بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى:(هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس بقلم: أبوبكر يوسف إبراهيم* إستهلالة: عندما نطالع الأخبار ونسمع الحوارات ونطلع على المقابلات الصحفية؛ نشعر بأن هناك أيدٍ خفية تعمل على تداخل الأمور و" لعبكت" سيناريوهات يعتقد صانعوها بأنهم في سترٍ ومأمن وغطاء من حسن النية ؛ وأن أمرهم غير مكشوف ؛ وأن رائحة ثوم الطبخة مكتوم؛ وأن بنسيجهم هذا يعتقدون بتفوقهم على ذكاء الآخرين. دعونا نراجع المشهد والسيناريوهات واحداً تلو الآخر لنخلص إلى أن هناك مركب يصارع أمواج عاتية وليس أي ربّان يستطيع أن يجتاز بها هذه " النّوة" إلى بر الأمان. إن جدلية نهم وشهية الحكم يبدو أنها بدأت تتحكم تصرفات الكثيرين الذين يدعون أنهم أزهد الناس فيه. الزُهّاد الذين يزهدون عن أمر لا يتحدثون عنه لا سراً ولا علناً ولا يوعزون للآخرين الترويج له.!! اولاً: سمك .. لبن.. تمر هندي !! Ê حزب المؤتمر الوطني حزب اكتسب أرضية جماهيرية بناءً على ما قدمته ثورة الإنقاذ من تنمية ما كانت لتكون لولا الإرادة السياسية والقيادة المتفردة للرئيس البشير بعدما بلغ حال البلاد والعباد في عهد ما يسمى بالديمقراطية الثالثة حضيضاً متفرداً وفارقاً من جراء حكم الأحزاب التقليدية التي ليس لها هم غير حصد المنافع وتوزيع الغنائم ؛ إذ بلغت القلوب يومها الحناجر ؛ وحتى ليلة30/6/1986 كان قد وصل حال البلاد والعباد إلى نقطة الانهيار التام للدولة ؛ وأنا لا أتحدث عن هيبة الدولة ؛ فتلك الهيبة ضاعت مع أول يوم سلّم فيه المشير سوارالذهب الحكم للحكومة المنتخبة ؛ وعندما بلغ السوء سنامه وذروته ؛ كان هناك تنادي صامت يُقرأ في عيون الشارع السوداني الذي بدأت نظراته وبؤسه يناديان : أمن منقذ ؟! أمن مُخلّص؟! حتى كانت إرادة الله ومشيئته بأن يكون ذلك المنقذ هو عمر حسن أحمد البشير. Ê الذين يزايدون لتحميل الإنقاذ انفصال الجنوب هم أكثر الناس درايةً وعلماً ويقيناً بأن الجنوب فنياً انفصل منذ أن نقض نميري اتفاقية أديس أبابا . ولست أفهم لماذا دائماً نحاول دفن الرؤوس تحت الرمال ؟! ولماذا نهرب بمعضلاتنا إلى الأمام ؟! . لقد كان واضحاً أننا كنا نبدد كل طاقاتنا ونهدر أموالاً طائلة كانت تنفق في الحرب أهلية لا قرار لها؟! أما كان الأجدر أن يتوافق يومها الجميع وخاصة الأحزاب التقليدية التي أورثت المعضل للإنقاذ على فصل الجنوب حتى توفر ما كان يهدر في تمويل حربٍ لا قرار ولا منتصر فيها فتنفق كل تلك الأموال المهدرة منذ عام 1956 حتى 2005 وتوجّه كل تلك الأموال لتنمية السودان . فماذا كان سيكون حالنا اليوم؟! فهل كان بمقدور أي حكومة جنوبية - على اعتبار أن الجنوب انفصل منذ 1964 عقب ثورة أكتوبر- فهل كان بمقدوره أن يستخرج النفط الذي استخرجته لهم الإنقاذ؟! وهل كانت النخب الجنوبية ستطالب والعباد بتقرير المصير إذا لم تستخرج الإنقاذ البترول؟!. كما يلاحظ أن دولة الجنوب