كامل إدريس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    حفل الكرة الذهبية.. هل يحقق صلاح أو حكيمي "المفاجأة"؟    القوز يعود للتسجيلات ويضم هداف الدلنج ونجم التحرير    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    شاهد بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم وصلة رقص فاضحة وتبرز مؤخرتها للجمهور وتصرخ: "كلو زي دا" وساخرون: (دي الحركات البتجيب لينا المسيرات)    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    تمديد فترة التقديم الإلكتروني للقبول الخاص للجامعات الحكومية وقبول أبناء العاملين    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    (في الهلال تنشد عن الحال هذا هو الحال؟؟؟)    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    الإرصاد في السودان تطلق إنذارًا شديد الخطورة    الزمالة أم روابة في مواجهة ديكيداها الصومالي    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حنتوب الجميلة .. بقلم: الأستاذ الطيب السلاوي
نشر في سودانيل يوم 29 - 06 - 2014

أحمد صلاح بخاري: سحر السعاتة وحنتوب ينفذ في ملكة بريطانيا
استقر "الشرتاى بخارى على" باسرته العريقة، التى ضربت بجذورها فى أعماق التاريخ، فى قرية "السعاته" فى غرب كردفان. ورغم انتقال الكثيرين من ابنائها الى مختلف المواقع فى انحاء السودان إلا ان السعاته ظلت وما تنفك فى خلجات نفوس ابنائها مستقرة يهرعون اليها من اقاصى السودان و من خارجه كل حين. انصب كل اهتمام عاهل الأسرة على تعليم ابنائه واحفاده فاستقطب لهم العلماء واتاح لهم فرص الأخذ من العلوم والمعارف بنصيب وافر من منابعها الدينية منها والمدنية الحديثة على حد سواء . مما أهلهم للوصول الى اعلى المناصب الحكومية على مر الزمان. ففى الاربعينيات من القرن العشرين بزغ نجم الدكتور احمد بخارى فى ودمدنى سنين عددا وانتخب نائبا برلمانيا اكتسب احترام معارضيه السياسيين قبل مؤيديه ليصبح زيرا للصحة فى مختلف الحكومات الوطنية بعد الاستقلال .وذاع صيت ألأدارى النافذ ادريس فى مجالات الأدارة والحكم وفى رئاسة المديريات. وارتقى شقيقه محمود منصب مديرعام الشرطة وابن عمه الطيب بخارى رئاسة الأدارة العامة لشرطة المرور وغيرها من الادارات. وتولى اسماعيل الشقيق الأصغر لأستاذنا احمد رئاسة ادارة الأعمال الحسابية فى مختلف المؤسسات ألأقتصادية والوزارات (رحمة الله عليهم جميعا فى الفردوس ألأعلى). وبلغت سعادتنا قمتها فى جامعة الخرطوم بصداقة فتى آخرمن منظومة العقد الفريد من ابناء واحفاد الشرتاى النوابغ هو الإدارى الذرب ورجل لأعمال (متعه الله بالمزيد من الصحة والعافية) بخارى محمود .
فى صرحنا التعليمى الشامخ سعدنا بلقاء استاذنا العزيز الراحل احمد صلاح بخارى الذى حط رحاله فى حنتوب قادما لتوه من بريطانيا العطمى بعد اكمال ابتعاثه فيها ليصبح من قلائل حملة الدرجات العلمية الرفيعه. فقد حصل على الكالوريوس بدرجة الشرف فى مادة التاريخ ببرطانيا مرتقيا بشهادة"دبلوم المدارس العاليه" التى حصل عليه عند نهاية دراسته وتخرجه فى المدارس العاليه بكلية غردون التذكارية عام 1948. تولى الأستاذ احمد مقاليد رئاسة شعبة التاريخ حال وصوله حنتوب فى بداية عام 1952 بعد انتقال المسترهولت الى قسم ألأرشيف بالخرطوم. فى حين واصل مستر شارلس سميث ومستر جض البريطانيين تولّيهما رئاسة شعبتى التاريخ فى كل من وادى سيدنا وخورطقت ليخلفهما على التوالى فى عام 1955 الأستاذان صالح محمد صالح وعبد الباقى محمد (رحمة الله عليهما) بينما آل الموقع فى حنتوب من جديد الى المستربيل هيندل فى عام 1954 (عند مغادرة ألأستاذ احمد صلاح بخارى الى مشروع الجزيرة نائبا لمدير الخدمات ألأجتماعيه) لتعود قيادة الشعبة سودانية مرّة اخرى فى عام 1959 الى ألأستاذ ابراهيم عبدالله (رحمه الله) عندد رحيل هندل الى المعهد الفنى بالخرطوم (جامعة السودان اليوم) لتدريس اللغة الإنجليزية الى ان غادر السودان عام 1970 .
