د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم [email protected] تعريف التسول : يعرف التسول بأنه : طلب مساعد ماليه نقدية أو عينيه " طعام أو الكساء..."، من الآخرين، من خلال استجداء عطفهم وكرمهم، إما بسوء الحال أو العاهات أو بالأطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم ( ويكيبيديا، الموسوعة الحرة). أسباب التسول:وقد أشار الباحثون الاجتماعيون إلى تعدد أسباب شيوع ظاهره التسول ، وان أسبابه الاساسيه هي الفقر والبطالة والعجز. أنماط التسول:كما أشار الباحثون الاجتماعيون إلى تعدد أنماط التسول ومن هذه الأنماط: التسول الظاهر: وهو التسول الواضح. التسول المقنّع: وهو التسول المستتر وراء أنشطه أخرى مثل بيع السلع الصغيرة أو أداء بعض الخدمات البسيطة . التسول الموسمي: وهو التسول في مواسم ومناسبات معينه مثل الأعياد أو رمضان. التسول العرضي: وهو التسول المؤقت الناتج عن ظروف استثنائية. التسول الاحترافي: وهو اتخاذ التسول حرفه. التسول الاضطراري: وهو تسول الشخص العاجز عن العمل ، والذي لا يتوافر له اى مصدر دخل آخر غير التسول. آثار التسول: كما أشار الباحثون إلى أن للتسول أثاره السالبة على المتسول ذاته ،من حيث إهدار كرامته الانسانيه، وأثاره السالبة على المجتمع من حيث حرمانه من العمل المنتج الذى كان من الممكن ن يقوم به المتسول. موقف الفكر الاجتماعي الاسلامى من ظاهره التسول: التمييز بين الكيفيات: أما موقف الفكر الاجتماعي الاسلامى، على مستوى أصوله النصية الثابتة، من ظاهره التسول فيقوم على التمييز بين كيفيتين للتسول: الكيفية الأولى: الكيفية الأولى للتسول هي التسول بدون حاجه أو ضرورة أو اضطرار، وحكمها المنع، قال الرسول (صلى الله عليه و سلم)(... مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ) ، وروى أصحاب السنن ("من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش أو خدوش أو كدوح في وجهه " ، فقيل : يا رسول الله ! وما الغنى ؟ قال " خمسون درهما أو قيمتها ذهباً) ( رواه الأربعة)، وقال الرسول ( صلى الله عليه وسلم) " من سأل وله أوقية فقد ألحف " ، ( رواه أبو داود والنسائى ).وتتضمن هذه الكيفية التسول اتخاذ التسول حرف رأى عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) سائل يقول: من يعشينى؟ من يعشينى؟ فقال: عشوَه. ثم وجده بعد ساعة يمشى في الشارع يقول: من يعشينى؟ فيقول عمر: ألم أأمر أن تعشوه، فيردوا: عشيناه يا أمير المؤمنين.. فأتى به عمر وقال له: أنت ليس بسائل أنت تاجر، فضربه وأقسم عليه بعدم تكرارها.وأغلب النصوص الواردة في النهى عن التسول متعلقة بهذه الكيفية من كيفيات التسول ومن هذه النصوص قوله (صلى الله عليه وسلم)( لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتى بحزمة من الحطب فيبيعها . فيكف الله بها وجهه ، خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ) ( رواه البخاري)، وعن ثوبان (رضي الله عنه) فيما أخرجه أبو داود والبيهقي في الكبرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاَ وأتكفل له بالجنة؟ فقال: أنا يا رسول الله فقال: لا تسأل الناس شيئاً، فكان لا يسأل أحداً شيئاً)، وعن ابن عمر (رضي الله عنهما )مرفوعاً فيما أخرجه الشيخان(لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم). الكيفية الثانية:أما الكيفية الثانية من كيفيات التسول فهي التسول مع الحاجة والضروه والاضطرار ، وحكمها الاباحه المقيدة بمقدار هذه الضرورة بدليل ما رواه مسلم في صحيحة عن قبيصة بن مخارق الهلالي (رضي الله عنه) عن الرسول( صلى الله عليه وسلم) أنه قال : ( إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ، ورجل أصابته فاقة فقال ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ) ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( ما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكله صاحبه سحتاً) (رواه الإمام أحمد في ( مسند البصريين ) حديث قبيصة بن مخارق برقم" 20078" ، ومسلم في ( الزكاة ) باب من تحل له المسألة برقم "1044"( . آليات معالجه ظاهره التسول في الفكر الاجتماعي الاسلامى : استنادا إلى تمييز الفكر الاجتماعي الاسلامى، على مستوى أصوله النصية الثابتة، بين الكيفيتين السابقتين للتسول، يميز بين نوعين من أنواع آليات معالجه ظاهر التسول النوع الأول : آليات معالجه ظاهره التسول طبقا لكيفيته الأولى ، اى التسول بدون حاجه أو ضرورة أو اضطرار، وتتضمن –على مستوى الدولة- تجريم التسول طبقا لهذه الكيفية، وفرض عقوبة تعذيريه عليه استنادا إلى النصوص الواردة في النهى عن التسول طبقا لهذه الكيفية، مع تشجيع المتسول في هذه الحالة على البحث عن عمل . كما تتضمن هذه الآليات – على مستوى الفرد جواز عدم إعطاء المتسول في هذه الحالة النوع الثاني: آليات معالجه التسول طبقا لكيفيته الثانية، اى التسول مع الحاجة و الضرورة و الاضطرار، وتتضمن –على مستوى الدولة- أن تقوم الدولة بتوفير العمل لكل عاطل عن العمل قادر عليه ،الحديث الذى روى عن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى الرسول (صلى الله عليه وسلم )، يسأله فقال : أما في بيتك شيء ؟ قال : بلى : حلس (كساء) ، نلبس بعضه ، ونبسط بعضه ، وقعب (القدح) . نشرب فيه الماء ، قال : ائتني بهما فأتاه بهما ، فأخذهما الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ، وقال من يشترى هذين ؟ قال رجل : أنا أخذهما ببدرهم ، وقال : من يزيد على درهم ؟ مرتين أو ثلاثا قال رجل : أنا أخدهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين . وأعطاهما الأنصاري وقال : أشتر بأحدهما طعاماً وانبذه إلى أهلك ، واشترى بالأخر قدوما فائتني به ، فشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له : أذهب فاحتطب وبع ...). كما تتضمن هذه الآليات توفير الدولة ضمان اجتماعي لكل عاجز عن العمل ، نتيجة لمرض أو شيخوخة... بدليل أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) د رأى شيخ يهودي يتسول فقال: لا والله ما أنصفناك إذ أخذناها منك شاباً ثم ضيعناك فى كبرك، ثم يأمر له بعطاء.كما تتضمن آليات معالجه التسول طبقا لكيفيته الثانية- على مستوى الفرد – الحث على الإنفاق على السائلين كما في قوله تعالى ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة :177) ، وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (المعارج : 24 ، 25 ) . -للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (http://drsabrikhalil.wordpress.com)