أيضاً دولة مغلقة وأن طبوغرافيا الأرض أيضاً تصبح حائلاً في عمليات نقله وتصديره. كما يجب قراءة التحولات الإقليمية التي ستؤثر على انخفاض أسعار البترول إذ أن العراق بدأ إعادة تأهيل منشآته النفطية وسيرتفع حجم إنتاجه ؛ وأن ليبيا بعد انتصار الثوار وذهاب " ملك ملوك أفريقيا " إلى مذبلة التاريخ ستعود إلى الإنتاج بوتيرة عالية تنخفض معها أسعار النفط عالمياً ؛ ويصبح أي استثمار لنقل البترول الجنوبي بغير منشآت الشمال النفطية أمراً غير ذي جدوى. ما سمعته عن ائتلاف الأحزاب الثلاثة المؤتمر الوطني والاتحادي والأمة أشبه بلبن.. سمك .. تمر هندي!! . ربما الأفضل أن نتحدث عن المشاركات والحكومة العريضة والبرامج التنموية بدلاً من الائتلافات؛ فلكل حزبٍ توجهه فلا يمكن خلط اللبن بالماء وإلا أفسده ولا يمكن خلط الزيت بالماء وإلا طفح .!! ثانياً: لا بد للرئيس من أن يعيد النظر فيما لا خيار له فيه: Ê من يروج هذه الأيام أو يكاد يُمنّي النفس بالحلم برئاسة الجمهورية كلما أعلن الرئيس رغبته في عدم الترشيح لدورةٍ جديدة بعد انتهاء ولآيته الحالية والتي ستنتهي في عام 2014. نعلم أن الرئيس البشير انتخب عبر انتخابات حرة ونزيهة شهدت عليها منظمات دولية محايدة ؛ وما يلفت النظر هذه الأيام، كأنما هناك حملات تهيئة نفسية تبدو في شكل حوارات صحفية ومقابلات تلفزيونية وكأنها حملات منظمة ؛ برأيي لا ولم ولن يحالفها التوفيق؛ لأنني لا أفهم معنى لأن تجرى مقابلات صحفية في حين لم يمض على ولاية الفترة الحالية غير عامٍ ونصف. كما إن الذي يدعو للدهشة أو يحبط توقعاتي التي خابت؛ إذ كنت أتوقع أن يتمحور الحوار مع الرئيس حول خططه لما بعد انفصال الجنوب؛ وتحليل المهددات والأخطار؛ الوضع الاقتصادي والمعيشي ، وما تم تحقيقه من تبنّي إستراتيجية النهضة الزراعية ؛ أو تقديم كشف حساب عما تحقق من برنامجه الانتخابي وما تبقى. أما القفز على كل هذه الأولويات والتركيز على مسألة هل سيترشح البشير لولاية ثالثة أم لا؟! أو من سيخلفه ؛ فهذا إنما ينم ويدل عن خبث سياسي لتحقيق مطامح إما حزبية إما جهوية وإما شخصية. فالسؤال الذي يطرح نفسه هل السودان في هذه المرحلة ولعشر سنوات قادمة مهيأ لأن يترك البشير سدة الحكم لغيره ؟! ومن هذا الغير؟! وهل أخذنا في الاعتبار أن الخطر الماثل أمامنا من شقيقتنا الوليدة وطول حدودها (2500) كيلومتر؟!. Ê "ليس من سبق كمن صدق " مصطلح جديد بدأ العزف عليه في السر والعلن من فئة ظهرت لتقول أن " الخيل الحرة بتجي ورا"!! ؛ نعم تأتي هذه الخيل في مقدمة السبق إن كانت قد بدأت السباق مع الكل من أول لحظة انطلاق السباق؛ وليس عندما بدأت النعم تظهر ويتداعى هؤلاء إلى قصعة الإنقاذ بعد أن كانوا في بيات شتوي في سنين العثرة.!! أمثال هؤلاء خافوهم.!! Ê يجب أن لا نسبق الأحداث فما زال هناك الكثير من الوقت ؛ وهناك أولويات أهم من وراثة الحكم وقسيم تركة ما زال صاحبها حيٌ يرزق ؛ كما أن تفجير مثل هذه