عند تخرجه فى كلية الآداب بالمدارس العليا فى عام 1948حاصلاعلى دبلوم الكلية التحق أستاذنا احمد صلاح بخارى بوزارة المعارف معلما بالمدارس الوسطى ليتم ابتعاثه الى بريطانيا ّ يتم العامين من سنوات خدمته. أهّله لذلك ألأبتعاث الباكر ذكاؤه الوقاد وسعة افقه وثقافته المتفرّدة وحماسته واندفاعه لأداء عمله داخل وخارج الفصول وفوق هذا وذاك اتقانه التام غيرالمسبوق للغتين وبصفة خاصة للإنجليزية كتابة وشفاهة. فكل من سمعه يتحدثها قبل ان يراه اعتقد أنه لابد أن يكون بريطانىا لسانا ومولدا ونشأة وأقامة .شىء بديع كان . سحرا يؤثر. طلاقة لسان فى سحر بيان مع نبرات صوت تأسر عقل كل إنسان.
لم يرشح الينا فى حنتوب من سيرة واخبار الأستاذ أى قدر قبل وصوله. ربما لأنه كان حديث تخرج نسبيا أو لأن حنتوب كانت أولى محطات عمله فى المدارس الثانوية ولم تتح لتلاميذه صغار السن فى مواقع عمله قبل حنتوب الفرصة الكافية للتعرف علي جوهره عن كثب والتمكن من تحليل شخصيته من منظور طلابى لتجد سيرته طريقها من بعد انتشارا فى فضاءات المدارس. وربما يعزى أيضا لغيابه وبعده عن السودان باكرا بعد التحاقه بالعمل. حط الأستاذ رحاله فى أرض حنتوب فى الاسبوع الأول من شهر يناير 1952 ليستقر به المقام والبسط مشاركا أستاذ الفنون والرسم والجماليات الشاعر والأديب ادريس البنا ( حفظه الله ومتعه بالمزيد من الصحة والعافيه) سكناه فى احد المنازل المخصصة دواما لغير المتزوجين من البريطانيين والواقعة شرقى داخلية"ابو لكيلك".حالما انتصب الأستاذ واقفاً على مسرح حنتوب مواجها طلابها المجتمعين فى ذلك الصباح الأغر عند تقديم المستر براون (الذى تقدم نحوه وشد على يده مرحبا) لفت ألأنظار بأناقته وهندامه وملبسه. فلا غرو وهو القادم لتوه من بريطانيا .قوامه الممشوق المائل الى الطول وألأعتدال فى غير نحافة مفرطه مع ترابط بدنى اظهر جليا ما كان عليه من نشاط وحيوية عندما نهض من "الكنبة" متقدما على المسرح نحو المجتمعين وعلى محياه وسامة بينه تختلط بومضة من بريق يفصح عن تجوال مياه الشباب على خديه لتتلالأ أقدار من بهاء على وجهه بلونه الداكن. سحر كل من كان جالسا فى الاجتماع حالما نطق لسانه بعبارات انجليزية شاكرا المستربراون فى نبرات صوت لم نعرف لها مثيلا الا عند طلقاء اللسان من البريطانيين فكان لها فعل السحر فى ألأسماع والوجدان.
