ساندوه على مر معاركه.
وحينما زرت قبره في أركويت قبل سنوات ،بدا لي أن قبر الأمير عثمان دقنة يهفو إلى سواكن حوله التاريخ لا ورقاً عليه، يجثو كئيباً كلما مرّت به الرّياح وهو بعيد عن مسقط رأسه على الرغم من أن السّودان والشرق كله مسقط لرأسه على مر الزمان والدهور ،فهو من يستحق الاحتفاء في كل بقعة من الوطن.
سنأتي إلى المناسبات الثلاث التي تفيض بمعاني الوطنية والمترعة بالحنين والانسانية والاشواق والحزن النبيل وذكريات الأمس والحضور سمة لعثمان دقنة لا تنتهي حتى وقتنا هذا ويوما ما سيعرض فيلما عنه في كل انحاء العالم وبكل اللغات وسوف يطلق على أهم مراكز الدراسات العسكرية الإستراتيجية في السودان اسم الأمير عثمان دقنة وكم من المحزن أن كل حكومات ما بعد الاستقلال شمولية ومنتخبة لم تعطه الإهتمام الذي يستحقه .
(2)
في حوالي 1843 ولد الأمير عثمان دقنة وفي حوالي 1900 تم أسره وفي حوالي 1924 ذهب إلى الحج مكبلا بالقيود ،وفي 1927 فاضت روحه الطاهرة بعد سنوات طوال وعجاف في سجن وادي حلفا.
في مساء الثلاثين من أغسطس 1963 فتح قبره إيذانا بنقل رفاته إلى شرق السودان وإلى سواكن ولكن أمنيته في سواكن لم تتم حتى بعد موته فقد حالت بينه وبينها عقبات لازمته قبل وبعد موته ،وحينما هُجّر مواطنو وادي حلفا لم يتوانى الأمير عثمان دقنة من الهجرة معهم برفاته، وذهب بعضهم إلى شرق السودان مثلما ذهب هو الى شرق السودان، ويرجع الفضل في نقل رفاته لمجهودات عظيمة كان وراءها الاستاذ حسن دفع الله الذي فكر في نقل رفاته منذ 1958 وذكر ذلك في مؤلفه حول ( تهجير النوبيين) وسانده في ذلك الدكتور طه بعشر أحد مشاهير الأطباء داخل وخارج السودان وأحد المثقفين الديمقراطيين المعروفين من أبناء شرق السودان والذي اتفق معه على نقل الرفات وإن كان ذلك على حسابهم الخاص فإنهم لن يتركوا الأمير عثمان دقنة لتغمره المياه وبعدها جاءت مبادرة من الامام الهادي المهدي، وتم دعمها بقوة من مجلس بلدية بورتسودان ، عبر كل هذة الجهود لم تغمر المياة جثمانه وعاد إلى حيث معاركه الأولى وذكريات طفولته ليعاد دفنه في شرق السودان وحينما زرت قبره شعرت بالرهبة وبالفخر وأنا أقف أمام هذا القائد الكبير وما كان لضميرنا الوطني أن يخلو من أمثال الاستاذ حسن دفع الله وما كان لعثمان أبوبكر دقنة أن يُنسى في أرض يباب.
كتابات ضد النسيان والذاكرة المثقوبة وفي احياء روابط الوطنية السودانية:
على المثقفين الوطنيين والثوريين؛ التصدي للهجوم الواسع على النسيج الوطني والاجتماعي، أهم ما ملكت يدانا وبلادنا وعلينا وقف عنف السلطة وغطاء الأيديولوجيا في عدوانه على التنوع السوداني حتى نعالج محنة انقسام الوجدان الوطني وهي شاخصة في فضاء السياسي اليومي، وأن نستدعي الشخوص التأريخية مثل الأمير عثمان دقنة كمداميك للبناء الوطني.
هذه المقالة، تستدعي الغائبين والأحياء تحت الأرض لتعزيز الوعي الثقافي والسياسي والإنساني بتاريخنا الوطني والأخذ من معينه ومن مخزون الحكمة الوطنية في وجه الانقسامات القبلية ومن يستدعونها وفي وجه جرائم الحرب حتى نتزود بمعرفة وهواء نقي من تاريخنا الوطني وشخوصه العظيمة.
