تذكرت هذه الابيات للبحتري و انا اخرج من منزلي (بيت الحبس) الذي كنا محجورين فيه -بالغانون - خرجت متسكعا في شوارع لندن بعد عودتنا من اجازة كان مقدر لها ان تكون ثلاثة اسابيع -عطلة الكريسماس - فامتدت لاربعة اشهر !!. كنا نظن ان العام الماضي هو عام الحجر لكن يبدوا ان القدر كتب لنا ملحقا لاعادة استذكار المادة التي رسب فيها الجميع . اقتربنا من نصف العام ولم ينجح احد من دول العام في القضاء علي هذا الكائن الخبيث . حجرنا انفسنا بدبي عندما تقطعت بنا السبل بسبب قرار الحكومة البريطانيا اعلان ان الامارات من الدول -الحمراء- وما ادراك ما هي ، هي ان يمنع السفر منها واليها ويتم الغاء كل الرحلات بين البلدين ! انتظرنا كثيرا للفرج حتي عيل صبرنا . اضطررنا ان نمكث بالقاهرة -محجورين- عشرة ايام قبل العودة تفاديا للحجر في الفندق فحجر البيت اهون . كانت ايام امتزجت فيها السعادة و التعاسة لكنها اصبحت ذكري ذات مزاج حلو مثل الحلو مر الذي نستمتع بشربه هذه الايام . خصوصا بعدما اكد لنا الاصدقاء بلندن اننا احسن حال و ذكروا البؤس الذي كسي البلاد خلال فترة غيابي حيث كاد البرد و الزيفة ان تحلقهم الصحابي الجليل ابادر . البحتري الشاعر العباسي يصف الربيع وصفا دقيقا و الربيع الذي صوره البحتري لا يشبه ربيع بغداد و لكنه يماثل ربيع اوربا . فالرجل يقول في احدي ابيات القصيدة - فمن شجر، رد الربيع لباسه ... عليه، كما نشّرت وشيا منمنما هذا بالضبط ما يحدث في بريطانيا . عندما غادرناها في ديسمبر كانت الاشجار كالاشباح ، حطب من دون اوراق ، باهته انتزع الشتاء منها خضرتها وجعلها عارية تبدوا لنا سواتها وهي حزينة . اول امس في يوم الخروج والتسكع وجدت ان الربيع قد رد لها لباسها مثلما وصفها البحتري ، بدت بفضل خضرة اوراقها جميلة انيقة تسر الناظرين . قد يكون البحتري مثل شعراء الحقيبة عندنا الذين ابدعوا في وصف الخمائل و الزهور و الورد والرياض الغناء ، في وصف بيئة ليس لها في ذلك من خلاق . اذكر و نحن طلبة صغار في كتاب المطالعة كانت توجد عبارة - و تساقطت اوراق الخريف - !! فكنت استغرب ذلك لان الخريف في السودان تخضر فيه الاوراق و تصبح الوان الاشجار خضراء زاهية . اكيد كان هذا نص منقول لقصة مترجمة . البحتري عاش في العصر العباسي الذي اشتهر بالترجمة قد يكون تاثر بالتراجم . عندما اتحدث الان مع الاهل في السودان واسمع ماذا تفعل بهم الشمس الحارقة من السموم و الرمضاء في هذا الشهر الفضيل لا نجد الا ان نسال الله ان يقويهم ويضاعف لهم الاجر . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.