الحاجة الي الشفافية في صناعة النفط في السودان تأجيج مشاعر الريبة تقرير منظمة غولوبل وويتنس سبتمبر 2009 العودة لحمل السلاح امر غير مستبعد . الجيوش تحتشد علي الاطراف الحدودية من الجهتين . وتشعل حقيقة أن حكومة جنوب السودان لا تستطيع التحقق من أرقام عوائد النفط التي نشرتها حكومة الخرطوم نيران الخصيمة والشك بين طرفين تنهشهما الريبة في أحدهما الاخر. السودان بلد غني بالنفط حيث يوجد الجزء الاكبر منه في جنوب البلاد . ولكن جنوب السودان يقول انه افقر مكان في العالم 90% من سكانه يعيشون علي اقل من دولار واحد في اليوم وهي نسبة اعلي من اي بلد اخر قام بابلاغ الاممالمتحدة للعمل علي تحقيق (الاهداف الانمائيو للالفية الجديدة) كما أن نسبة الامهات اللواتي يمتن أثناء ولادة اطفالهن في جنوب السودان أعلي مما هي في أي بلد أخر في العالم" وهناك واحد من كل ثمانية اطفال لا يعيش حتي يبلغ سن الخامسة ، أما أولئك الذين يعيشون فان امكانياتهم بالوصول الي مدارس ابتدائية اقل منها في اي بلد اخر في العالم وفي وقت نفسه فان شمال السودان لاينعم بنتائج افضل بكثير . اذ يموت تقريبا نفس المعدل من الاطفال وهم صغار. وخمسهم فقط يستكملون دراستهم الابتدائية، كما أن نصف سكان الشمال يعيشون علي أقل من دولار واحد في اليوم. وهذه نسبة افضل بكثير مما هي في جنوب السودان. ولكنها تبقي من بين اكثر فقرا في العالم. كيف يكون السودان غني بالنفط ومع ذلك يعاني كثير من سكانه من الفقر المدقع ؟ أن جزءا من الإجابة علي هذا السؤال تاتي من مسألة عدم المساواة في توزيع ثروات البلاد التي تكاد تنصب في الخرطوم ووادي النيل علي حساب الاطراف الاخري للسودان. وقد كانت هذه الفوارق أحد الاسباب الجوهرية للصراع والاقتتال بين شمال السودان وجنوبه.( فضلا عن المساهمة في النزاعات الدائرة الان في درفور وجبال النوبة والنيل الازرق) وفي هذا السياق فقد ظل جنوب السودان اكثر من اربعة عقود في الحرب الاهلية اذ شنت حكومات شمال السودان حروب ايديولوجية تتدثر برداء الدين والعرق والثقافة حيث توجد في شمال البلاد غالبية مسلمة في حين أن معظم سكان الجنوب مسيحيون او ارواحيون (يؤمنون بالكريم المعتقدات الافريقية) هذا وقد اودت الحرب بحياة مليوني ونصف المليون من مواطني جنوب السودان وكذلك فر اكثر من 80% من سكان الجنوب من منازلهم. وفي التاسع من يناير 2005م تم ابرام اتفاقية السلام الشامل في مدينة نيفاشا الكينية بين الحكومة السودانية التي تسيطر عليها الحركة الاسلامية من جانب وبين الحركة الشعبية وجيشها الشعبي لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق وفي هذا فقد وضعت تلك الاتفاقية حدا لاطول واعنف الحروب في افريقيا وتقضي اتفاقية السلام الشامل بتقاسم السلطة والثروة بين الشمال والجنوب، بحيث يتشارك الخصمان السابقان في حكومة الوحدة الوطنية في الخرطوم . والثروة التي يتم تقسيمها بين الطرفين هي الثروة النفطية التي توجد في جنوب البلاد فهناك حكومة في جنوب السودان تتمتع بنفوذ حكم ذاتي مفوضة بالحصول علي نصف صافي عائدات جميع ابار النفط في الجنوب. وهما يكن من امر فان اتفاقية السلام تحمل امال الملايين من الجنوبيين في توزيع اكثر انصافا للثروة والتنعم بمكاسب السلام بعد عقود طويلة من الحرب ونظرا لان أبار النفط التي يتم تشغيلها حاليا موجودة في جنوب البلاد فان حكومة جنوب السودان تلقت مايزيد علي 6.5 مليار دولار كعائدات للنفط منذ توقيت اتفافية السلام الشامل, وتشكل هذه العائدات 98% من ايرادات حكومة الجنوب مما يجعلها الحكومة الاكثر اعتمادا علي النفط في العالم وعلي ائ فان دخل حكومة الجنوب من النفط ربما يضيف مالا اكثر للفرد الواحد مما هو عليه في كينيا المجاورة والتي هي القوة الاقتصادية في المنطقة . ومن الصعب علي المرء ان يبالغ في وصف التغيير الذي يمكن أن تحدثه هذه الاموال . فعلي سبيل المثال يوجد في جنوب السودان أقل من 50 كيلو مترا من الطرق المعبدة علي