ثورة ديسمبر المجيدة يجب أن تولد طاقةً ايجابيةً ضد النسيان وإحياءًا لروابط الوطنية السودانية في ظل غياب هوية ذات رابطة مانعة وجامعة ومتحدة وفي وقت يتصاعد فيه الغبن الاجتماعي والاثني الذي يعزز التجزئة والتحيزات الإثنية والثقافية والاجتماعية، وعدم القبول بالآخر المغاير وبالتنوع التاريخي والمعاصر.
هذه المقالة ضد محدودية الذاكرة ونزعة التشظي والعنف والفساد وجرائم الحرب تأتي في ظل كوة من ضوء المناخ الوطني الجديد والرغبة المتصاعدة في اعتماد السّودانوية كإطار جامع.
نستدعي أمير الشرق في ظل غليان وتوهان في شرق السودان وصراعات قبلية مصنوعة وأخرى ناتجة من الفقر والتهميش ونحن لا ننطلق من الفراغ واللا مشترك واللا تاريخي بل نحن امتداد لما هو إيجابي و لتاريخنا المشترك حتى لا يسقط مجتمعنا في مستنقع الانقسامات ونحن هنا ضد الذاكرة المثقوبة والسمكية الغارقة في النسيان.
علينا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز التواصل الإجتماعي والثقافي والسياسي ودحض التشويه والتزييف الذي يضرب بعنف كل ماهو مشترك ووطني.
إن ما يدور في شرق السودان يأتي على خلفية صراعات إقليمية ودولية يشهدها البحر الأحمر ومصالح متضاربة للنفوذ الأجنبي ،والأمير عثمان دقنة وحده جدير بدق ناقوس الوطنية وهو عنوان من عناوين مكافحة النفوذ الاجنبي وإعلاء راية المصالحة الوطنية.
ثورة ديسمبر المجيدة ثورة نادرة لتحرير السودان كله ولملمة ذاكرتنا وكتابة تاريخنا الوطني لما بعد الكتابات الكولنيالية وخلف الاعتماد على ذاكرة نعوم شقير وسلاطين باشا باعتمادنا على ذاكرة وطنية مهمومة بقضايا البناء الوطني وبناء سودان جديد .
(3)
أورد الضابط البريطاني الرائد إف - أر- وينجت مدير المخابرات الحربية في السودان وقد كان يجيد اللغة العربية في كتابه المهم ( المهدية والسودان المصري) وثائق وبرقيات كثيرة على حسب تدرجها الزمني وسجل تاريخي حوى معلومات مهمة في تلك الفترة وقد استعرض كما هائلا من المراسلات التي تم الاستيلاء عليها من معسكر الأمير عثمان دقنة، لا سيما في اعوام 1883، 1884 وهو سجل يوضح مدى إطلاع عثمان دقنة على فنون العمل العسكري وتقديرات المواقف واهتمامه بكل ماهو إجتماعي وسياسي في نظرته لكليات الموقف العسكري وفي مراسلاته وتقاريره لقيادته والصراعات التي حفلت بها تلك الفترة والانقسام الاجتماعي في شرق السودان بين طائفة الختمية الاقدم وجوداً في الشرق ومؤيدي الثورة المهدية ومحاولات الخليفة عبدالله وعثمان دقنة استدراج الختمية وزعمائهم إلى صف الثورة المهدية ووعيهم بأهمية ذلك والصراعات بين قبائل الشرق المختلفة بين مؤيد ومعارض للمهدية ومساندتها والخروج عليها على حسب موازين القوى.
(4)
سواكن كانت حاضرة كبقعة غير قابلة للنسيان، في خطط الأمير عثمان دقنة ومعاركه في شرق السودان وما تكرار هجومه عليها ومتابعته لاخبارها اليومية إلا دليل على ذلك وقد وضعها دوما في مقدمة أجندته وحساباته العسكرية ولا يخلو ذلك من علاقته الانسانية بسواكن مرتع الصبا وبداياته الأولى،.
