1-2 [email protected] في بداية هذا المقال لابد من تقديم واجب العزاء لأسرة وأصدقاء ومريدي الشيخ الراحل محمد سيد الحاج الذي وافته المنية اثر حادث مروري اليم تعرض له الأسبوع الفائت ، هذا الشيخ الذي تميز دون العديد ممن ينسبون أنفسهم للدين في السودان بصدقه مع نفسه وربه وتفانيه لأجل مبادئه ( والله حسيبه في ذلك وهو اعلم بمن اتقى ) . وقد أحبه الكثيرون مثلي لأجل ذلك لا سيما لميزة الصدق وعدم المحاباة التي عُرف بها الشيخ الراحل ، فطالما شابت ساحة العلماء في سودان اليوم كثيراً من مظاهر الرياء و التملق والمداهنة للحكام وغض الطرف عن النصح والمناصحة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وقد ترك الشيخ الراحل وصايا سبع في آخر خطبة جمعة له بثتها مشكورة قناة طيبة الفضائية نأمل أن يلتقطها الفضائية السودانية ويجعلها في فواصلها كاملة دونما اجتزاء بدلاً عن هذا التبجح بالنصر الزائف في معركة انتخابية تم خوضها من طرف واحد فقط هو حزب المؤتمر الوطني الحاكم . وقد تعرضنا في سلسلة مقالتنا السابقة عن مهزلة هذه الانتخابات في السودان لبعض الشواهد أكدها لنا شهادة أهلها لاحقاً بما ورد من حديث صريح للرئيس البشير عن استعدادات حزبه للانتخابات منذ بدايات العام 2007م وأكد عليها السيد نافع على نافع نائب رئيس الحزب في مؤتمره الصحفي المفصّل الذي تناول فيه هذه العملية وترتيباتها منذ التعداد والتسجيل وحصر العضوية والمقارنات والموازنات انتهاءاً بالاقتراع ، وبحمد الله أنّ ذلك لم يخالف ما ظللنا نشير إليها تباعاً في مقالاتنا وننبه عليها بقية القوى السياسية و التي عليها أن تتقدم بأجزل الشكر للسيد نافع لتفضله لهم بكشف هذه( البخرة ) الانتخابية التي حتماً هي ليست لزوم استخدام المرة السابقة فحسب وإنما هي خطة متواصلة للدورات القادمة . وان كانت هذه القوى السياسية لم تكن تدرى بهذه الخطة قبلاً فقد علمت بها الآن ( ولا عذر لمن انذر ) وان كانت علمت بها قبلاً وتقاعست عن مسايرتها فتلك بلوى كبيرة ويشكل فشلاً ذريعاً لديها بما يجعل إخفاقها الحالي بمثابة إخفاق مع سبق الإصرار والترصد . والذي نعلمها في مثل هذه المواقف عن الأحزاب السياسية في العالم الغربي المسمى ( متحضر ) أن قياداتها سرعان ما تتحمل المسئولية عن أي إخفاق يتعرض له الحزب المعني ولا سيما الخسارة الفادحة في الانتخابات ، فهل سنرى تلك النماذج في أحزابنا السودانية بحيث تعقد مؤتمراتها العامة يقدم عبرها رؤسائها تقارير مفصلة عن ملابسات إخفاقات المرحلة السابقة ويتحملون المسئولية عنها تم يتقدموا باستقالاتهم مفسحين المجال لكوادر وقيادات جديدة تتولى مهام المرحلة المقبلة بدلاً عنهم ؟؟! " نتمنى ذلك " . إنّ من أهم العلل التي ظلت تلازم التجارب السياسية في السودان ، في مؤسساتها الحكومية والحزبية علة عدم المحاسبة وتحمل المسئولية عن الإخفاقات المتتالية مما ظل يورثنا الفشل المتكرر ، لذلك علينا إذا كنا ننشد تطوراً سياسياً يقود لتقدم البلاد أن نسعى أولاً لإصلاح آلياتها المتمثلة في الأحزاب التي تتولد عنها الحكومات من خلال ترشيد أساليب الممارسة أسوة بالعوالم المتقدمة لبلوغ ما هم عليه من تطور وتقدم في شتى المجالات لحتمية عدم فكاك هذا عن ذاك . لقد ظلت كتابات النخب السودانية من ساسة وإعلاميين وكُتّاب رأي