[email protected] مكتوب على جماهير الكرة السودانية كسائر أفراد الشعب السوداني ألا تفرح في هذا الزمان الرديء في كل شيء. حتى أمس الأول كنا نعول على وصول الناديين الكبيرين لنهائي الكونفدرالية هذا العام. ليس لقناعة بأن كرة القدم السودانية تطورت وصارت تقارع نظيراتها العالميات. ولا لإيماننا بأن العبث الذي مارسه رجال المال بهذه الأندية الكبيرة خلال السنوات الماضية قد أتى ثماراً طيبة كما يتوهم البعض. إنما فقط لأن الفريقين الأكبر في بلدنا نافسا أندية ضعيفة هذا العام في الكونفدرالية. وإن كان البعض يرى أن الهلال والمريخ خرجا أمس وأول أمس ولم يبلغا المباراة النهائية لأنه ليس لدينا في السودان فريق بطولات، ففي رأيي أن الناديين الذين بلغا هذه المباراة النهائية لا يستحقان أن يكونا هناك أيضاً. ولهذا كان العشم كبير في أن يلتقي الهلال والمريخ في نهائي سوداني صرف. لكن من أين لنا أن نفرح في بلد كل شيء فيه يسير بالمقلوب! حتى أمام جوليبا وليوباردز فشل الهلال والمريخ في تقديم نفسيهما بطريقة تعكس هذا الضجيج الكبير الذي يحيط بالناديين ولاعبيهما وإدارييهما. أي مريخ هذا الذي شاهدنا بالله عليكم أمام ليوباردز ذهاباً وإياباً! هل شعرتم للحظة وأنتم تتابعون ال 180 دقيقة أن هذا هو الفريق التي تصرف عليه كل الأموال التي نسمع عنها! هل استحق فعلاً أن يُكتب عنه ليل نهار ويوصف بفريق الأحلام وبقاهر الأبطال.. الخ الكلام المعسول الذي يزين به البعض أعمدتهم كل صباح من أجل جذب المزيد من القراء! وأي هلال هذا الذي شاهدناه بالأمس في مباراة الرد! رغم تقدمه بهدفين في لقاء أمدرمان، بدا لاعبو الهلال بالأمس في وضع سيء للغاية. ولم ينجح المدرب غارزيتو لا في اختيار التشكيلة المناسبة ولا في طريقة اللعب ولا في تغيير هذه الطريقة رغم أنه شاهد مثلما شاهدنا جميعاً كيف أن الحارس جمعة أنقذ مرماه من أربعة أهداف محققة في شوط اللعب الأول. الغريب في الأمر أن غارزيتو قال أنه يفضل لقاء جوليبا في هذه المرحلة. وبعد أن وقفت على مستوى ليوباردز المتهالك بحق وحقيقة تساءلت عن مبررات لكلام غارزيتو، فقال لي أحد الأصدقاء ربما أدرك الرجل أنه سيكون منافس صعب في النهائي. وكان ردي هو " معنى ذلك أن غارزيتو لا يريد أن يصل النهائي". فكل المؤشرات أكدت لنا أن جوليبا أخطر من ليوباردز. فكيف يتمنى إذاً غارزيتو لقاء جوليبا ويعجز هو ولاعبوه عن المحافظة على تقدمهم بهدفين نظيفين في لقاء الإياب. من أول خمس دقائق بدا واضحاً أن وسط الهلال لا يدافع جيداً ولا يحتفظ بالكرة ولو لثوان معدودة، وبالطبع لا يمكن لأي فريق كرة يستمر على هذا الشكل أن يحافظ على شباكه نظيفة. لكن المؤسف أن غارزيتو لم يحرك ساكناً وسمح لهذا الوضع أن يستمر. بل في شوط اللعب الثاني فقد الهلال الكرة أكثر ولم يتقدم بها لاعبوه للأمام إلا بعد ولوج الهدف الأول. صحيح أن حكم اللقاء كان رديئاً وظالما لأبعد الحدود. فقد احتسب ضد جمعة ركلة جزاء ليست صحيحة. ووقف يتفرج على المخالفة التي ارتكبها مدافع جوليبا مع مهند داخل الصندوق وأمام عيني الحكم الكريه. لكنه ( ضرب طناش) وبصورة واضحة جداً. ومن شدة خجله من فعلته – لو كان يخجل – لم يشر إلى استمرار اللعب مثلما يفعل الحكام في مثل هذه الحالات عندما يشعرون