وددت لو مررت على أوراقي عن ثقافة الرباطاب قبل نشر كلمتي " Relax: ودا أوديهو وين" التي نعيت فيها على الصفوة أنها فاكاها في نفسها وطلّقت المرح البريء منذ حلول الإنقاذ قبل ربع قرن. وكلما بقيت الأنقاذ توشحت صفوتنا بثوب حدادها. وسبب حسرتي أني وجدت كلمة رشيقة عن هذا المزاج العكر النكد من مرويات البروفسير مدينة الحاج بقرية العبيداب قريباً من كرقس. وكان الأمين كاكوم يسمي الواحد من فحول شعراء البادية ورواتها ب"البروفسير". فمثلاً كان يقول لي "حدثني البروفسير محمد ود عيد" قال. ومحمد ود عيد كان ضامن الكبابيش بزريبة أم درمان. ووجدت البروفسيرة مدينة الحاج الرباطابية تقول في أوراقي: "الجبهة الصاري والروح الكاري طلوع روحه للنار". فتأمل! وددت أيضاً لو نظرت في أوراقي عن ثقافة الرباطاب قبل حضور ندوة اتحاد الكتاب السودانيين عن الهوية أو النسب الحضاري. فقد بدا لي يومها (ودائماً) أن هناك من يعمل قلم التصحيح في نسبتنا نحن عرب السودان إلى العرب. فمن قائل إننا "غابوصحراوي" أو "سودانوي" أو "كوشي" عديل. أما العرب فيطرشنا. وهذا محض افتراء من بعض كتابنا بعلمهم القليل عن السودان وغير السودان. علاوة على ما أعترى نظرهم في هويتنا من "تسييس" ضار خلال العقود الثلاثة الماضية. من حق كتابنا أن يبتكروا من الهويات ما ناسبهم. فالهوية وهم كبير ورشيق. ويمكن أن تكون للصفوة في جماعة ما هوية مستقلة. ألم يدعو مفكر في مقام طه حسين إلى أن إنتماء مصر إلى ثقافة البحر الأبيض المتوسط لا العرب. ثم لم تنجح دعوته. وصارت مصر جمهورية عربية. تسلم. ولكن على الصفوة ألا تعتقد أن ما تعتقده عن هويتها ملزم للآخرين. فهناك الهوية من أسفل كنَاشِئَةَ اللَّيْلِ" أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا". إن عروبة عرب السودان حق. فلو دخلت بادية الكبابيش لوجدتهم يحيون بعضهم بسؤال "عربك كيفنهم". بل تجد حتى من نزعم أنهم نوبة مثل المحس يفترعون طريقاً ذكياً للعروبة عن طريق اللغة والإسلام. قالت شاعرتهم في "بنينة" (وهي غناء نساء في يوميّ ختان الأولاد والعرس يعرضن فيه نسب الأسر ومزاياها): نحن المحس الأصال نحن أولاد نفل إلا العبوس بطاله وأهلك جابو من بطن المدينة ودارها جدنا ود أبي طالب عقيد الغارة حرمانين على النار الوقودها حجارة ديل محس سيسي الأصال اللابربطو النية ثم هترت: لانا حلب ولانا عرب ولانا النوبة نبقى قراده عباسية أصال عند الله لينا زيادة فأنظر كيف نفت أن يكون أهلها العباسية "عرباً" بالنظر إلى "عرب الخلاء" في البادية. فالبدو (من عرب وبجاة) عرب عند المغنية ناقص أي ملكية بالقرى. لا أعرف إن كان بوسع صفوتنا تحويل هويتنا إلى ما تريد أو تلقى مصير طه حسين! أموت وأعرف "سيسي" التي جاء منها أعزة المحس! Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]