(5)
الاهتمام بسواكن نقطة إلتقاء بين الأمير عثمان دقنة وقيادة الثورة المهدية والأتراك و البريطانيين والمصريين وبعد أربعة أشهر من تحرير الخرطوم في 26 يناير 1885 قرأ وزير الحربية البريطاني من ورقة مكتوبة أمام مجلس العموم في يوم الاثنين 12 مايو 1885قراراُ بخروجهم من السودان وأنهم سيتركون كل شئ في ماعدا شيء واحد وهو إقرار غير مباشر بهزيمتهم من قبل الثورة المهدية،و الإمبراطورية البريطانية آنذاك في أوج مجدها وقد هزمت من بلد في العالم الثالث ويحق لنا أن نحتفل بذلك سنوياً، وقد تمكن أجدادنا من هزيمة أعتى إمبراطورية في ذلك الزمان رغم عدم تكافؤ الامكانيات وعلينا رفض محاولات المؤرخين الكولنيالين التقليل من ذلك بمختلف الحُجج.
لقد قرروا أن يتركوا كل شئ ماعدا حامية سواكن التي بقيت في يد القوات البريطانية بعد أن فشلوا في إيصال خط السكة حديد إلى بربر ،وفي معارك تاماي- تيب ،وتنسهلاي وكسلا وطوكر وسنكات لقد كانت هزائم البريطانيين علي يد عثمان دقنة فضيحة بكل المقاييس لجيش مهاب مثل الجيش البريطاني.
(6)
حينما شارفت حياة الأمير عثمان دقنة على المغيب وفي سجنه الذي قارب 28 عاما أخذ الراية منه جيل جديد وفي أثناء وجوده في السجن في وادي حلفا وفي العام الذي ذهب فيه الى الحج 1924قامت ثورة اللواء الأبيض وقد أُدخل بعض ابطالها السجون منذ عام 1923 في نفس الوقت الذي كانت فيه حياة الأمير الأمير عثمان دقنة العامرة بالافضال والفضائل تتجه نحو فصل الختام هل ياترى تناهى إلى مسامع الأميرعثمان دقنة أن ثورة أخرى قد انطلقت ؟.
مطالب المعتقلين والأسرى في السجون السودانية يظل انصعها وأكثرها تأثيرا هو مطلب الأمير عثمان دقنة بالذهاب لأداء فريضة الحج والذي وجد صدى في العاصمة البريطانية لندن وفي صحفها وعند قادة حزب الأحرار وتصاعد الضغط على الحكومة البريطانية حتى اذنت له بالذهاب إلى الحج. فتاريخ أسرانا ومعتقلينا في السجون ومقاومتهم قديم قدم هذه السجون نفسها .
في ذهابه إلى أداء مناسك الحج تمكن الأمير عثمان دقنة؛ من أداء مناسك المحبة لبلدة أحبها ،فقد مر في طريقه إلى الأراضي المقدسة وفي طريق عودته بسواكن التي طالما تقاطعت طرقها بطريق حياته حربا وسجنا ورحيلا وللخالق تدابير في شأن خلقه وما كان لأيام ذلك المحارب العظيم أن تنقضي دون أن يكحل مآقي عينيه ويتنسم هواء سواكن العليل والحياة تبتسم للأبطال، وفي سواكن استقبله الارتيقا والسواكنية استقبالا عجيبا وهم يقرأون له القرءان ويحيطون به في مشهد مهيب يتفاعلون معه يسألهم عن أهله وأصدقائه تنهمر دموعه، في رواية حملتها مقالة جميلة لم يذكر اسم كاتبها وهي من حكي شفاهي وما أجمل الحكي الشفاهي المتواتر اذا وجد مؤرخين ثقات يعملون على تمحيصه.
(7)
يُقال إن الأمير عثمان دقنة بعد عودته من الحج أمضى بقية سنواته صائما نهاره ويفطر على التمر واللبن ويقيم الليل يتلو قرءانه بعد أن أدى واجباته الوطنية خير أداء لم ينكسر ولم ينثني ولم تفت سنوات السجن من عضده وظل المستعمرون مستعمرين في نظره رغم أنه ظل حبيس الجدران التي حبست جسده ولكنّ روحه ظلت طليقة لا تقبل الضيم وأرّخ البعض لتاريخ وفاته وصعود تلك الروح الوثابة والإرادة القوية في 17 ديسمبر 1927 ودفن في وادي حلفا ويقال إنه بعد عودته من الحج خصص له منزل صغير بالقرب من مركز البوليس قضى فيه أيامه الأخيرة بعد أن فارقته خيوله المسرجة وجماله المسرعة وسيوفه المشرئبة وقعقعة السلاح وآلاف من المحاربين الفقراء الشجعان الذين لم يخذلوه وأنزلوا الهزائم بأعدائه ولابد أنه قد إجترّ تلك الذكريات في سنوات السجن ،مطمئن البال ومرضي الضمير وهو يتذكر رفاق دربه وأحبائه في رحلته المجيدة ،كان ذلك زاداً له مضافا إلى زاد التقوى والإيمان والقضايا الكبرى ومخزون وطنيته الذي لا ينضب ولا ينقضي.