بأن المهاجم يمثل. لكن الحكم السنغالي الظالم لم يستطع أن يؤمي بأي حركة لأنه عرف في قرارة نفسه أن قراره في منتهى الظلم. لكن كل ما سبق كان متوقعاً من الحكام الأفارقة، خاصة عندما تلعب فرقنا بأرض المنافسين. لذلك قبل أن نلوم الحكم، لابد أن نسأل غارزيتو ولاعبيه: كيف سمحتم بمرور ذلك المهاجم ليواجه جمعة بتلك الطريقة رغم وجود قلبي الدفاع بجواره لحظة تمرير الكرة. لكنهما لم يتعاملا بالسرعة والبراعة اللازمة فأنفرد المهاجم بالحارس لأن وقفتهما من الأول لم تكن سليمة. أما الهدف الثاني الذي ولج مرمى الهلال فهو أيضاً يعكس حالة ضعف مدافعينا وإصرارهم العجيب على الوقوف في المواقع الخطأ. اكتفى المحترف يوسف محمد بالفرجة على المهاجم لأنه كان وراءه بخطوات وبمجرد معانقة الكرة للشباك راح ينوح ويندب حظه وكأن الهلال جلبه من بلده لمثل هذا النواح. لم يكتف يوسف بذلك، بل أهدر ركلة الترجيح للمرة الثانية على التوالي. والسؤال هنا: ألم يضع علينا يوسف من قبل ركلة ترجيح حاسمة؟ فلماذا وقع عليه الاختيار؟! سادومبا لم أتوقع أن يشركه المدرب، فإذا به يستمر في اللعب لتسعين دقيقة كاملة وفي النهاية كمان يمنح ركله ترجيح ليهدرها. وأسأل: متى أضاع سادومبا ضربة جزاء؟! من شاهد منكم ذلك فليذكرني بالله عليكم؟! فحسب علمي أن سادومبا ينفذ ضربات الجزاء بصورة أكثر من جيدة. وفي مرات عديدة كان ينبري لها وينتزع الكرة من زملائه انتزاعاً ليسددها. لكن بالأمس حمل الكرة وبدأ في وضعها على نقطة التسديد بطريقة أوحت لي بأن الركلة ضائعة لا محالة. طوال التسعين دقيقة لم يفعل سادومبا سوى تلك التمريرة لكاريكا، ولا أدري حتى اللحظة كيف فعل سادومبا ذلك! لا يعقل أن تحتفظ بمحترف أجنبي يكلف الملايين لتسعين دقيقة كاملة دون أن يقدم ما يقنع. الهلال لم يتعاقد مع سادومبا ليسجل له في أمل عطبرة ونيل الحصاحيصا. ولا جاء به لكي يبذل العرق ويتألق في الأدوار الأولى من البطولات الأفريقية، وبمجرد الوصول للمراحل المتقدمة يبدو كمن لم يلامس الكرة في حياته. ما أقوله الآن حول سادومبا نوهت له العام الماضي والعام قبل الماضي وبعد المباراة الأولى أمام جوليبا نفسه، لكن لا حياة لمن تنادي. عموماً الخطأ مشترك بين غارزيتو ولاعبيه. ولم أتوقع مطلقاً أن يعجز الهلال عن المحافظة على تقدمه بهدفين ليخسر في نهاية الأمر بركلات الترجيح. وكنت أتمنى أن يوفق جمعة في صد ركلة ثانية لأن الفتى قد بذل الغالي والنفيس واجتهد كثيراً وقدم مستوىً جيداً. خليفة كعادته واصل الأداء الباهت ولم ينجح في شيء، ورغماً عن ذلك لم يستبدله غارزيتو إلا بعد ولوج الهدف الأول. ويبدو أن غارزيتو لم يكن يعلم أن ولوج الهدف الأولى معناه دخول الثاني وكان من الممكن أن يكون هناك ثالث. لازم كاريكا سوء طالع في تصويبته تلك لتصطدم بالقائم، ولو أنها ولجت الشباك لربما تغيرت أمور كثيرة. فشل الناديين الكبيرين في الوصول لنهائي الكونفدرالية معناه أنه من المستحيل أن يحقق فريق سوداني على المدى القريب أي بطولة خارجية. وإن جئتم للحق نحن لا نستحق أن نفوز ببطولة خارجية طالما بقينا على سلوكياتنا المتخلفة في التعامل مع الرياضة. خرج المريخ فخرج بعض الأهلة في مسيرات فرح، وفات عليهم أن فريقهم مازال وقتها في المنافسة، وأنه قد