أخطر ما يمكن ان يخرج به المواطن من مؤتمر والي الخرطوم الصحفي امس الاول، قوله: "الماعندو قدرة المعيشة في الخرطوم، ما يقعد فيها"، وهو قولٌ في رأيي يبدّد كل التطمينات والبشريات التي كشف عنها الوالي نفسه، فيما يتعلق باتخاذ إجراءات ومعالجات عاجلة، لمحاصرة ارتفاع الاسعار، من خلال رفع الضرائب، وإلغاء الجمارك عن اثنتي عشرة سلعة، متوقعاً ان يشهد السبت المقبل بدء تنفيذ تلك التخفيضات، بعد عرضها على اجتماع مجلس الوزراء اليوم. دعوة الوالي "الاستفزازية"، والتي تحصر العيش في عاصمة البلاد على الاغنياء فقط؛ جاءت لتعبّر عن يأس الحكومة، وتخليها عن آخر مسؤولياتها تجاه المواطن البسيط، الذي لم يطلب اكثر من "عشة" صغيرة في ارض بلاده، تكون له سكناً، ولم يعشم في حكومته اكثر من ان تقدّم له الخدمات الضرورية، وان "تلتفت" إليه في إطفاء نار الاسعار التي تحاصره وتحيل حياته إلى جحيم لا يطاق. دعوة الوالي اغفلت نقطة مهمة جداً، وهي انه بحديثه ذاك، إنما يطالب المواطنين الفقراء، بعدم العيش في السودان، وليس في الخرطوم؛ فسياسات الحكومة طوال السنوات الماضية، قضت على شيئ اسمه "ولايات"، إذ تحولت معظم مدنها إلى ما يشبه "الخرابات"، ولم تعد بها اي مظاهر للحياة، وكان طبيعاً في مثل هذه الحالة ان نشهد هذه الهجرات الجماعية والمتواصلة، لسكان الولايات المختلفة، للعيش في الخرطوم، علهم يجدون فيها موطئ قدم، للبحث عن سبل كسب العيش، التي تكابد الخرطوم نفسها في توفيرها بالكاد. ولعل السؤال المنطقي الذي يوجه للوالي هو، إلى اين يذهب هؤلاء الفقراء، غير القادرين على العيش في الخرطوم؟ ومن المسؤول عنهم ابتداءاً بوصفهم مواطنين اصيلين، لهم حقوق وعليهم واجبات؟. وثمة ربط غير بعيد عن الازهان؛ هو لماذا لم تتحرك الولاية لتخفيض الاسعار التي وصلت حداً "جنونياً"، طوال الفترة الماضية، ولم تتحرك إلا مؤخراً بعد ان برزت إلى السطح الدعوات للاحتجاجات ومقاطعة بعض السلع؟ وإذا ترك الفقراء بالفعل الخرطوم وهم غالبية السكان، وغادروها إلى اي مكان آخر؛ فمن هم اولئك الاغنياء الذين ستصفى لهم العاصمة، ومن اين اتوا؟! دعوة الوالي تذكرني بدعوة اطلقها حاكم دبي محمد بن راشد قبل سنوات، قال فيها إن "الذين لا يقدرون على العيش في دبي، عليهم ان يغادرونها، لأن دبي ستكون مدينة لرجال الاعمال فقط، ولا مكان فيها للموظفين".. تلك دبي.. فما بالنا نحن يا سعادة الوالي؟! jamal koora8 [[email protected]]