أورد د. حسن الترابي في حيثيات اللقاء الذي نشر في صحيفة سودانايل الإلكترونية النص اللآتي " أبو إبراهيم زفت ويطلع إبراهيم أبو الأنبياء وخليل الله، هذه الدنيا عجيبة جدا" أنتهى . وهذا القول غير مقبول شكلاً ولا مضموناً ، فصدره سوء أدب وعجزه جهل. وما كان ينبغي أن يرد ممن هو في مقامه؛ إذ يعد زعيماً لطائفة تحسب نفسها جاءت لصياغة الإنسان السوداني صياغة إسلامية جديدة . ورجل في مقام الترابي؛ إذ نصب قدوة كان ينبغي أن يتحلى بأدب الخطاب. فما يقوله سيقتدي به ، وله أثر كبير على تربية الأجيال التي ستتشرب هذه النزعة . ولعل نظرة عامة في محيطنا السوداني يدرك أن الترابي هو أكثر الشخصيات السياسية التي استطاعت أن تستنسخ لها شخصيات نمطية عدة. ولربما نعت البعض بأنه كان متبسطاً في القول ، وحسبه "كلام جرائد". وعندي أن كونه كلام جرائد هو مكمن الخطر. فالصحف أبعد أثراًً من الكتب العلمية التي لا يطلع عليها إلا قلة ، لها القدرة في تحديد عيار مثل هذه الأقاويل. وعلى ذكر مقاله عن آزر فنورد هنا نص ما قاله الشيخ الشعراوي عن أبوة آزر لإبراهيم عندما فسر قوله تعالى:((إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)) مريم:42 يقول الشيخ الشعاروي: "هذا الحديث من إبراهيم عليه السلام لأبيه على اعتبار أنه نبي جاء ليُعدِّل سلوك الناس على وَفْق منهج الله، وأوّلهم أبوه، وقد ذكره القرآن هكذا بأبوته لإبراهيم دون أن يذكر اسمه، إلا في آية واحدة قال فيها((لأَبِيهِ آزَرَ ))الأنعام: 74. وهذه الآية أحدثتْ إشكالاً فظنَّ البعض أن آزر هو أبو إبراهيم الحقيقي الصُّلبي، وهذا القول يتعارض مع الحديث النبوي الشريف الذي يُوضّح طهارة أصْل النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: " أنا خيار من خيار، ما زِلت أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ". إذن: فأصول النبي إلى آدم "طاهر متزوج طاهرة" ، فلو قلنا: إن آزر الذي قال الله في حقه: ((فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)) التوبة: 114 هو أبو إبراهيم، لكَانَ في ذلك تعارض مع الحديث النبوي، فكيف يكون من آباء محمد صلى الله عليه وسلم مثل هذا الكافر؟ ولو تأملنا إطلاقات الأُبوّة في القرآن الكريم لخرجنا من هذا الإشكال، فالقرآن تكلم عن الأبوة الصُّلْبية المباشرة، وتكلم عن الأُبوة غير المباشرة في الجد وفي العم، فسمَّى الجد أباً، والعم أباً؛ لأنه يشترك مع أبي في جدي، فله واسطة استحق بها أن يُسمَّى أباً. وفي القرآن نصَّان: أحدهما: يُطلِق على الجد أباً، والآخر يُطلِق على العم أباً. فالأول في قوله تعالى من قصة يوسف عليه السلام: ((وَدَخَلَ مَعَهُ 0لسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَ انِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ 0لآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ 0لطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ 0لْمُحْسِنِينَ ))يوسف: 36. فاختاروا يوسف لتأويل رؤياهم؛ لأنهم رأوه من المحسنين، فكأن الإحسان له مقاييس معروفة حتى عند غير المحسن، فلما تعرَّضوا لأمر يُهمهم لم يلجئوا إلا لهذا الرجل الطيب، فمقاييس الكمال محترمة ومعتبرة حتى عند فاقد الكمال. فلما قالوا له: (( إِنَّا نَرَاكَ مِنَ 0لْمُحْسِنِينَ ))يوسف: 36 علم أنهم متتبعون حركاته وتصرفاته، وكيف سلوكه بينهم، فأراد أنْ يزيدهم مما عنده من إشراقات، فأمْره ليس مجرد سلوك طيب وسيرة حسنة