يشرب من نفس الكأس التي شرب منها غريمه. وبالفعل حدث ذلك، فخرجت بعض جماهير المريخ في مسيرات فرح أيضاً لرد الجميل! أي فهم للرياضة هذا بالله عليكم. أعلم أن السبب في كل هذا التشنج والتعصب المقيت هو صحافتنا الرياضية التي يسخر معظم كتابها أقلامهم لنشر هذا التشنج والتعصب. المحير في الأمر أنهم كلما دعوا لمزيد من التعصب وكلما ضحكوا على عقول القراء وكلما قدموا الوعود الكاذبة ازدادت شعبيتهم. فهل نتوقع أن تحقق أنديتنا ومنتخباتنا أي بطولات ونحن على مثل هذا الفهم المتخلف؟! في كل عام يكتبون عن النجوم الدولاريين ومحترفي العيار الثقيل ويروجون لبعض نجوم التسجيلات المحليين، وبانتهاء الموسم تخرج أنديتنا من المولد بدون حمص. وقبل أن تجف دموع البعض تبدأ الوعود البراقة مجدداً على صفحات جرائدنا الرياضية، ويقولون أن رئيس المريخ سيجلب فلان وأن رئيس الهلال قد اتفق مع علان من اللاعبين الأجانب. وبرضو الناس تصدق وتفرح وتهلل، ويتكبد البعض مشقة الذهاب للمطار لاستقبال النجوم الجدد وحملهم على الأعناق، لتحتضن أنديتنا الفشل في العام الذي يليه.. وهكذا دواليك. كم دعونا هذه الجماهير للعب أدوار أكبر وعدم الاكتفاء بأداء دور المغفل النافع على أكمل وجه، لكن لا أحد يسمع. أردد دائماً أنه في وجود صحافة متهافتة حول الربح المادي ولو على حساب أي مبدأ أو قيمة، لا يمكن أن ينصلح الحال. وأؤكد لكم منذ الآن، أن البعض لن يؤثر عليهم خروج الناديين الكبيرين اطلاقاً. وبعد يوم أو اثنين سيخرجون عليكم ببعض المبررات والمزيد من الوعود الكاذبة. وقد قرأت بالفعل بالأمس خبراً يقول أن رئيس نادي المريخ ذكر أن بلوغ هذه المرحلة في حد ذاته انجاز وأن المسيرة ستستمر! ولا أدري إلى متى ستستمر هذه المسيرة ؟! هل يريد جمال الوالي أن تستمر مسيرتهم مع المريخ لفترة 23 عاماً مثل الإنقاذ تماماً، ومع كل صباح تُهدر المزيد من الثروات والموارد وتداس القيم والمبادئ ويكون الحصاد صفراً؟! أفيقوا يا هؤلاء واتقوا الله في هذه الجماهير العاشقة للكرة وتنحوا طالما أنكم غير قادرين على إدارة الكرة في البلد. وقبل ذلك أقول لجماهير الناديين أصحوا من غفوتكم، وتذكروا أن كراهية بعضكم البعض لن تحقق لكم البطولات. وبدلاً من إهدار الوقت والطاقات في هذا التشنج والتعصب فليتجه كل منكم إلى ناديه وينال عضويته لكي يقول كلمته في كل ما يجري داخل هذا النادي. فسماسرة الصحف واللاعبين لن يتنازلوا طوعاً عن أدوارهم الهدامة طالما أنها تعود عليهم بالمال الوفير. وما لم يجدوا مقاومة جادة من أنصار الناديين الحادبين على مصلحتهما حقيقة، لن يتغير أي شيء. وسيذهب أحمد من هذا النادي ليتولى الشأن الإداري فيه حاج أحمد، طالما ظلت الأوضاع كما هي. ولن يظفر الهلال أو المريخ ببطولة خارجية لا في العام المقبل ولا بعد خمسة أعوام، قبل أن تتغير هذه الأوضاع السيئة وقبل أن يتعلم لاعب الكرة السوداني ثقافة الاحتراف فعلاً لا قولاً. فليس هناك محترفاً بالمعنى يكون بينه وبين المباراة النهائية تسعين دقيقة فقط فيلعب بالطريقة التي شاهدنا عليها لاعبي الهلال والمريخ. وكما قال الفنان المبدع هاشم ميرغني رحمه الله رحمة واسعة " كل ما نمشي للأفراح تجي الأحزان تمد إيدا" وذلك لأن الحزن الأكبر ما زال جاثماً على الصدور.