بسم الله الرحمن الرحيم عندما كنا طلاباً في جامعة الخرطوم بعد ثورة الطلاب في شعبان 1973 م وما تلاها من أحداث زج النظام المايوي بما يزيد على المائتى طالب من مختلف الجامعات – غالبهم من جامعة الخرطوم – في معتقلاته و كان معظم المعتقلين من الإتجاه الإسلامي . إستقر بنا المقام لاكثر من عام – عامين دراسيين – في معتقل دبك شمال مدينة بحري فاقتسمنا عنابر السجن الثلاثة عنبرين للإسلاميين و عنبر للشيوعيين ومعهم طلاب الانصار و مجموعة ( ليبرالية و منفتحة ) من الاسلامين أذكر منهم الاخوة د. بكري عثمان سعيد و العبيد فضل المولى و المهندس عبد المعروف محمد الحسن و قد كان طلاب الانصار أقرب إلى الشيوعيين على الرغم من أنهم كانوا حلفاءنا السياسيين في الجامعة و الجبهة الوطنية المعارضة . ومع أن المصيبة قد جمعتنا في المعتقل بالشيوعيين إلا أننا كنا - بادي الرأي - في فناء السجن نحتفظ بمسافة واسعة بيننا و بينهم وربما اضطرهم بعضنا لأضيق الطريق إذا تلاقوا أمام الحمامات أو في صفوف التمام و الحوض الكبير - الذي يغذيه الماء من جداول مزرعة السجن و الذي كنا نشرب و نغتسل منه - و لكن عندما مضت شهور من الحبس راجعنا الامر وتواصلنا معهم فتقاسمنا مجموعات الخدمة و الطعام في السجن و تشاركنا في حلقات المدارسة فاشتركت مجموعة منا في حلقة دراسية للغة الفرنسية كان يقيمها المرحوم صلاح الصديق المهدي وحلقة لعلوم الصوتيات كان يقيمها أحد الشيوعيين من معهد الموسيقى و المسرح و شاركنا الشيوعيون في حلقات العلوم الإسلامية لا سيما حلقة اطلاع في كتاب الملل و النحل كان يقيمها الدكتور حسن مكي و تشاركنا منافسات الكرة الطائرة و كرة القدم ( الشراب ) و المنافسات الاخرى عندما حل شهر رمضان بدأنا في تنظيم عمليات و مجموعات الصيام فجاء أحد الشيوعيين وطلب بأدب أن ينضم إلى مجموعات الصيام و اذكر أن جدلاً دار بيننا حول ( مشروعية ) صيام الشيوعي !! فاعتصم بعضنا بالرأي الفقهي التقليدي الذي يقول إن من أهم شروط أداء الشعائر هو الإسلام إذ ان هؤلاء كانوا يعتبرون الشيوعيين ( كفاراً ) و ملحدين لا سيما أن (الزميل ) قال أنه يصوم لأسباب صحية فقال عقلاؤنا يكفيكم أنه اعترف بأن للصيام فوائد صحية و انه يريد أن يصوم في شهر رمضان !! قبلت المجموعة حجة العقلاء على مضض لأنها تعتقد أن حِمى الإسلام له باب واحد هو النطق بالشهادة و انها تحرس هذا الباب وأن الشعائر ( تكاليف ) لله الغني و ليست لنا نحن الفقراء إليه وقد لا ترتبط بأي فوائد عاجلة ونسيت هذه المجموعة أن التاريخ الإسلامى شهد إسلام من أسلم بنوايا متشعبة و مداخل شتى قبل أن يحسن إسلامه فإن الدراسة الموضوعية تقول إن المبادرين إلى تصديق الرسل يكونون دائماً من المستضعفين و غير المستفيدين من النظام القديم والطامعين في أن يكون لهم شأن في النظام الجديد الذي يبشر به الرسل و إن إبن كثير قال في سيرته عن بيعة الانصار في العقبة الاولى (كان مما صنع الله بهم – اي الأنصار - في الاسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا: إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض يا قوم تعلمون والله إنه النبي الذى توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه.) و ان حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء أسلم حمية وبدافع الإنتصار لابن اخيه بعد أن آذاه أبو جهل فقال له : ( أتشتمه فأنا على دينه أقول ما يقول ) و كذلك إسلام أبي سفيان الذي بدأ طلباً للأمان لقومه و عندما كلمه الرسول (ص) وقال له : وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّهُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ " قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي مَا أَحْلَمَك وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك ، وَاَللّهِ لَقَدْ ظَنَنْت أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللّهِ إلَهٌ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنّي شَيْئًا بَعْدُ قَالَ " وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ " قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَحْلَمَك وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك أَمّا هَذِهِ وَاَللّهِ فَإِنّ فِي النّفْسِ مِنْهَا حَتّى الْآنَ شَيْئًا . ) و عندما شهد كتائب الجيش قال للعباس : إن ملك إبن أخيك صار عظيما فقال له العباس : أنها النبوة . و كذلك كانت بيعة وفد ثقيف الذي جاء يشترط بعد الفتح ألا تهدم اللات إلا بعد ثلاث سنوات فرفض النبي (ص) طلبهم الذي ظلوا يساومون فيه حتى الثلاثة أشهر ثم اشترطوا عدم الصلاة واستجابوا بعد رفض الرسول (ص) بقولهم (سنؤتيكها وإن كانت دناءة) و في النهاية بايعهم الرسول (ص) على ولاء جزئي وقال : لكم ألا تحشروا ولا تعشروا ولا يستعمل عليكم غيركم، استرجعت كل ذلك و أنا اقرا قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) فقد كتب اللة الصيام على كل أصحاب الديانات السابقة كاليهود و النصارى و كان الصيام معروفاً في شعائر الأديان الوضعية الهندية و الإغريقية و الرومانية و الفرعونية و كذلك الصلاة و الحج و النسك و غيرها من الشعائر الدينية فالقرآن يتكلم عن إقامة الأمم السابقة للصلاة و إيتائها للزكاة و عن إرتباط الحج بسيدنا إبراهيم و الرسول (ص) يحدثنا عن حج موسى و يونس و أنه بعث متمماً لمكارم الأخلاق و أن دعوته لبنة في بناء الحق الذي شيده الأنبياء من قبله فالناس بفطرهم يتخذون الآلهة و الأرباب و يتقربون إليها بهذه الشعائر و الرسل يرفعون الناس من عبادة الآلهة الصغيرة و الاهواء إلى عبادة الله وحده و يدعونهم إلى صرف هذه الشعائر إليه و الإسلام بهذا المعنى دين الفطرة الإنسانية السوية لا يطالب المؤمنين به بالخروج عن الحياة ولا يكلفهم بما لا يعرفون و إنما يوجهه سعيهم و يصبغ بصبغة الله نشاطهم و بهذا المعنى يكون في شعائر الإسلام خطاب لغير المسلمين تعرفه فطرهم و عقولهم ينبغي أن يستغله المسلمون بدلاً من أن تصبح الشعائر شارات للمجانبة و العصبية وشهوة التميز علي الآخرين وإذا كان الناس يحسون بفضلهم على الطبيعة ولايودون أن تأسرهم أحياؤها وأشياؤها، وينشدون السمو العقلي والروحي، فإن الإسلام يعلمهم ذلك بالذكر والعبادات. وإذا كانوا يحسون بالضرر الناجم عن اختلال تعامل الناس مع المعادلات التى تقوم عليها الحياة، فإن الإيمان بالله وتعاليم الدين تهديهم إلى الصراط المستقيم، وإذا كانوا يودون أن يطمئنوا إلى مستقبل الاجتماع البشري، فإن في قيم الدين وتعاليمه وأخلاقه ما يضمن ذلك، وما يكفكف طغيان الأفراد والفئات، وإذا كانوا يودون تجنب التخبط في المناهج البشرية السياسية والاقتصادية والقانونية، فإن في شرائع الدين وتعاليمه ما يعصم هذه المناهج من الأهواء والانحراف، وإذا كانوا يودون معرفة أسرار الكون ومغازي الحياة فإن في الوحي المنزل من عند الخالق الأمن والطمأنينة التي ينشدون. وإذا كان الإيمان والإخلاص هو شرط قبول العمل عند الله، فإن مقتضيات الدعوة والانتقال المتدرج في سلم الإيمان تقتضي أن نبسط أيدينا ونتقبل من أراد أن ينعم بالسلام في كنف دولة إسلامية، أو يقاتل مع جنودها الظلم، أو يشترك في أعمال الخير الاجتماعية، أو يلتمس العدالة في ظل قوانين الشريعة الإسلامية ونظامها الاقتصادي، أو يبتغي أسباب الصحة والسمو الروحي بالصيام والانضباط بالصلاة و يرى في الحج ما رآه داعية الحقوق المدينة الأمريكي مالكوم إكس بعد أن إعترض البعض على دخوله الحرم بحجة إنحراف إعتقاد جماعة الإسلام الامريكية التي ينتمي إليها و ما رأته مسز أرنوك في أوضاع المرأة المسلمة .و عاملة الغسيل في الفندق التي دخلت الإسلام من باب الإعجاب بنظافة المسلمين و تلك التي كفاها الإسلام نظرات الرجال الشهوانية التي تخترق جسدها الجميل و ذاك الشاب الأمريكى القلق الذي أعجبته لغة الحقائق المطلقة التي يتكلم بها القرآن و ذاك الذي تخلص بالإسلام من السمسرة و الحجاب الذي يضربه رجال الكنيسة بينه و بين الله الذي يريد أن يجد دفأ الصلة الحميمة به ويكلمه و يبوح إليه وحده حتى ينفتح أمامه طريق السمو suliman sidig ali mohammed [[email protected]]