في كلمته ( سلفاكير بين الإنفصال و الوحدة) التي نشرت في هذا الموقع بتاريخ الإثنين 28 يونيو 2010م ,أفاد السيد/ الطيب مصطفي ,أن يوم إنفصال الجنوب عن الشمال, في حالة حدوثه, سيعتبر يوم الإستقلال الحقيقي , ذلك ان الشمال لم ينل إستقلاله في يناير من عام 1956م. و من يقرأ هذه العبارة التي ختم بها الطيب مصطفي كلمته, يعتقد أن هذا الشمال مستعمر من قبل الجنوب. و من يقرا ما يكتبه بعض الجنوبيين حول هذه المسألة, يعتقد أن الجنوب, مستعمر من قبل الشمال. إذن من نصدق ؟ الطيب مصطفي و منبر الشمال , الذي يدعو إلي فصل الشمال عن الجنوب ؟ أم الإخوة الجنوبيين الذين يدعون إلي فصل الجنوب عن الشمال؟ إن كان الطيب مصطفي, يقصد بالإستقلال, أن الجنوب يشكل عبئاً علي الشمال, و يجب التخلص منه, فإن الجنوبيين سيردون قائلين, أن الجنوب لم يتلقي أي خدمات من الحكومة المركزية في الشمال, و بقي كماً مهملاً, يقع في دائرة الهامش, و من ثم يتعين عليهم أن يفصلوه عن الشمال, لكي يقرروا في شأنهم بأنفسهم. الإستقلال Independence بالمعني السياسي, يعني التحرر من حكم الأجنبي. و لنتساءل : هل يوجد طرف من طرفي القطر مستعمر من قبل الطرف الآخر, أم أن ما يكتب و يقال هنا و هناك, هو مجرد حديث عاطفي و إنفعالات و فكرة إستهام بها البعض, و صاروا يدورون حولها, دون أن يدروا خطورة ما يكتبونه علي وضع البلد؟ أخشي أن أقول , أن البعض منا يعاني من ما يسمونه في مجال الإستيراتيجيا, مشكلة الرشد المحدود Bounded rationality . و هذا وضع يجعل الفرد غير قادر علي إدراك الصورة الكلية Big picture للمسألة التي هو بصدد تناولها. و معلوم, أن السودان و بحدوده الحالية, كان يقع تحت الإستعمار الإنجليزي, لأكثر من خمسون سنة , ثم نال إستقلاله في يناير من عام 1956م. لقد إستلم أهل البلد, هذا السودان و بحدوده الحالية, و بما فيه من مشكلات,من صنع أيدينا كانت, أم من صنع الإنجليز. و بدلاً من أن نعمل علي علاج هذه المشكلات, لنلتفت إلي مهام التنمية و البناء, ظللنا ندور حول حلقة مفرغة, و لم نجن شيئاً من هذا الدوران, غير الفقر و الخراب, بسبب الحرب التي ظلت مشتعلة في الجنوب كل تلك السنين . لقد ظللنا ندور حول هذه الحلقة المفرغة دون وعي منا, حتي أتانا الحل من الخارج, حيث فرض علينا هذا الإتفاق, أي إتفاق نيفاشا بكل سلبياته, و الذي إرتضيناه كحل لهذه المسألة, رغم هذه السلبيات التي تكتنفه. و بدل من ان يتوفر طرفي الحكم, علي إنفاذ بنود هذا الإتفاق الذي تم عقده في نيفاشا , في عام 2005م , دخلا في مماحكات سياسية, و بما يشبه المكايدات, حتي قاربت الفترة الإنتقالية علي الإنتهاء. أي لم يتم عمل شئي ملموس لجعل الوحدة جاذبة, عدا ما نشاهده في هذه الأيام , من ممارسات هي أقرب إلي إستطلاع الرأي , أو قل برنامج العلاقات العامة. كان يتعين علينا أن نستغل الوقت المتاح, لنجعل من الوحدة خياراً جذاباً,بدل هذه الكبكبة التي وقعنا فيها, أو ما يسمونه في مجال الإستيراتيجيا و إدارة المشروعات Student syndrome. و يقصد به حالة تراخي الإدارة عن العمل, حتي يقترب الزمن من النهاية, ثم تبدأ في الكبكبة, كحال الطالب الذي يهمل في إستذكار دروسه, حتي يحين موعد الإمتحان. هذا سلوك لا يؤدي إلي شئي, غير إضاعة الوقت, ذلك ان الجمهور ليس في حاجة لأن يستطلع رأيه. إن إستطلاع الرأي و معرفة الرأي هذا سيحدده الإستفتاء الذي تقرر إجراؤه في نهاية الفترة الإنتقالية, و الذي سيحدد ما إذا كان سيبقي هذا الجنوب في إطار السودان الحالي, أم سينفصل و يذهب لحاله, و يكون أهله دولتهم المستقلة. الإنفصال ليس أمراً هيناً, ذلك انه ستترتب علي هذا الإنفصال في حالة حدوثه تكاليف باهظة, إقتصادياً و إجتماعياً و سياسياً, لن يكون بمقدورنا تحملها. إذن لماذا نخرب بيوتنا بايدينا ؟ و لنتساءل : هل لدينا مركز للدراسات الإستيراتيجية , عمل دراسة حول هذه المسألة و قدم حساباً لتكلفة هذا الإنفصال, و بناء سيناريوهات بديلة للمستقبل, أم أننا نمارس إدارة شئوننا العامة , بمفهوم إطفاء الحرائقFire fighting approach؟ إن الإتجاه الغالب حول هذه المسألة لدي أبناء الجنوب- و هم من سيتم إستفتاءهم - هو تفضيل خيار الإنفصال , و تكوين دولة لشعب الجنوب. هذا ما تشير إليه قرائن الأحوال. و إلي أن يأتي هذا الموعد المضروب, يحسن بنا أن نعمل علي ترتيب أمورنا في الداخل, لمقابلة مآلات هذا الإنفصال في حالة حدوثه . و من هذا أن نعمل علي ترتيب عملية الفصل في هدوء, بدلاً من هذا الشحن العاطفي و العمل علي إثارة النعرات هنا و هناك. هذا إسلوب لا يؤدي, و يجمل بنا أن ننأي عنه. رشيد خالد إدريس موسي الرياض / السعودية