محايدين تقتصر في أحايين كثيرة عند حد النقد بشتى أنواعه الناصح والهادم منها دون تقديم البدائل الحقيقية وهي سمة موائمة لواقع البلاد المتوارث ، و تقديري أن هذه السلبية يجب تجاوزها الآن كون ظروف البلاد الراهنة لا تتحمل ذلك بل تتطلب الإسهام الحقيقي بتقديم الرؤى العملية التي بالإمكان ترجمتها إلي أفعال وسياسيات منقذة للوطن في حال وجود من يلتقطها على الجانب الآخر النافذ المسيطر ، وإلا فبخلق منابر موازية تشكل عوامل تواصل مع الجمهور للتوعية والتبصير وخلق مزيداً من الضغط للسلطة الحاكمة للالتفات والسماع لها ، هذا هو واجب الجميع دون استثناء . فإذا سلمنا واقعاً أو جدلاً بمشروعية الصراع السياسي على كرسي السلطة بمختلف الوسائل فذلك يستدعي في المقام الأول أن يوجد هناك وطن يمكن تولي السلطة فيه ولكن إذا ما ذهب الوطن فلم يتبق ثمة شيء يتصارع الناس عليه بحيث يغدو الحال كما هو كائن في الصومال الذي يمكن تشبيه الصراع فيه كصراع مجانيين أو صراع كلاب على جيفة ( اعز الله سماع القراء ) . عليه فالضرورة تقتضي كما أسلفنا ترتيب الأولويات لدينا بحيث تكون الأولوية على كيفية الحفاظ على السودان أولاً ومن ثم البحث عن آليات حكمه وبالطبع هذا لا يعني أنني ضد استقلال الجنوب إن رأي أهلنا هناك في ذلك الخيار المخرج النهائي لهم فضلاً عن دارفور كذلك لاحقاً . ولكن السؤال هو : هل بالإمكان تجاوز ذلك بحيث يتجه الشعب في تصويتهم اللاحق نحو الوحدة عوضاً عن الانفصال ؟؟ الإجابة على هذا السؤال يستدعي معرفة مكمن الخلل الذي قاد الصراع المزمن في السودان للوصول لمرحلة سيادة خيار الانفصال أكثر عن الوحدة وتقديري أنه يتعلق بشكل أساسي بمعضلة المواطنة كأساس للحقوق والواجبات في الدولة أي ( التمييز العرقي والديني ) وهنا يبرز سؤال آخر هو : هل شكّل الدين يوماً ما معضلة في العيش المشترك بين الشعوب ؟؟ وكذلك عامل العرق ؟؟ . باستطراد التجارب العالمية الحديثة قد نجد بعض النماذج كحال مسلمي القوقاز في روسيا القيصرية مثالاً للتفرقة الدينية وكحال الزنوج في أمريكيا وجنوب إفريقيا كمثال للتفرقة العرقية أو العنصرية هذا فضلاً عن التجارب التاريخية الواردة في كتب التاريخ والكتب السماوية ولا سيما القرآن الكريم كقصة أصحاب الأخدود وخلافها من مآسي أتباع الأنبياء ولكن كل ذلك كانت تقتصر حول صراع أهل الشرك مع أتباع الديانات السماوية كيفما كانوا ، ولكن الحال مخالفاً لذلك عند أتباع الديانات أنفسهم بحيث أن وجد ثمة تجاوز فذلك يعود للبشر وليس للدين كما حدث للمسيح وإتباعه من طرف اليهود وخلافها من النماذج . وفي حال الإسلام فان الدولة الإسلامية كانت عبر العصور تشكل ملاذاً لكافة رعاياها بمختلف دياناتهم بموجب عقود اجتماعية محددة تعرف بعقود الذمة وما كان يترتب عليها كدفع الجزية مثلاً والتي باتفاق أهل العلم أنها باتت غير واجبة الآن كون غير المسلمين من رعايا كافة الدول ذات الغالبية المسلمة هم مواطنين بالأصالة الآن يشاركون في كافة مطلوبات الوطن من خدمة مدنية ودفاع مما أسقط عنهم الجزية وغدت المعاملة بالتساوي بين جميع الرعايا بحكم عقد المواطنة مما بات يتطلب اجتهاداً فقيهاً جديداً يراعي هذه المسألة الهامة . وحتى لوعدنا لصدر الإسلام فلدينا دولة المدينة مثالاً للتعدد الديني وكيفية التعامل معه . وبالعودة للحال لدينا في السودان فإذا ما سلّمنا بالواقع الذي افرزه اتفاقية نيفاشا .. فهل ذلك كان يمكن أن يكرس واقعاً يقود في منتهاه لانفصال البلاد أم كان بالإمكان أفضل مما كان ؟؟ وهل في واقع نظام الحكم الحالي من تطبيق فعلي لقيم الإسلام بما يقود للتضحية بوحدة البلاد لأجله ؟؟ ثم : ألم تكن هنالك من النماذج الإسلامية ما يمكن الاقتداء بها في مثل هذه الحالات ، أم أنّ الدين يكمن لدى حكام الإنقاذ في السلطة فقط والحفاظ عليها وليس في أصل الإسلام !! وإلا فماذا بشأن مسلمي جنوب السودان وهم كُثر ، أليسوا هم رعايا مسلمين كذلك مطلوب الحفاظ على حقوقهم بما توفرها لهم الدولة السودانية الموحدة أم أنهم لا يعنون شيئاً ؟؟. في تقديري انه كانت هنالك من الخيارات الكثيرة ما يمكن بها تجاوز هذه المعضلة ومنها خيار ( إقليمية القوانين في الدولة الاتحادية الفيدرالية ) كحال بعض أقاليم نيجيريا وماليزيا . ثم إننا إذا عدنا للحدود الشرعية وتناولناها تفصيلاً أليس بتحقيق مجتمع الفضيلة والدولة الراشدة التي تسود فيها قيم العدل والكفاية بإمكان الاستغناء عن تطبيق تلك الحدود بحيث لا نجد من نطبق عليه تلك الحدود ؟؟ وحتى من باب ( المصلحة الكلية ) أليس في ارض الجنوب من الموارد النفطية التي مع وجود الدولة الراشدة بإمكان استغلال تلك الموارد لتحقيق مجتمع الكفاية في كامل أرجاء البلاد بحيث لا يضطر أحداً ما أن يسرق ليُقام عليه حد السرقة بقطع اليد ، ولا تضطر امرأة فقيرة لتصنع الخمور البلدية ليُجلد شاربها أو تُجلد هي ، ولا يضطر الشباب من الجنسين بداعي الفقر وعدم المقدرة في الزواج على الإقدام على جريمة الزنا ، وهكذا .. أليس بإمكان الدولة تفعيل دور الدعوة والدعاة لتحقيق تلك القيم وسيادتها بين أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الديني هوا لقانون السائد الذي يحصن المجتمع عن الرذيلة بدلاً عن انشغالهم بالدفاع عن السلطان الجائر ؟؟ كل ذلك ممكن ومقدور عليه ولكن الأمر المؤسف هوان دعاة الإسلام السياسي في هذا العصر جعلوا من الدين مطية للوصول للغاية الحقيقية لديهم وهي السلطة ومتى ما تحقق لهم ذلك تركوا الدين جانباً وتمسكوا بالسلطة واستماتوا في الدفاع عنها حتى إذا ما لاحت لهم مهددات لسلطتهم استخدموا الدين مجدداً كشعار للدفاع عن السلطة وهكذا .. مما خلق شيء من الانفصام لديهم . ولكن الإسلام كدين ندينه ونعرفه ونتمسك به بعيد تمام البعد عما هم عليه ولم يكن يوماً مدعاة للتفرقة بين الناس بل على نقيض ذلك كان باعثاً للمودة والألفة والمحبة بين الناس ولو أنّ المسلين في شمال السودان تمثلوا ذلك لدخل غير المسلمين من أبناء الجنوب الذين نزحوا إليهم بسبب الحرب إلي دين الله أفواجاً ولكن ؟؟! وفي لكن هذا تم إبادة مئات الآلاف من المسلمين الذين يدينون بالإسلام في دارفور ولولا ثباتهم ورسوخ عقيدتهم لارتدوا عن دينهم يوم تبعثروا في الفيافي والوديان وتلفتوا ينمة ويسرة فلم يجدوا أمامهم من يقدم لهم يد العون الإنساني بعد ربهم سوى أهل الكتاب من النصارى ( فما لكم كيف تحكمون ) . نواصل 2-2 مواصلة للحلقة السابقة وعملاً بما نادينا به من تغيير نمط الكتابة بتقديم البرامج والخطط البديلة بدلاً عن الاقتصار على النقد ، وإسهاماً في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وحدة