بمرور الأيام ظل كل المقيمين فى حنتوب يرون كل حين فى احمد صلاح ابتسامته الوضاءة وبشاشتة عند اللقاء ويلمسون تواضعه الجم ودماثة خلقه واحترامه لنفسه وللآخرين. وفوق هذا وذاك العلم الدافق والانطلاق المعرفى والثقافة الواسعة التى لم تكن تحدها حدود فى توافق كامل وارتباط محكم وتجانس فريد مع رحابة مساحة أرض حنتوب واتساعها مد البصر دون حواجز طبيعية الا من مجرى النيل الأزرق جنوبيها مع أحساس كل من وطأت قدماه ثراها طلابا ومعلمين وعاملين وزائرين بانفتاح الحياة في أرجائها وانطلاقها فى دنيا المعارف والعلوم وآفاق حسن العلاقات والوداد وألأصالة والعمل الدؤوب لغرس مكارم الأخلاق فى نفوس المقيمين فيها.. كان الحزم التام فى ساعات الجد ديدن ألأستاذ احمد وألأنضباط الكامل مسلكه لاتهاون فى قاموس تعامله مع الطلاب ولاسماح لهم بتكاسل او تفريط فى واجب على مدار الساعة. مما جعله (كما نمى الى علمنا فى لاحق من الزمان) انه كان يحظى باحترام وتوقير وثقة المستربراون ومن أحب قدامى طلابه وأقربهم الى نفسه منذ لقائهما فى كلية غردون التذكارية فى بدايات الأربعينات لمّا كان المسر براون من الواقفين فى معاملها والأستاذ من الجالسين عليها رعم ميل ميزان توجهاته الأدبية.
لم يكن لنا نصيب فى تدريس الاستاذ احمد صلاح والأستماع اليه داخل فصل ابن خلدون بصفة دائمة إلا اننا كنا نسعد بوجوده عند تطوافه اثناء نوبتجيته المسائيه فى دوراتها المتعاقبة متفقدا او شارحا فى اختصار غيرمخل، او مجيبا فى صوت خفيض من يسألونه توضيحا لبعض ما غاب عنهم. ولكنا أصبحنا من الجالسين الى حلقات درسه اعتبارا من الاسبوع الاول من نوفمبر1952عندما غادرنا الأستاذ محمد عبدالحليم الى معهد التربية فى بخت الرضا لحضور فترة تدريبية طلب منه التوجه لحضورها فتولى ألأستاذ احمد بنفسه تدريس حصص ألأستاذ "حليم" اثنا ما تبقى من العام الدراسي الى ان حل موعد امتحان الشهادة فى منتصف شهر ديسمبر. كان كل وجود للأستاذ احمد صلاح بخارى فى فصول"الروابع" (كورى وفرادى وابن خلدون وشكسبير)خلال تلك العشر الأواخر من العام الدراسى سببا كافيا ومدعاة لتسابق لافت للنظر ممن كانوا متقدمين للجلوس لامتحان مادة التاريخ. وهم فى سعيهم للفوز بمقعد او موطىء قدم داخلها اثناء زمن حصص المواد التى كانت خارج مصفوفة المواد التى سيجلسون لأداء امتحان فيها نهاية العام والتى تم اعفاؤهم من حضورها . فكان الاستاذ يصول ويجول على منصات الفصول منطلقا بكل حواسه معيدا ومراجعا احداثا بعينها اختارها من بين احداث الحقب التاريخية التى تضمنها مقر رالتاريخ الاوروبى وتاريخ السودان مما كان لها فى نظره اهمية وخصوصية ويتوقع السؤال عنها فى ورقة الامتحان، متناولا فى الوقت نفسه بعض نماذج من تلك الأسئلة التى سبق ورودها فى اوراق امتحانات سوالف السنين، ومساعدة الطلاب فى مجموعات لتحديد أبرز واهم النقاط التى يجب ان تحتويها الأجابات تاركا للطلاب -كل باسلوبه- القيام بصياغتها فى مقالات يقوم هو بمراجعتها وتصحيحها ناصحا البعد عن حفظها تحوطا لظنون المصححين
