قدر الشعب السوري دفع فاتورة رحيل النظام وتحالفاته دماً. الأزمة السورية لم تلج فقط دهاليز التدويل بل أصبحت سوريا ساحة مفتوحة للعبة الأمم. الفيتو الروسي الصيني ضرب الجهود الاقليمية والدولية لوقف حمام الدم السوري. الفيتو المزدوج ليس موقفاً خالصاً مسانداً للنظام كما أنه ليس موقفاً صرفاً مضاداً للشعب السوري. الفيتو موقف ثنائي في وجه أميركا وحلفائها. بما أن الفيتو المزدوج ضرب منظمتين في وقت واحد، الجامعة العربية والأممالمتحدة. فرنسا فتحت الأفق أمام الخروج على الشرعية لإنهاء المأساة السورية ربما وفق السيناريو الليبي. الجانب غير المظلم في الفيتو الثنائي يكشف عزلة النظام في محيطه الاقليمي والدولي. كما يضيق الخناق على النظام في الداخل تستحكم عزلته في الخارج. اختزال زمن الخلاص وكلفته يفرض على الشعب السوري القفز فوق التناقضات الداخلية. وحدة المعارضة السلاح الأكثر ردعاً لعنف النظام. الرهان الشعبي على قوى الداخل أفضل من ترك القضية قيد التداول الخارجي. سوريا تحولت في ظل الانتفاضة الشعبية ساحة أمام تقاطعات الدول الكبرى. في ظل ظروف متشابكة تحاول قوى متباينة تصفية حساباتها الداخلية والخارجية على أرض الشام. التصلب الروسي ينطوي على حسابات معقدة. بوتين يستثمر أوراقه الانتخابية في الأزمة السورية. قيصر زمانه يريد استرداد »دور موسكو السوفييتي« على الصعيد الدولي. على الرغم من انخفاض درجة البرودة تحت الصفر على نحو استثنائي ترتفع حرارة المعارضة في وجه بوتين على نحو استثنائي كذلك. أزمة المعارضة الروسية تنطوي على ملامح من المعارضة السورية. في الحالتين يستفيد النظام من تشقق جبهة الرفض والممانعة. في البلدين تغيب القيادة القادرة على التوحيد والاقناع والالهام في معسكر المعارضة. بوتين ينقل بعض أعباء أزمته الروسية إلى الساحة السورية. روسيا خسرت عقوداً طائلة تتجاوز عشرة مليارات من الدولارات مع نهاية نظام القذافي. العقوبات الغربية على إيران تكلف موسكو مليارات إضافية. النظام السوري يضمن بعض عائدات شرق أوسطية. الأكثر أهمية المربط العسكري للأسطول الروسي على الساحل السوري. الصين تحاول على الساحة السورية عرقلة المصالح الغربية. بكين تعتبر سوريا بوابة باتجاه إيران. هي معنية بحقول النفط وصادراتها. الصين تريد إثبات نفسها قوة دولية فاعلة ذات إرادة مؤثرة. الحفاظ على النظام السوري يشكل مصداً للدفاع عن إيران. في تاريخ موسكووبكين سجل أسود لقمع حركات الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة والعدالة. في يونيو 1989 أطلقت القيادة الصينية أيام دينغ كسياو بينغ الدبابات والنار على جماهير الطلاب والشباب في ساحة تيان آن آمين على مدى ستة أسابيع. عنف النظام الصيني أهدر أرواح آلاف الشباب في ما بات يعرف بربيع بكين. على نسق الحراك في الربيع السوري كان ربيع بكين قوامه حركة شعبية تستهدف الديمقراطية. مثل النظام السوري اعتبرت القيادة الصينية حركة الشعب خطراً على استقرار النظام. في العام 1968 عبرت الدبابات الروسية الحدود إلى براغ لإنهاء مغامرة ديمقراطية نفذها زعيم الحزب الشيوعي التشيكوسلفاكي الكسندر دويتشك. نحو 30 فرقة سوفييتية جاست في العاصمة براغ وحصدت مئات القتلى والجرحى في ما بات يعرف بربيع براغ. المغامرة التشيكية لم تستهدف أكثر من منح النظام الشيوعي هناك وجهاً إنسانياً. تلك هي المهمة نفسها التي أنجزها التشيك في ثورتهم المخملية في العام 1989. كلاهما بكينوموسكو لم يستفيدا من أحداث العالم أو يستوعبا دروس التاريخ. قدر الشعب السوري اختزال الزمن والانقسامات الداخلية لانجاز ربيعه. ربما تكون الكلفة باهظة غير أن رصيد الشعب أكبر مما لدى النظام وصبر الشعب دائماً أوسع من عنف النظام.