الحملة والتساؤلات الآن فيمن سيخلف البشير لهو أمر يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك مدى تأصيل شهوة الحكم في نفوس البعض وهذه النزعة هي أسوأ ما أورثته الأحزاب الطائفية التقليدية لمن ترها من أجيالها . إن مصير السودان ومستقبله وإنسانه هو آخر ما في أجندة أبنائه الذين يعارضون فقط من أجل الاستوزار؛ بل تعدت طموحات هؤلاء سقف الاستوزار إلى نيابة الرئاسة وحتى الرئاسة نفسها!!. ربما تكون أكبر معضلة تواجه البشير هي عدم إمكانيته توفير منصب وزير لكل معارض من معارضتنا التي فيها من يعارض بحمل السلاح وآخر يعارض عبر مكبرات الصوت الإعلامية. قد يكون هذا أحد أسباب زهد البشير بالاستمرار في رئاسة الدولة ولكن المسئولية التاريخية أمام الأجيال القادمة والتي تحتم عليه إعادة النظر في ما يتداول اليوم فالأخطار الداهمة أكبر من أن يستطيع رئيس ليس ذي خلفية عسكرية أن يديرها. Ê للرئيس البشير مكانة في نفوس أبناء الشعب السوداني سواء الذين يؤيدونه ويتفقون معه أو حتى من يختلفون معه ؛ وأنه نال ثقة الشعب عبر ملاحم كثيرة ؛ مواجهة التمرد الذي وصل في عهد حكم الأحزاب إلى الناصر والكرمك وقيسان ,دعونا نتذكر قول المرحوم عمر نور الدايم " " يعني أيه ما تسقط الكرمك فبرلين قد سقطت"!! . للرئيس البشير " كاريزما " وحبة في نفوس الشارع يصعب على من سيأتي بعده أن يؤسس لها فعلينا " أن لا نتعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى" كما يقول المثل ؛ ودعونا لا نرجع للمربع الأول ونعيد اختراع العجلة مرة أخرى ؛ وعلينا أن نتعظ من ممارسات الماضي ونذكر قول الرجل الوطني النقي المرحوم الشريف زين العابدين الهندي وهو على سدة الحكم شريكاً في حكومة الائتلاف التي كان يرأسها الإمام الحبيب ؛ لنتذكر قولته الشهيرة المأثورة حينما بلغت أحوال السودان أسفل سافلين من جرّاء التخبط السياسي الحزبي وتردي وسوء إدارة البلاد فقال ( لو جاء كلب ليستولي على الحكم فما حنقوا ليهو جر).. كل هذه المعطيات والأزمات التي يعيشها السودان تتطلب إدارة دولة حازمة ورئيس مهما اختلف الناس ؛ فقد أحبوه لوطنيته ولحبه لوطنه ؛ فماذا كان حال قواتنا المسلحة ليلة 30/6/1989 وهي الدرع الحامي للسيادة والوطن وهي التي توفر الأمن والأمان للمواطن فينام قرير العين آمناً على عرضه وأرضه وماله وعياله؛ فهل وفّر لنا الإمام الحبيب مجرد الأمن فقط وابن عمه وزيراً للداخلية يومها؟! أسألوا الإمام الحبيب ليجبكم من منطلق الأمانة السياسية فقط ولا يحتمل الأمن طول أو قصر فترة حكمه ؛ فالأمن ليس التنمية المستدامة ؛ فأي تنمية تعتمد على الأمن أولاً ؛ لذا فلا عذر ولا مبرر بقصر فترة حكمه ؛ ففي أربع سنوات يمكن لأي حكومة تحقيق الأمن بدلاً من أن تطور انفلاته لدرجة غير مسبوقة .!! هامش: حمى الله السودان من بعض أبنائه الطموحين الطامحين من الذين صدقوا ولم يسبقوا.!! . كاتب وشاعر ( عضو رابطة الإعلاميين –الرياض – السعودية)