عرفنا فى ألأستاذ احمد صلاح بخارى نقاء الصدر وصفاء النفس مع اقدار من روح المرح والدعابة وفيرة. تبينت لى شخصيا أكثر وأكثر فى لاحق من الزمان. إلا أنه فى ذات الوقت كان يفيض اضعافا بروح الأنضباط والحزم فى مسارعة الى احكام حسم الأمور والعمل على اعادة كل سلوك طلابى خارج عن مساره فى التو والحين الى قواعده بكل ما يتطلبه الموقف من ضبط وصرامة. كثيرا ما كانت تذهب بالخارجين عن النظام وكل من سوّلت لهم نفوسهم العبث او"القندفة" الى الغرفة ذات"ألأريكة" اذا لم يكن النصح ولفت النظر والزجرقد اثمر واتى اكله بالتغييرالمطلوب فى السلوك. وكان قد اشتهر من بين هؤلاء وأولئك (زوار الغرفه) نفر من "بتوع" فصل رابعه شكسبيىر الذين كان الأستاذ أباً لفصلهم. فى زياراتى المتعددة له فى مقرسكناه بمدينة الصافية بعد انتفاضة ابريل إبان فترة عمله امبنا عاما ومديرا للمراسم فى القصرالجمهورى، والتى تزامنت مع مسار عملى وكيلا لوزاره التربية، كنا نسترجع ذكريات أيام عمله فى حنتوب التى.كان يعتبرها أمتع وأسعد ايام حياته وكم كان يتمنى ان لو"عدنا او عادت ألأيام". سألته ذات مرة عن أسرار صرامة تعامله مع ذلك النفرمن"بتوع" شكسبير كما كان يسميهم أحيانا رغم ما عرفناه عنه من ظرف ودعابة وروح مرح. ولكنه تبسم متغافلا عن الرد عن تساؤلى واكتفى فقط بالأشارة الى أسطورة "قطع رأس الكديس من الليلة ألأولى". ونتنقل مع احاديثه الشائقة عن أزمان اخر: عن فترة عمله فى مشروع الجزيرة العملاق الذى كان قد انتقل اليه نائبا للاستاذ السفير لاحقا رحمة الله عبدالله (متعه الله بالمزيد من الصحة والعافية) الذى كان أيضا قد عمل لفترة قصيرة فى حنتوب معلما للتاريخ فى بداية عهدها الزاهى بعدعطاء ممتد فى معهد بخت الرضا.وهكذا كان قدر الرجلين ان تتابعت خطاهما الى بلاط الدبلوماسية عبر ادارة الخدمات الأجتماعية فى مشروع الجزيرة بعد بداية من التعليم وفى حنتوب كمان!
في وزاراة الخارجية وفي بلدان العالم الفسيح حيث تقلد استاذنا العديد من المناصب وتقلب في مختلف المواقع. فماعرفه عنه وتناقله زملاؤه الدبلوماسيون سودانيون وغيرهم، أو رفاقه في مشروع الجزيرة موظفون ومزارعون، وما رشح عنه في آفاق الدبلوماسية داخل السودأن وخارجه عن انجازته، لهو بكل تاكيد جزء يسير من صفحات فخرمن عطائه الممتد وآثاره الخالدة مما يطول الحديث عنه وتجدر الاشادة به. كُلف بكبار المهام، فاختير لتولي قيادة بعثات التمثيل الدبلوماسي في أهم دولتين كان للسودان بهما أوثق العلاقات في سوالف الزمان؛ دولتى الحكم الثنائي مصروبريطانيا العُظمى. وفي سفارتيهما تفرّد عطاؤه وأضحى مضرب المثل داخل الوزارة وفي السفارات الأخرى. كسب لأهل السودان صداقة الشعوب عامة وشعبى مصر وبريطاني على وجه الخصوص. كان الأخ الكريم للكبارمن السودانيين والأب الرحيم لصغارهم أينما حل وأقام ممثلا أهل السودان في الخارج . جعل أبواب مقر السفارة ودارإقامته مشرعة لكل السودانيين- مقيمين أو زائرين ودارسين يلتقون به فيهما بلاحدود أوحواجز تشد من أزره وتقف من خلفه في كرمه وأريحيته زوجته السيدة الفضلى وابنة عمه المرحوم محمد بخاري. أرسى الكثيرمن قواعد العمل الدبلوماسي ونظمه ضارباً أعلى المثل لزملائه ومرؤوسيه من أسرة السفارة وأفراد أسرته في حسن التعامل والتقارب مع الآخرين، والبعد عن زخرف العيش وبهرجه في خارج السودان، والتسامي عن الصغائر.