الرغم من أن مساحته أكبر بقليل من مساحة فرنسا وبلجيكا معا . علي أن المخاطر كبيرة ففي حال أنهيار الاتفافية والعودة المحتملة الي القتال نسبة للحقيقة القائلة بعدم مقدرة حكومة الجنوب علي التحقق من ارقام عائدات النفط التي تنشرها حكومة الخرطوم تؤجج مشاعر الريبة والشك وعدم الثقة بين الجانبين اللذين لم يكن اي منهما يثق بالاخر في السابق وتعتبر الدقة في احتساب حصة الجنوب من عائدات النفط امرا بالغ الاهمية فالارقام هي التي تحدد الايرادات التي يتم سدادها الي حكومة جنوب السودان فاذا تبين ان النتائج أدناه صحيحة وان الارقام التي نشرتها حكومة الخرطوم في عام 2007 م أظهرت علي سبيل المثال خفضا عن عائداته الحقيقية بنسبة1% فان ذلك يعني ان حكومة جنوب السودان يحق لها مبلغ اضافي قدره 162 مليون دولار عن هذا العام وحده وهذا يشكل مصدر قلق واضح ومن ثم يجب التحقق من ارقام عائدات النفط من قبل اطراف مستقلة وقد كشفت النتائج الي توصل اليها هذا التقرير . ان كمية النفط التي تقول حكومة الخرطوم بأنه تم انتاجها في المربعات 1،2،4 في عام 2007م كانت اقل بنسبة 9% مما جاء في التقرير السنوي للشركة التي تعمل في هذه المربعات وهي شركة الصين الوطنية للبترول.وفي ذات السياق فان كمية النفط التي تم انتاجها كذلك في المربعات 3،7 , في عام 2007م كانت اقل بنسبة 14% مما جاء في تقرير السنوي للشركة الصين الوطنية للبترول التي تعمل في هذه المربعات.أما كمية النفط المنتجة في المربعات 1،2،4،6 في عام 2005م كانت اقل بنسبة 26% مما جاء في تقرير السنوي شركة الصين الوطنية للبترول. وفيما يتعلق بكمية النفط التي تقول حكومة الخرطوم بأنه تم انتاجها في المربع الوحيد الذي يقع كله في الشمال والذي لايخضع لتقاسم عائداته بين الشمال والجنوب كانت شبه متساوية مع مااعلنته شركة الصين الوطنية للبترول. وتجدر الاشارة بأن اسعار النفط التي نشرتها وزارة المالية في الخرطوم لاتتطابق مع الاسعار التي نشرتها الصحافة المتخصصة بصناعة النفط . فحكومة الخرطوم هي التي تجمع الارقام عن كمية النفط المنتج والسعر الذي يباع به ، ولاتشارك حكومة الجنوب في هذه العمليات وبالتالي يجعل من المستحيل علي حكومة الجنوب التحقق من صحة الاسعار المعلنة من جانب حكومة الخرطوم من مبيعات النفط .فأسعار بعض مبيعات مزيج دار، عندما تم انتاجه التجاري لاول مرة عام 2007م تثير الشكوك .لان كانت هناك اربعة عمليات بيع ترلوحت اسعارها بين 15 و23 سنتا للبرميل، علي الرغم من أن مزيج دار كانقد بيع في الشهر السابق باكثر من منائة مرة لهذا المبلغ.ومهما يكن من امر فان حكومة الخرطوم تمارس الغش، عندما باعت النفط عبر عطاءات مغلقة كانت الشركات الصينية فقط هي التي تستطيع المشاركة فيها ومن غير المرجح أن تؤدي عطاءات مغلقة كهذه الي رفع اسعار النفط المباع الي اقصي حد وبالتالي لاتستطيع حكومة الجنوب التحقق من النفط المنتج واسعارها. كذلك أن حكومة الخرطوم تقتطع نسبة ثلاثة في المئة في صيغة رسوم أدارية من العائدات المشتركة مع الجنوب ، اذ يبدو من الصعب تبرير هذا الرسم لان حكومة الخرطوم تتلقي أصلا نصف العائدات من ابار الجنوب ويتم أيضا اقتطاع رسوم عن خطوط الانابيب وليس واضحا من يتلقي هذه الرسوم هل هي الشركات التي تقوم بتشغيل خطوط الانابيب؟ أو حكومة الخرطوم؟ او كلاهما معا؟ وبالاضافة الي ذلك فن شركة النفط المملوكة للدولة ، أي شركة سودابت sudapet التي تمتلك حصصا في جميع المربعات النفطية السودانية. لا تتقاسم ارباحها مع الجنوب وعلي هذا النحو فأن غياب الشفافية والدقة تثير مشاعر الريبة مما يشير الي أن العودة الي القتال تبدو امرا مرجحا وكثير الاحتمالية . فالجيوش تحتشد بالفعل علي جانبي الحدود ، واذا استعر لهيب الحرب مرة اخري ، فان السودان اكبر دولة في افريقيا قد تشهد الانهيار والدمار مما يترتب علي ذلك من بؤس وخسائر في الارواح . اعداد وتقديم مشار كوال اجيط عضو منتدي يوسف كوه مكي للفكر والثقافة