بينهم، بل عنده أشياء أخرى، فقال: (( لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا)) يوسف: 37. ثم ترك الإجابة عن سؤالهم، وأخذ في الحديث فيما يخصّه كنبيّ وداعية إلى الله، فأخبرهم أن ما عنده من مواهب هو عطاء من الله، وليس هو بأذكى منهم، فقال:(( ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِ0للَّهِ وَهُمْ بِ0لآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَ0تَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ)) يوسف:38 ثم يلفت نظر رفاقه إلى بطلان ما هم عليه من عبادة أرباب متفرقين لم ينفعوهم بشيء، فهاهم يتركونهم ويلجئون إلى يوسف الذي له رَبٌّ واحد: (( يٰصَاحِبَيِ 0لسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ 0للَّهُ 0لْوَاحِدُ 0لْقَهَّارُ ))يوسف: 39. وهكذا كان يوسف النبي الداعية حريصاً على نَشْر دعوته وهداية مَنْ حوله، حتى وهو في سجنه ما نسِيَ مهمته، وما قصَّر في دعوته، فلما فرغ من موعظته واستطاع بلباقة أنْ يُسمعِهم ما يريد، وإلاّ لو أجابهم عن سؤالهم من بداية الأمر لانصرفوا عن هذه الموعظة، وما أعاروها اهتماماً. والآن يعود إلى سؤالهم وتفسير رؤياهم:(( أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا 0لآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ 0لطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ 0لأَمْرُ 0لَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ))يوسف: 41. شَاهِدُنا في هذه القصة هو قوله تعالى: ((وَ0تَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ)) يوسف: 38 ويوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم، فسمَّى الأجداد آباءً. وقد يُسمَّى العَمُّ أباً، كما جاء في قوله تعالى:(( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ 0لْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)) البقرة: 133 فعَدَّ إسماعيلَ في آباء يعقوب، وهو عَمَّه. إذن: لو أن القرآن الكريم حينما تحدث عن أبي إبراهيم فقال (لأبيه) في كل الآيات لا نصرف المعنى إلى الأُبوة الصُّلْبية الحقيقية، أما أنْ يقول ولو مرة واحدة ((لأَبِيهِ آزَر))َ الأنعام: 74 فهذا يعني أن المراد عمه؛ لأنه لا يُؤتي بالعَلَم بعد الأبوة إلا إذا أردنا العم، كما نقول نحن الآن حين نريد الأبوة الحقيقية: جاء أبوك هكذا مبهمة دون تسمية، وفي الأبوة غير الحقيقية نقول: جاء أبوك فلان. وبناءً عليه فقد ورد قوله تعالى((لأَبِيهِ آزَرَ ))الأنعام:74مرة واحدة، ليثبت لنا أن آزر ليس هو الأب الصُّلْبي لإبراهيم، وإنما هو عَمَّه، وبذلك يسْلَم لرسول الله صلى الله عليه وسلم طهارة نسبه ونقاء سِلْسلته إلى آدم عليه السلام. وقوله: ((:يٰأَبَتِ )) مريم: 42 وكان التركيب العربي يقتضي أن يقول: يا أبي، إلا أنهم يحذفون ياء المتكلم ويُعوِّضون عنها بالتاء، فلماذا؟ قالوا: لأن (أبت) لها مَلْحظ دقيق، فهو يريد أنْ يُثبت أنه وإنْ كان أباً إلا أن فيه حنان الأبوين: الأب والأم. فجاء بالتاء التي تشير إلى الجانب الآخر؛ لذلك نجدها لا تُقال إلا في الحنانية المطلقة (يَا أَبَتِ) كما لو ماتتْ الأم مثلاً، فقام الأب بالمهمتين معاً، وعوض الأبناء حنان الأم المفقود".المصدر تفسير الشعراوي حاشية من حكم الشعراوي: سئل الشيخ الشعراوي عن جماعة الإخوان المسلمين فقال عنها: شجرة رحم الله من غرسها وغفر لمن استعجل ثمرتها Abdalla Ahmad [[email protected]]