(8)
زار الاستاذ حسن دفع الله في العام 1958 قبر الأمير عثمان دقنة في وادي حلفا في اطار التخطيط لتهجير أهالي وادي حلفا وكتب إلى مدير المديرية الشمالية مقترحا نقل رفات الأمير عثمان دقنة ووجد إقتراحه الاهمال ،عاوده بآخر إلى لجنة التوطين في العام 1963 وأهمل أيضا ولكن دكتور طه بعشر تصدى معه للأمر، ثم جاءت مبادرة الامام الهادي المهدي لتدفع بهذة القضية للأمام وتحمس مجلس بلدية بورتسودان مما أجبر الجهات الرسمية لاخذ القضية مأخذ الجد وفوض اللواء محمد أحمد عروة وزير الداخلية أخيراً مجلس بلدية بورتسودان لنقل الرفات وغطي الجثمان بعلم السودان والأمير عثمان دقنة خير من يستحق هذا العلم عن جدارة فهو صاحب عرق ودم وسجن، بذله في سبيل هذا العلم وفي احتفال مهيب تحركت رفاته إلى محطة القطار وتحرك أمير الشرق عائدا إلى شرق السودان.
انضمت رفاته إلى رتل طويل من الشهداء في معارك الشرق، وفي عطبرة أقيم له إحتفال كبير فعطبرة حاضرة في كل الملمات والمواقف الوطنية وبعد سنوات من هذا الحدث توقف الزعيم علي عبداللطيف في محطة عطبرة وهم يدفعون به إلى المنفى في مصر .
تحدث القادة نثراً وخطباً حماسية وشعراً رثاه السيد محمد أحمد المحجوب بقصيدة عصماء نذكر منها،
أمير الشرق عاد إلى العرين
وعادت بهجة الفتح المبين
تغربت السنين أسير حرب
ولكن ما غربت عن العيون
وعدت كما بدأت نصير حق
ونبراسا يضيء مدى القرون
رواؤك لم تغيرها الليالي
ولا عصفت به سود السنين
ولو نفض الغبار بعثت حيا
تصارع قوة البغي الحصين0
وقصيدة المحجوب حقا حملت تأملا عميقاً في حياة أمير الشرق، وأشارت من قناة للخلاف حول مكان دفنه الذي هو إمتداد للانقسامات التي حدثت على أيام الثورة المهدية وما حدث لقبة( السيد الحسن) في كسلا بعد استيلاء عثمان دقنة عليها. مما أدى إلى أن يدفن في اركويت بدلا عن سواكن في 4 سبتمبر 1964 قبيل ثورة اكتوبر 1964 بحضور الحاكم العسكري لبورتسودان أيام الفريق عبود والسيد محمد سر الختم والميرغني وكبار رجال الدولة ولايزال الأمير عثمان دقنة يشتاق إلى سواكن وتشتاق له وقد إرتبط اسمه بها إلى الأبد.
إن حياة الأمير عثمان دقنة عنوانا مهما في إحياء روابط الوطنية السودانية وفي الدعوة لوحدة بلادنا وتقدمها ونهضتها وفي سودان يسع الجميع.
الخرطوم
21فبراير2012
مراجع:
. المهدية والسودان المصري تأليف الميجور اف -ار وينجت ،ترجمة محمد المصطفى حسن .
. مقالة بعنوان نقل جثمان الأمير (عثمان دقنة ) الذي وجد سالما من وادي حلفا الى اركويت في وسائل التواصل الاجتماعي دون ذكر كاتبها.
. من أبا الى تنسلهاي ، عبدالمحمود ابو شامة.
نعوم شقير ،جغرافية وتاريخ السودان.
0 الويكبيديا (حرب المهدية) .
. قصة سواكن بقلم جي اف اي بلوث.
. حسن دفع الله (تهجير النوبيين).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.