كان اختيارالأستاذ سفيراً للسودان في بريطانيا مَعلَماً دبلوماسياً فريداً في تاريخ بلاط الدبلوماسية البريطانية. فحالما فرغ من اكتمال إجراءات تقديم أوراق اعتماده للملكة جلس يحادثها - كما جرت الأعراف الدبلوماسية– متناولاً ما كان بين المملكة المتحدة والسودان من عمق الصلات، وما يؤمل ويُرجى أن تصل إليه العلاقات بين البلدين مستقبلاً، والى غيرذلك من الموضوعات ذات الصلة متقيّداً بالزمن اليسير الذي يحدده البروتوكول في مثل هذه المواقف. غير أن نبرات صوت السفيروسحر بيانه أخذا من لب الملِكة كل مأخذ فسحرها برصين عباراته وعِوضاً عن الإشارة بإنهاء اللقاء أومأت بطرف خفي مبدية رغبتها في مواصلة الحديث. فكان ذلك خروجاً بيّناً غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية البريطانية عن نظم البروتوكول والأعراف الدبلوماسية.
أثناء فترة بقائه القصيرة في بريطانيا، وفي تعاون تام مع طاقمه المتجانس في السفارة، حقق الكثيرمما خطط له من برامج. كأنه كان يستقرىء المستقبل فلم يطل بقاؤه في بريطانيا حيث استدعي إلى السودان ليشغل منصب "حاكم أقليم كردفان" في إطارتطبيق نظام الحكم الإقليمى في البلاد، ومشاركة المثقفين من أبناء الأقاليم في إدارة شؤون مناطقه،م ومساهمة نفر من التكنوكراط في تطوير حياة أهليهم وتنميتها. لبّى ابن كردفان البار نداء الوطن وعاد إلى ديار أهله في كردفان"الغرّا أم خيراً جووّا وبرّا". حمل المسؤولية في كفاءة وحنكة منقطعة النظير. فعُدّ من الإداريين ذوي الحكمة ووضوح الرؤيا ممن بزغ نجمهم وعرفت البلاد في الحكم المحلي من بريطانيين ووطنيين. وبنهاية النظام المايوي في عام 1985 وقع عليه الاختيارليشغل منصب الأمين العام ومديرالمراسم في القصر الجمهوري حيث ظل يواصل عطاءه في ارجائه. وكان في قمة سعادته بلقائه مرّة ثانية برفيقه وزميله في حنتوب الشاعر إدريس البنا الذي شغل منصب عضو مجلس السيادة، فبقى هناك إلى أن بلغ سن التقاعد، فانتقل إلى مجال العمل الحر في شراكة مع بعض قدامى رفاق دربه إلى أن وافى أجله المكتوب وكتابه المسطور فرحل إلى رحاب رب غفوركريم مخلفاً أعطرالذكريات، وأبقى الآثار والبصمات في وجدان كل من تعامل معه في مختلف المجالات عبرسنين حياته القصيرة والعامرة بكل جلائل الأعمال .وظلت حنتوب وفترة عمله في التعليم على قلة سنواتها تسيطران على كل خلجات نفسه يذكرها في تحنان فريد. يذكر أستاذه المستر براون وزملاءه وبعض طلابه في ربوعها. رحم الله الأستاذ أحمد صلاح بخاري في أعلى عليين بين الشهداء والصديقين بقدرما علّم وأرشد وأعطى وبذل في كل موقع من مواقع العمل العام وجعل الفردوس الأعلى مقرا له ومقاماً مع كل من سبقه أو لحق به إلى دار الخلود والقرار من زملائه معلمينا وأساتذتنا الأفاضل الأخيار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.