البلاد ، نتقدم بطرح هذا البرنامج الموجز للوحدة الجاذبة في السودان في جنوبه وغربه ، علماً بان هذا البرنامج كان معداً في الأصل لدارفور من خلال جمعية إحياء التراث الشعبي في دارفور لأجل تكوين هيئة وطنية لرتق النسيج الاجتماعي في دارفور ورأينا توسيعه ليشمل الجنوب . أولاً اسم البرنامج : يسمى هذا البرنامج ( البرنامج القومي لدعم الوحدة وإعادة تعمير جنوب السودان وإقليم دارفور ) . ثانياً الجهات المخاطبة : هذا البرنامج مطروح لكافة القوى السياسية في السودان بهدف تشكيل حكومة انتقالية قومية تتولى مهام تنفيذ هذا البرنامج وكافة قضايا الوطن العالقة . ثالثاً التنفيذ : يفتتح هذا البرنامج رئيس جمهورية السودان بخطاب تاريخي يقدمه للشعب السوداني من على منصة البرلمان وينقله التلفزيون الرسمي نقلاً مباشراً يتقدم فيه باعتذار صريح رسمي لشعوب جنوب السودان ودارفور والشرق وكافة الهامش عن المظالم التاريخية التي لحقت بهم على مدى كافة العهود السابقة وعن الجرائم التي تم اقترافها في عهد هذا النظام في الجنوب ودارفور . رابعاً : أن يحوي الخطاب الذي يلقيه الرئيس إقراراً صريحاً بانّ المواطنة هو أساس الحقوق والواجبات في الدولة السودانية ، على أن يتبعه سن مواد تشريعية صريحة في الدستور القومي لجمهورية السودان تنص على عدم التمييز بين مواطني الدولة بسبب الدين أو العرق أو اللون واعتبار ذلك جرماً يحاسب عليه القانون وإعمال عقوبة رادعة في الدستور لكل من يثبت تورطه بممارسات عنصرية بكافة إشكاله . خامساً فحوى البرنامج وآليات التنفيذ : 1/ أن تعتمد الدولة خطة عمل مدروسة محددة الأجل لإعادة الإعمار في كل من جنوب السودان ودارفور تتم التصديق عليها وإجازتها في مجلس الوزراء والبرلمان القادمين . 2/ تقوم الدولة بتشكيل لجان فنية في مجال المنشآت والمشاريع لتنفيذ الجانب الفني في مجال الطرق والجسور وإعادة اعمار القرى والمدن . 3/ أن تعتمد الدولة ميزانية كافية لهذا الغرض . 4/ تشكيل لجنة سياسية قومية للمتابعة والتسليم في الوقت المحدد حسب الخطة الموضوعة والبرنامج الزمني لها . 5/ تشكيل لجنة قومية للإغاثة والتطبيب في جنوب السودان ودارفور وبخاصة في المناطق النائية حيث التقارير الواردة من هناك مسنودة بالصور تشير إلي مدى قساوة ظروف المعاناة للمواطنين فيها . 6/ تشكيل عدة لجان شعبية قومية قوامها الفنانين والمسرحيين والشعراء وبعض رموز المجتمع المدني للتواصل مع المواطنتين في مناطق تواجدهم بغرض التثقيف والتوعية والترفيه بإقامة المهرجانات الشعبية والندوات السياسية . 7/ فيما يتعلق بدارفور يشترط تمهيد الأرضية أولاً بتوقيع اتفاق سلام شامل وعادل مع فرقاء القضية وبداية تنفيذ برنامج إعادة الإعمار والعودة الطوعية للمواطنتين المشردين في اللجوء والنزوح ومن ثم يبتدئ العمل بالفقرة 6 المتعلقة باللجنة الشعبية كبرنامج مصاحب لإعادة التأهيل ورتق النسيج الاجتماعي في الإقليم . هذه بإيجاز فحوى ما نراها ضرورية لإمكانية معالجة قضايا الوحدة والسلام المستدام في البلاد من حيث الجوانب الخدمية والاجتماعية ونحن على أتم الاستعداد للمساهمة فيها متى ما استوفت شروطها ولمسنا الجدية في إنفاذها. والله من وراء القصد . شريف دهب / جمعية إحياء التراث الشعبي في دارفور 16/5/1431 الموافق 30/4/20010م